أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    27-Jul-2014

فجوة الدخل العظمى

 

كمال درويش*
 
واشنطن- استولى كتاب توماس بيكيتي "الرأسمالية في القرن الحادي والعشرين" على انتباه العالم، ووضع العلاقة بين تراكم رأس المال والتفاوت بين الناس في صلب أي حوار اقتصادي. 
وما يضفي على حجة بيكيتي أهمية خاصة هو إصراره على اتجاه أساسي نابع من طبيعة النمو الرأسمالي. والواقع أن حجته راسخة في تقاليد كبار رجال الاقتصاد في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. وفي عصر تغريدات "تويتر"، يقع كتابه الذي حقق أفضل مبيعات في ما يقل قليلاً عن ألف صفحة.
يأتي إصدار هذا الكتاب بعد أكثر من عشر سنوات من البحث المضني الذي قام به بيكيتي وآخرون، ومنهم توني أتكنسون من جامعة أكسفورد. وقد قابلتهم مشاكل طفيفة تتعلق بمعالجة مجموعة البيانات الضخمة، وخاصة قياس الدخول الرأسمالية في المملكة المتحدة. ولكن الاتجاهات الطويلة الأجل التي تم تحديدها -ارتفاع حصة أصحاب رؤوس الأموال في الدخل وتركز "الدخل الأولي" (قبل الضرائب والتحويلات) عند قمة توزيع الدخول في الولايات المتحدة وغيرها من الاقتصادات الكبرى- لم تُختَبَر بعد.
الواقع أن قانون تناقص العائدات يدفع المرء إلى توقع انخفاض العائد على كل وحدة إضافية من رأس المال. ومن بين النتائج الرئيسية التي توصل إليها بيكيتي أن تضاؤل العائد على رأس المال في العقود الأخيرة، إن كان تضاءل على الإطلاق، كان نسبياً أقل كثيراً من معدل نمو رأس المال، وهو ما أدى بالتالي إلى حصة متزايدة من دخل رأس المال. في إطار نظرية الاقتصاد الجزئي الأكاديمية، يحدث هذا عندما تكون "مرونة الإحلال" في وظيفة الإنتاج أكبر من واحد صحيح: فمن الممكن استبدال رأس المال بالعمل، على نحو منقوص، ولكن مع انخفاض طفيف في معدل العائد بالقدر الكافي لزيادة حصة رأس المال مع تزايد كثافة رأس المال. ومؤخراً زعم لاري سامرز أن الدليل ضعيف على زيادة مرونة الإحلال عن واحد صحيح في سياق ديناميكي إذا قسنا العائد الصافي من خفض القيمة، لأن خفض القيمة يتزايد بما يتناسب مع نمو المخزون من رأس المال.
ولكن مرونة الإحلال التقليدية تقيس مدى سهولة الإحلال في سياق حالة معينة من المعرفة الفنية. وإذا طرأ تغير تكنولوجي موفر للعمالة، فإن النتيجة بمرور الوقت تبدو متماثلة لما قد ينتج عن ارتفاع مرونة الإحلال.
والواقع أن سامرز ذاته قبل بضعة أشهر اقترح إعادة صياغة وظيفة الإنتاج على النحو الذي يميز بين رأس المال التقليدي، الذي يظل إلى حد ما مكملاً للعمل، ونوع جديد من رأس المال الذي يصلح بديلاً مثالياً للعمل.
ومن شأن الزيادة في النوع الجديد من رأس المال أن تؤدي إلى زيادة الناتج والعائد على رأس المال التقليدي وحصة رأس المال في إجمالي الدخل.
ومن ناحية أخرى، تعمل زيادة كمية "العمل الفعّال" -بمعنى رأس المال الجديد بالإضافة إلى العمل- على دفع الأجور إلى الانخفاض. ويصدق هذا حتى إذا كانت مرونة الإحلال بين رأس المال التقليدي والعمل الفعّال الكلي أقل من واحد.
حتى وقت قريب، لم يكن من الممكن تصنيف قدر كبير من رأس المال باعتباره رأسمال جديدا؛ لأن الآلات التي قد تحل محل العمالة كانت بعيدة عن الكمال. ولكن مع صعود الآلات والبرمجيات "الذكية"، تنمو حصة رأس المال الجديد في إجمالي رأس المال. وطبقاً لتقديرات كارل بينيديكت فراي ومايكل أوزبورن من جامعة أكسفورد، فإن مثل هذه الآلات قد تتولى في نهاية المطاف نحو 47 % من الوظائف القائمة في الولايات المتحدة.
وإذا كان ذلك صحيحاً، فإن حصة رأس المال الكلية من المحتم أن تزداد. ولأن ملكية رأس المال تظل متركزة بين أولئك من ذوي الدخول المرتفعة، فإن حصة الدخل التي تذهب إلى قمة توزيع الدخول سوف ترتفع هي أيضا. ومن الواضح أن ميل أصحاب رأس المال هؤلاء إلى ادخار نسبة كبيرة من دخولهم -وفي العديد من الحالات عدم إنجاب عدد كبير من الأطفال- من شأنه أن يزيد من تركيز الثروة.
وهناك عوامل أخرى قد تساعد في اتساع فجوة التفاوت. ومن بين هذه العوامل التي أُهمِلَت إلى حد كبير في المناقشة الدائرة حول كتاب بيكيتي الميل بين فاحشي الثراء إلى التزاوج فيما بينهم -وهي الظاهرة التي أصبحت شائعة على نحو متزايد مع انضمام المزيد من النساء إلى مجموعة أصحاب الدخول المرتفعة. وهذا أيضاً من شأنه أن يعجل بحدوث تركز الدخل مقارنة بما كانت عليه الحال قبل عقدين أو ثلاثة عقود من الزمان، عندما كان من المعتاد أن يتزوج الرجال الأثرياء نساء لسن على القدر نفسه من الثراء. أضف إلى هذا أن تأثير النطاق الضخم على الدخول المهنية ودخول "كبار النجوم" -نتيجة لاستئثار الفائز بكل شيء في الأسواق العالمية- أدى إلى بروز صورة لقوى جوهرية تميل إلى تركيز الدخل الأولي عند القمة.
في غياب السياسات الفعّالة الرامية إلى مواجهة هذه الاتجاهات، يكاد يكون من المؤكد أن تستمر فجوة التفاوت في الاتساع في السنوات المقبلة. والواقع أن إعادة بعض التوازن إلى توزيع الدخل وتشجيع الحراك الاجتماعي، وفي الوقت نفسه تعزيز حوافز الإبداع والنمو، سوف تكون من بين التحديات الأكثر أهمية -والأشد شراسة- في القرن الحادي والعشرين.
 
*وزير الشؤون الاقتصادية السابق في تركيا، ومدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي سابقا، ونائب رئيس معهد بروكنجز حاليا.
خاص بـ"الغد" بالتعاون مع بروجيكت سنديكيت.