أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    05-Jun-2017

البطالة، عنوان آخر لفشل السياسات العامة

الغد-أحمد محمد عوض
 
 ارتفاع مؤشرات البطالة خلال الربع الأول من العام الحالي إلى مستويات قياسية منذ ما يقارب ربع قرن (18.2 %)، من شأنه أن يضع مجمل السياسات الحكومية التي استهدفت مواجهة مشكلة البطالة خلال السنوات الماضية على المحك.
لطالما كانت البطالة هدفا مركزيا لمختلف السياسات الحكومية في مختلف أنحاء العالم، باعتبار تخفيضها إلى مستويات طبيعية يشكل خلاصة لنتائج مجمل السياسات العامة. وعادة ما يقوم السياسيون والاقتصاديون سواء من هم في السلطة أو المعارضة، بالنظر لها باعتبارها مؤشرا للنجاح أو الفشل لمجمل السياسات التي تقوم بها الحكومات.
وهنا في الأردن، لطالما كانت شعارات محاربة وتخفيض البطالة هدفا جوهريا لمختلف الاستراتيجيات والخطط والبيانات للحكومات المتعاقبة كافة، فضلا عن احتلالها مكانة متقدمة في الحوارات والنقاشات بين مختلف الأطراف وعلى مختلف المستويات.
وفي ظل اتساع مساحة التحليل التبريري لدى غالبية صانعي ومنفذي السياسات العامة في الأردن؛ حيث يتم تحميل الظروف الإقليمية وتداعياتها على الاقتصاد الوطني مسؤولية أي فشل نعاني منه، بات من الضروري رفع الصوت عاليا والبحث عن الأسباب الحقيقية الداخلية التي أدت إلى هذا الارتفاع القياسي في مؤشرات البطالة، والتي لا تقف عند حد المؤشر العام للبطالة.
فالأكثر خطورة يكمن في المؤشرات الفرعية؛ حيث هي بين النساء 33 %، وبين الشباب ما بين 34.5 % و39.5 %، وعلينا الخروج من دائرة التبرير وتقليدية التحليل، والوقوف عند الأسباب الحقيقية للبطالة. وكذلك علينا عدم ركن الاستراتيجيات والخطط الوطنية ذات العلاقة على الأرفف، والاكتفاء بعرضها أمام شركائنا في المنظمات الدولية والدول الكبرى.
الاستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية وقبلها الاستراتيجية الوطنية للتشغيل قدمتا تحليلا لواقع سوق العمل الأردني وغالبية الاختلالات التي يعاني منها، وقدمتا تصورات واضحة لمواجهة تحدي البطالة، والآن وبعد 6 أعوام على إطلاق الاستراتيجية الوطنية للتشغيل، لم نلمس أي تقدم ملموس باتجاه تطوير سياسات محددة تستند إلى روح وهدف الاستراتيجية الأساسي، والتجربة الأردنية في التعامل مع الخطط والاستراتيجيات الوطنية لا تشير إلى أن تأثيرات الاستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية التي أطلقت قبل أشهر سيكون أفضل.
صحيح أن الظروف الإقليمية ضغطت وما تزال تضغط على الاقتصاد الوطني وخياراته، ولكن المشكلة الأساسية تكمن في كيفية مواجهة هذه الظروف، خاصة وأن غالبية دول العالم تعاني من ضغوط خارجية متنوعة الشكل والمستوى، ولسنا الوحيدين في العالم من يعاني من حدة تأثيرات العوامل الخارجية في هذا العالم المعولم والمتشابك التأثير والمصالح.
وعلينا كذلك أن نبتعد عن الجهود الاستعراضية التي تركز على حملات التشغيل ومعارض التوظيف (وهي مهام دوائر القوى البشرية في الشركات)، ومنح الملايين من الدنانير على شكل قروض صغيرة ومتناهية الصغر، بدون تأهيل المقترضين على إدارة المشاريع وبدون إعداد دراسات للجدوى الاقتصادية التي تضمن استمرار عمل هذه المشاريع، وكلنا يعلم أن غالبية هذه الملايين التي تنفق في إطار ما أطلق عليه “التشغيل لا التوظيف” يتم إنفاقها على غايات أخرى غير الغايات التي أنفقت لأجلها.
علينا أن نذهب أكثر نحو الأسباب الحقيقية التي أضعفت قدرات الاقتصاد الأردني على توليد فرص عمل جديدة لمواجهة عشرات آلاف طالبي الوظائف من مخرجات النظام التعليمي الأردني بمختلف مستوياته. وأن نقف عند فقداننا الفرص التي أتيحت لنا في خضم الاضطرابات التي يعاني منها الإقليم، واستثمرتها دول أخرى في الإقليم مثل تركيا ومصر ولبنان.
لم يعد خافيا على أحد من المهتمين بالشؤون الاقتصادية الأردنية أن بيئة الأعمال في الأردن هي الأصعب بين دول المنطقة، (تؤكد ذلك العديد من التقارير الدولية ذات العلاقة)، وهي بيئة طاردة ليس فقط للاستثمارات الخارجية، بل وللاستثمارات الوطنية؛ حيث غادر الأردن مئات المشاريع بمئات ملايين الدولارات للعمل والاستثمار في دول مجاورة وقريبة.
ومن عوامل عدم الثقة في بيئة الأعمال الأردنية، والتي تضعف توسع قطاعات الأعمال المختلفة، الضعف الكبير في أداء الإدارة العامة، واهتزاز ثقة المواطنين والمستثمرين بمستوى الحاكمية فيها، وبالرغم من الخطاب الرسمي المطالب بإصلاح القطاع العام، إلا أن ممارسات كبار المسؤولين الحكوميين تعمق الشرخ بمستويات الثقة، خاصة عند مشاهدة عمليات التوظيف والترقيات لأبناء وأقرباء كبار المسؤوليين في كبرى المؤسسات والشركات.
وهذا ينسحب على عدم قدرتنا على توسيع العمل في المناطق الاقتصادية الخاصة، وجذب استثمارات جديدة لها، في إطار الاستجابة للأزمة السورية، لتشغيل السوريين الى جانب الأردنيين في إطار التزامات الأردن أمام المجتمع الدولي بعد مؤتمر لندن.
ومن العوامل التي لا تشجع المستثمرين الخارجيين للاستثمار في الأردن، اهتزاز ثقتهم بالاقتصاد الأردني نتيجة اعتماده الكبير على المساعدات الخارجية من جهة، وارتفاع معدلات المديونية العامة ووصولها إلى ما يقارب 95 % من الناتج المحلي الإجمالي، ومن المعروف أن هذين المؤشرين أساسيان عند تقييم أي بيئة استثمارية لأي دولة.
علينا أن نراجع السياسات المالية التي أرهقت المجتمع وقطاع الأعمال؛ حيث العبء الضريبي العالي (المعتمد بشكل كبير على الضريبة العامة على المبيعات والضرائب الخاصة والرسوم بأنواعها)، الذي أرهق المجتمع وقوته الشرائية، وأرهق قطاع الأعمال الإنتاجي، الذي يمتلك قدرات عالية على التشغيل وخلق فرص العمل.
هذه السياسات رفعت أسعار المشتقات النفطية والكهرباء كمدخلات إنتاج لمختلف قطاعات الأعمال، رافق ذلك توقيع العديد من اتفاقيات التجارة الحرة مع العديد من الدول، ما أدى إلى الإضرار في الميزات التنافسية للعديد من السلع الأردنية، وأدى إلى إغراق السوق الأردنية بالسلع المستوردة على حساب الصناعات والمنتجات المحلية.
كذلك، فإن السياسات الائتمانية للبنوك في الأردن، وارتفاع أسعار الفائدة وشروط الحصول على القروض، شكلت ضغوطا أخرى على قطاع الأعمال في الأردن، وحدت من توسعه، ما انعكس سلبا على قدراته على توليد فرص عمل جديدة، مما فاقم مشكلة البطالة أكثر.
تركزت مختلف الجهود الرسمية على تشجيع الاستثمارات الضخمة خلال السنوات الماضية، ومن المعروف أن تكلفة توليد فرصة العمل في هذه الاستثمارات أضعاف تكلفتها في المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وبالتالي لم تنعكس هذه الاستثمارات الضخمة إيجابا على توليد فرص العمل.
وما يزال التعليم والتدريب وسياساته، تلعب دورا مركزيا في ارتفاع معدلات البطالة، فالفجوة كبيرة بين احتياجات سوق العمل، ومنظومة التعليم بمجملها في الأردن، فمن جانب اتجاهات التعليم، فإن غالبية خريجي الثانوية العامة يلتحقون بالتعليم الجامعي، وتوفر معدلات القبول المنخفضة في الجامعات الخاصة فرصة الالتحاق بها، وجزء كبير من التخصصات التي تقدمها هذه الجامعات، لا يحتاجه سوق العمل، ويعيش حالة إشباع منها. كذلك، فإن جودة التعليم في غالبية الجامعات الأردنية متواضعة جدا، ولا تمكن الخريجين من الانخراط في سوق العمل، وتخضع هذه السياسات إلى ضغوط “لوبي الجامعات الخاصة”.
وأيضا، فإن منظومة التعليم الفني والمهني تعاني من مشكلات وتحديات كبيرة، بدءا من الضعف الشديد في المخصصات الحكومية لها، وليس انتهاء بضعف محتويات التدريب؛ اذ لا توفر مؤسسات التعليم والتدريب التقني والمهني الحدود الدنيا من المهارات التي تمكن خريجيها من الانخراط في سوق العمل.
أما العامل الآخر في ارتفاع معدلات البطالة، فيتمثل في أن شروط العمل لدى غالبية مؤسسات القطاع الخاص المتوسطة والصغيرة ضعيفة، وبعيدة كل البعد عن معايير العمل اللائق، فحجم الانتهاكات والمخالفات التي يتم رصدها يتوسع باستمرار، وخاصة في الاقتصاد غير المنظم (ما يقارب نصف الاقتصاد الأردني)، مما يدفع عشرات آلاف الأردنيين (وخاصة النساء) للإحجام عن الانخراط في سوق العمل بشروط عمل غير لائقة.
هذه هي المساحات التي على صناع السياسات العامة إجراء تدخلات جوهرية فيها، فبدون تفكيكها وتطبيق سياسات فاعلة وكفؤة لتغيير مجمل نموذج التشغيل والتعليم القائم حاليا، والذي أثبت فشله، سنبقى ندور حول أنفسنا، وستستمر معدلات البطالة بالارتفاع، مما سينعكس سلبا على استقرار المجتمع والدولة.