أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    01-May-2022

المحاريق يكتب: الوهم الياباني ودور السياسات في صناعة النهضة ..
عمون -
سامح المحاريق -
الشعب الياباني لا يمثل ما نتخيله، أو نتابعه على الكوميكس تحت عنوان كوكب اليابان، فمن يقرأ الأدب الياباني أو يتابع الأخبار الخاصة باليابان، يمكنه أن يصل إلى وجود مجموعة من السلبيات المتجذرة هناك، فعصابات الياكوزا تعلم بشراسة وتدير جانباً من الفساد السياسي، والمرأة ما زالت تعاني من التسليع السائد للأنثى في اليابان، وفتيات جامعيات يضطررن للتعري من أجل أن يتناول الأثرياء الطعان على أجسادهن، إذ ما يشكل التعليم الجامعي رعباً في الأسرة اليابانية لتكلفته الطائلة...
 
بالطبع توجد مزايا أخرى، فالأنانية أمر غير مستحب في الثقافة اليابانية واليابانيون ملتزمون وطنياً ويتعاملون مع الأماكن العامة بوصفها ملكية للجميع، ويبذلون ما بوسعهم لرعايتها ونظافتها، ويعبر ذلك عن شعورهم الجارف بالمسؤولية، كما أنهم يميلون للتهذيب مع الآخرين..
 
وعليه فاليابان ليس شعباً من كوكب آخر، وهو شعب مثل الشعوب الأخرى، فما الذي صنع نهضتهم الحديثة خاصة بعد حرب عالمية أودت بكل ما أنجزوه في عقود من الزمن؟
 
ببساطة هي السياسات الحكومية والالتزام بتطبيقها على مستوى واسع، واستثمار حس التعاون والمسؤولية في جني ثمارها، وبذلك كان الاتقان عنواناً للتصنيع الياباني وتوطدت المدرسة اليابانية في الإدارة.
 
يحمل الكثيرون الشعوب العربية مسؤولية التردي الراهن، وأنا مع تحميل الشعوب نصيبها من المسؤولية، ولكن لست مع الوقوف أمام هذه الحجة والتمترس حولها، وأن نقول: جماعتنا ما بيزبط معهم هيك!
 
فمن يضعون السياسات عليهم أن يدركوا أنه توجد مصفوفة (مع الاعتذار عن التشويه الذي ألحقه البعض بهذه الكلمة) لمزايا أي مجموعة بشرية وعيوبها، وتحديد نقاط القوة والضعف بناء على ذلك، وعلى ذلك يتم تصميم السياسات العامة، مع ضرورة العمل على تمهيد الأرضية من خلال تعزيز الوعي من خلال الشفافية والمكاشفة للناضجين، ومن خلال المناهج التربوية للأجيال المقبلة.
 
خلال التجوال بين مكونات النخبة الأردنية وجدت تشخيصات كثيرة، والمشكلات تكاد تكون معروفة، إلا أنها تفتقد لعاملين مهمين، الأول، تطبيق أدوات معرفية يمكن أن تنظمها من خلال المقارنة ومتابعة التكرارية وغيرها من الأدوات المنهجية، والثاني، التغيب الكبير للدراسات الاجتماعية وخاصة المتعلقة بالتاريخ الاجتماعي في الأردن، فالإسهامات قليلة للغاية، ووصفية أكثر منها استقرائية، فنحن نقدم الصفة السائدة، مثل الكرم في المآدب، ونقدم الكثير من المرويات المتعلقة به وحتى تصنيفات خاصة بالأماكن والقبائل والأشخاص، ولكن نادراً ما نتساءل عن سبب الإفراط في المأدبة مثل الموسمية أو تبادل المنافع بين قبائل تعيش ظروفاً صعبة، بحيث تكون المأدبة رصيداً يتوجب سداده عندما تتحول الظروف، وكثيراً ما كانت تتحول، وعلى ذلك يمكن القياس في كثير من الممارسات.
 
دور الدولة لا يتوقف عند توفير الأمن للمواطنين وإعمال القانون وما إلى ذلك، فهذه أدوار أساسية وتمهيدية، ويجب أن تقترن بقيادة المجتمع والعمل على وضع البنية اللازمة من أجل تطويره ثقافياً ومعرفياً تجاه تبني السياسات التي يمكن أن تحقق النهوض الاقتصادي ورفع مستويات المعيشة، وعلى هذه السياسات ألا تتوقف عند لحظة معينة لتحقيق توازنات اجتماعية، وعلى العكس من ذلك، فالجرأة لإحداث بعض الصدمات ضرورية، أي إحداث الخلخلة الاجتماعية، مع ضرورة تحقيق العدالة في تحمل التكلفة والتضحية، وفي توزيع العوائد والمكاسب.
 
جماعتنا، مثل أي جماعة بشرية أخرى، لها مزايا عظيمة وعيوب خطيرة، والسياسات العادلة في التوقيت المناسب يمكن أن تحقق التغيير المنشود خارج نظرية التوازن الذي ستحقق في الحد الأقصى استمرار الوضع الراهن، والشعوب تتغير تجاه الأفضل أو الأسوأ، وغير بعيد عن اليابانيين الشعب الكوري في القسم الجنوبي الذي كان يضرب به المثل في السلبية والكسل وانعدام الانضباط والنظافة ليتحول إلى أحد الشعوب الأكثر تأثيراً على خارطة العالم، ويتبقى الشعب نفسه في القسم الشمالي غارقاً في الكوميديا السوداء التي تحكمه، وكلا الشعبين مختلف بالمطلق عن الشعب الذي كان في الماضي.