الدستور
في ظل التحديات الاقتصادية والبيئية التي يواجهها الأردن، يُعد التحول إلى الغاز الطبيعي كوقود للنقل خيارًا استراتيجيًا واعدًا.
يعتمد الأردن حاليًا على استيراد حوالي 90 ٪ من احتياجاته من الطاقة، مما يجعل فاتورة الطاقة تشكل عبئًا كبيرًا على الاقتصاد الوطني، حيث بلغت تكاليف الطاقة حوالي 16 ٪ من الميزانية في بعض السنوات .
يأتي هذا التحول كجزء من رؤية التحديث الاقتصادي 2033، التي تهدف إلى تعزيز الاعتماد على الموارد المحلية مثل غاز حقل الريشة، وتقليل الانبعاثات الضارة، وتحقيق التنمية المستدامة.
الجوانب الاقتصادية: توفير التكاليف وتعزيز الاستقلال الطاقوي
يُعد الغاز الطبيعي المضغوط (CNG) بديلًا اقتصاديًا للوقود التقليدي مثل البنزين والديزل، حيث يوفر تكاليف تشغيل أقل بنسبة تصل إلى 50 ٪. على سبيل المثال، يمكن أن يقلل استخدام CNG كلفة نقل الحاويات من العقبة إلى عمان من 400 دينار إلى 200 دينار، وهذا التوفير يأتي من انخفاض أسعار الغاز المحلي مقارنة بالمشتقات النفطية المستوردة، مما يقلل من الضغط على الميزانية الوطنية ويحسن القدرة الشرائية للمواطنين والشركات.
في عام 2025، شهد الأردن تقدمًا ملموسًا في هذا المجال. في 20 أغسطس 2025، افتتحت الشركة الوطنية المتطورة للغاز الطبيعي «وطني» (المملوكة لشركة جو بترول وغاز الأردن) أول محطة وطنية لتعبئة المركبات والشاحنات بالغاز الطبيعي المضغوط في منطقة الموقر، بجانب الشركة الوطنية لصناعة الكلورين. تمثل انطلاقة لمشروع يعتمد على الغاز الأردني المحلي من حقل الريشة، ويهدف إلى إنشاء شبكة متكاملة من محطات التعبئة في مختلف أنحاء المملكة. كما افتتحت في 26 أغسطس 2025 محطة متنقلة أولى في المناصير، مما يعزز الوصول إلى الوقود في المناطق النائية.
هذه الجهود تتوافق مع استراتيجية «وطني» لتوسيع استخدام الغاز المحلي، حيث يُتوقع أن يقلل الاعتماد على الاستيراد بنسبة 50-60 ٪ في القطاعات الصناعية والنقل كما أن التشريعات الجديدة، التي تعمل عليها الحكومة مع الجهات المعنية مثل الدفاع المدني وهيئة تنظيم الطاقة، تسمح بتركيب أنظمة خاصة على السيارات لتعمل بنظام ثنائي (غاز طبيعي وبنزين)، دون الحاجة إلى تغيير المحرك، مما يجعل التحول أكثر سهولة واقتصادية.
وفقًا لتقرير المنتدى الاستراتيجي الأردني (JSF) في مايو 2023، يمكن أن يساهم الغاز الطبيعي في تعزيز كفاءة الطاقة عبر جميع القطاعات، مما يدعم النمو الاقتصادي ويقلل من مخاطر الصدمات الاقتصادية الناتجة عن تقلبات أسعار النفط.
بالإضافة إلى ذلك، يُتوقع أن يجذب هذا التحول استثمارات جديدة ويخلق فرص عمل في قطاع الطاقة، خاصة مع توسيع شبكة المحطات وتطوير تقنيات التحويل. على سبيل المثال، يهدف المشروع إلى تغطية احتياجات النقل العام والشاحنات، مما يعزز المنافسة في السوق ويحقق أهداف التنمية المستدامة.
الجوانب البيئية: تقليل الانبعاثات وتحسين جودة الهواء
يُعد الغاز الطبيعي أحد أنظف الوقود الأحفوري، حيث يقلل من انبعاثات الغازات الضارة مثل أكاسيد النيتروجين والكبريت بنسبة تصل إلى 29 ٪ مقارنة بالبنزين، وفقًا لدراسات مجلس الموارد الهوائية في كاليفورنيا
في الأردن، حيث يساهم قطاع النقل بنحو 43 ٪ من استهلاك الطاقة الإجمالي في 2021، يمكن أن يساهم التحول إلى CNG في تقليل الانبعاثات الكربونية وتحسين جودة الهواء، خاصة في المدن الكبرى مثل عمان والزرقاء. هذا يتوافق مع التزام الأردن بتقليل الانبعاثات بنسبة 31 ٪ بحلول 2030، كما حددته اتفاقية باريس للمناخ.
افتتاح محطة الموقر في 2025 يُعد خطوة تنفيذية حيوية ضمن الخطة الوطنية للنمو الأخضر (2021-2025)، التي تركز على قطاعي النقل والطاقة لتحقيق الحياد الكربوني ودعم رؤية 2033.
كما أن استخدام الغاز المحلي يقلل من الاعتماد على الوقود التقليدي، مما يحد من التلوث ويحافظ على البيئة. وفقًا لوزارة البيئة، يُجسد هذا المشروع التزام الأردن بالتحول إلى اقتصاد منخفض الكربون، مع التركيز على تقنيات التحويل المتوافقة مع المعايير الدولية.
بالإضافة إلى ذلك، يُعزز الغاز الطبيعي الوعي البيئي في المجتمع، حيث يقلل من الانبعاثات الضارة ويحسن جودة الهواء، مما يقلل من الأمراض التنفسية.
دراسات دولية، مثل تلك الصادرة عن الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (IRENA)، تؤكد أن الغاز الطبيعي يمثل جسرًا انتقاليًا نحو الطاقة النظيفة، خاصة في دول مثل الأردن التي تمتلك احتياطيات غازية محلية.
التحديات والفرص المستقبلية
رغم التقدم، يواجه التحول تحديات مثل بناء شبكة محطات التعبئة الواسعة، وتكاليف التحويل الأولية للمركبات (حوالي 200-300 دينار لكل سيارة)، والحاجة إلى تدريب الفنيين. ومع ذلك، توفر الحكومة حوافز مثل الإعفاءات الضريبية والتشريعات الجديدة لتسهيل التبني، مع خطط لتوسيع الشبكة لتشمل المدن الصناعية مثل سحاب والحسن.
في الختام، يُمثل التحول إلى الغاز الطبيعي في النقل فرصة ذهبية للأردن لتحقيق التوازن بين النمو الاقتصادي والحماية البيئية. مع افتتاح المحطات الأولى في 2025، يتجه الأردن نحو مستقبل أكثر استدامة، حيث يقلل من الاعتماد على الاستيراد ويحقق وفورات تصل إلى 50 ٪ في التكاليف، مع تقليل التلوث.
توصية هامة بتعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص لتوسيع البنية التحتية، مما سيجعل هذا الخيار أكثر جاذبية للمستقبل.