أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    27-Dec-2018

المستفيدون من النمو والمتضررون منه

 الغد-أحمد أبو خليل

من أبرز الأفكار في الخطاب الاقتصادي للحكومة الحالية والتي سبقتها أيضاً، تلك الفكرة التي تقارن نسبة النمو الحالية في هذ السنة الأخيرة التي تدنت إلى 2 % مع نسبته قبل عشر سنوات التي بلغت أكثر من 8 %.
والفكرة تتكرر ليس فقط على سبيل التحسر على الماضي القريب، بل لتفسير تراجع مستويات المعيشة وزيادة معدلات البطالة والفقر وارتفاع الدين العام، ثم لكي يُبنى عليها مرة ثانية هدف رئيسي هو زيادة نسبة النمو ابتداء من هذه السنة، وذلك عن طريق زيادة الاستثمار والتركيز على رفع الصادرات، وهو ما سيقود إلى التحسن المنشود، وفق هذه الخطة البسيطة التي تبدو منطقية.
في هذه الأثناء يغيب سؤال جوهري: من هو الطرف الذي استفاد فعليا من نسبة النمو العالية قبل عشر سنوات؟ وبكلمات أخرى، أين هي حسابات توزيع خيرات النمو؟ وهل النمو المرتفع هو فعلاً مطلب تنموي؟ وهل هناك ما يضمن ان نتائج النمو المستهدف هذه المرة ستختلف عن سابقاتها؟
أرجو من القارئ أن يسمح لي بشهادة شخصية قد يكون فيها بعض الفائدة: ففي سنوات النمو المرتفع تلك، كنت قد أسست مجلة شهرية متخصصة بقضايا الفقر، اسمها “المستور”، كانت بالدرجة الأولى مبنية على تقارير ميدانية عن الفقر والفقراء، وهي تقارير سعت لأن تشكل منطقة وسطى بين المادة الصحفية والعلمية.
كانت تلك السنوات بالذات، تشهد ارتفاعا في حدة الفقر وانتشارا في رقعته، فقد ارتفع عدد جيوب الفقر من 21 جيبا في العام 2006 إلى 32 جيبا في العام 2008، وفي تلك الفترة بالذات التحق قطاع واسع من موظفي ومستخدمي القطاع العام إلى عالم المتذمرين من تراجع القوة الشرائية لرواتبهم، وفي تلك السنوات بالذات دخلت شركات كبرى كالفوسفات والاسمنت والبوتاس في أزمة مع مستخدميها، وفي تلك السنوات بالذات أيضاً انفجرت أزمة عمال المياومة في القطاع الحكومي.
محتوى النمو
تفيد دراسة رسمية أجراها الدكتور ابراهيم سيف (وزير التخطيط لاحقا) وياسمين الطباع، لصالح مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية، ونشرت في حزيران العام 2008 (السنة التي كان فيها النمو عالياً) بتزايد الفروق في الدخل بين فئات السكان، بحيث أن أغنى 30 % من المواطنين يحصلون على 60 % من الدخول المالية، بينما يحصل أدنى 30 % على 11 % فقط من الدخول.
بالطبع، من المرجح أن حسابات نسب النمو العالية في الفترة دقيقة وصحيحة، ولا تشكك هذه السطور بدقة الأرقام، غير أنها تطرح مسألة التوزيع، لتصل إلى أن وضع هدف زيادة النمو بشكل مطلق، ومن دون تحديد محتوى النمو، ليس بالضرورة هدفاً تنموياً، بمعنى أنه سيتبعه حكماً، تحسن في ظروف قاعدة الهرم الاجتماعي للسكان، الفقراء والمهددين بالفقر، والطبقة الوسطى.
في تلك السنوات (2005- 2008) أقيمت في البلد مشاريع كبرى أغلبها في قطاع الخدمات السياحية والإسكانية (مشاريع المدن السكنية المغلقة) وفي إنشاء الفنادق، والمشاريع التجارية الكبرى (مشروع العبدلي مثلاً) وهي مشاريع ذات حجوم مالية كبيرة نسبيا تسهم فعلاً في رفع نسب النمو، ولكن يندر أن يسأل أحد عن توزيع العائد من هذه المشاريع.
مثال واقعي
تعالوا نأخذ مثالا واضحا جرى أمام أعيننا: فمنذ منتصف سبعينيات القرن الماضي أنشئ في منطقة العبدلي مجمع كبير للنقل العام، ومع مرور الزمن، وكما هي العادة في مثل هذه المنشآت، تشكلت حول المجمع ترتيبات عامة تجارية وعمرانية لتخدم ألوف الناس من مستخدمي مجمع النقل، وفي منتصف الثمانينات، أقيم واحد من أشهر الأسواق الشعبية في ساحة مجاورة للمجمع، عرف بسوق الاثنين أولا ثم أصبح سوق الجمعة.
أرجو هنا أن نتصور حجم الناس الذين تشكلت حياتهم حول هذه المنشآت الشعبية (مجمع النقل والسوق الشعبي)، وقد استمر ذلك لعقود، انتهت مع البدء بمشروع الوسط التجاري الجديد في العبدلي (البوليفارد حالياً).
في هذه الأثناء، واستجابة لمتطلبات المشروع الجديد الحديث، تم ترحيل مجمع النقل إلى ساحة في منطقة طبربور، لم تستطع لغاية الآن أن تشكل بديلاً فعلياً لمجمع العبدلي، ثم جرى ترحيل قسري وإغلاق كلي للسوق الشعبي.
والآن، كيف تدخل هذه التغيرات في حسابات النمو؟ 
إن المشروع الجديد يتضمن استثمارات مالية كبرى، ويخدم قطاعات حديثة، وفيه اسكان للشقق الفاخرة، ومتاجر وخدمات على مستويات متقدمة فعلاً، وهو من الناحية الرقمية يؤثر إيجابيا على النمو، ولكن في هذه الأثناء، لا أحد يسأل عن التوزيع.
بالمقابل، فإن عشرات المحلات التي كانت تخدم مجمع النقل والسفريات القديم في العبدلي، إلى جانب السوق الشعبي الذي أصبح في آخر عهده يتكون من ألوف من البسطات (وفق إحصاء شخصي معقول الدقة تمكنتُ من إحصاء حوالي خمسة آلاف وحدة بيع). إن هذا النشاط التجاري والخدمي، كان يتميز بتوزيع واسع للعوائد، رغم أن حجمه الإجمالي بسيط لا يقارن بمشروع العبدلي الجديد.
المسثمرون سواسية
هذه الملاحظات تكتسب شرعيتها من فكرة أساسية تتصل بمسؤولية الدولة عن مواطنيها، حيث يفترض الحفاظ على حقوق المستمثرين بغض الظر عن حجم رأسمالهم المستثمر، أي بغض النظر إن كان المستثمر صاحب بسطة مولها بمائة أو مائتي دينار مثلاً أو بمستثمر كبير يملك ملايين الدنانير. من المؤكد أن حجم المال المستثمر في سوق شعبي لا يصل إلى حجم المال المستثمر في مشروع تجاري كبير واحد، ولكن المشتغل بالتنمية عليه أن ينظر إلى التوزيع، وهنا قد يتفوق السوق الشعبي.
قد تبدو هذه المجادلة ساذجة، وقد يحاجج قارئ حول مسألة الأرباح وحجم العوائد التي ستجد طريقها إلى قطاعات اخرى في الاقتصاد… إلى آخره من هذه الأفكار الاقتصادية الجديرة بالنقاش. ولكن هذه السطور تدعو إلى منهج ثنائي، منهج يتعامل مع المستويين.
إن ما نُشر من مخطط حكومي تحت عنوان مشروع النهضة، يقتصر إلى درجة كبيرة على زاوية نظر واحدة تتعلق بالاستثمار والتصدير، وهو يفترض أن ذلك بالضرورة سوف يقود إلى مكافحة الفقر والبطالة وتحسين مستويات المعيشة لكافة المواطنين، غير أن التجارب الواقعية لم تثبت سوى حقيقة زيادة الفجوة في التوزيع، أي زيادة ثروة الأثرياء وزيادة فقر الفقراء.
مخطط الحكومة، تغلب عليه اللغة المدرسية الأكاديمية، ولا يوجد ما يوحي بأنه يتعامل مع الحالة الأردنية تحديدا، ففي قضية كالتنمية يحتاج الأمر إلى الاقتراب من الواقع وتفصيل المخطط وفق ما يتطلبه هذا الواقع.