أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    05-Feb-2023

حبس المدين والخيار الثالث* د. محمود عبابنة .

 الغد

أصبح موضوع حبس المدين المتعثّر/ أو الممتنع عن الدفع – في الأردن – موضوعاً ساخناً يشغل الساحة القانونية، والاجتماعية. وتدور المناظرات العاصفة على شاشات التلفاز حوله، ويكتب المتخصصون بهذا الموضوع وهم منقسمون بين موقفين: منع حبس المدين بالمطلق ووجوب حبس المدين إعمالاً لقانون التنفيذ الجديد؛ الذي أخذ بعين الاعتبار الظروف الاقتصادية منذ أيام جائحة الكورونا الأولى، عندما أوقف حبس المدينين، وعلقت الحكومة تنفيذ القانون حتى تاريخ 1/1/2023، ومن ثم تمَّ تمديد هذا التعطيل للقانون بموجب أوامر الدفاع، ومنذ أيام؛ تم تعديل أمر الدفاع بحيث لا يتم حبس المدين الذي تزيد ديونه على 5000؛ بل تمّ رفع سقف الأمان للمدين الممتنع أو المتعثّر حتى يصل الدين إلى مبلغ 20 ألف دينار، وهو قرار يسجّل للحكومة بانتهاج الحل التدريجي لمسألة حبس المدين قبل إطلاق سراح قانون التنفيذ الجديد الذي مرّ بمراحله الدستورية وما يزال موقوفا العمل به.
وبالعودة إلى القانون المعطّل؛ فللحقيقة والإنصاف؛ فإنّ معظم المطالب التي نادى بها أصحاب الرأي المتحمسين، ومعهم جمعيات المجتمع المدني والمنادين بعدم جواز حبس المدين لقاء دين مدني، تمّ الاستجابة لها؛ حيث أورد القانون ما لا يقل عن ثلاثة عشر استثناءً لا يجوز بها حبس المدين المتعثّر الذي يزيد دينه على 5000 دينار، كما خفّض المبلغ الواجب دفعه بعد إعذار المدين المحكوم عليه بحيث أصبح 15 % من المبلغ بدلاً من
25 %، وهنا نتساءل: ألا يعتبر ذلك قفزة نوعية تسجل لمصلحة المدين على حساب الدائن؛ الذي أمضى سنوات في ماراثون المحاكم، ودفع الرسوم القانونية وأتعاب المحاماة، ليصل إلى قرار من القضاء العادل يثبت حقّه في الدين؛ ثم خطا خطوةً أخرى بالذهاب إلى دوائر التنفيذ ليدفع رسوماً جديدة لتنفيذ الحكم، والذي هو عنوان سيادة الدولة، وبغير ذلك علينا أن نُقرّ أن لا معنى للجوء إلى المحاكم ما دام سيتم إلغاء وسيلة الضغط الأخيرة لاقتضاء الحقوق، وهي التهديد بالحبس في حال عدم القدرة على تأدية الـ15 % من المبلغ، وعدم عرض المصالحة التي يمكن التساهل بها من قبل قاضي التنفيذ.
حملة المتحمسين بحقوق الإنسان والذين يتّـكئون وبتأويلٍ مجتزأ على ما جاء في المادة 11 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية مغفلين شروط إعمالها (أن يكون مصدر الالتزام تعاقدياً، وأن يثبت إعسار المدين) بالإضافة إلى حجّة الازدحام الذي تعانيه السجون، ولأعداد المطلوبين التي يتحدثون عنها، ولا تخلو هذه الحجج من شائبة التعليل، وفساد الاستدلال، فالقسم الأعظم من هذه الأعداد ديونها لا تتجاوز مبلغ الـ5000 دينار، والتي ما على الدائنين فيها إلا أن يرددوا القول: (العوض بوجه الكريم)، لأن المدينين الذين كانوا يلتزمون بأقساط دورية متواضعة، ضمن مصالحة موثقة في دائرة التنفيذ؛ توقفوا عن الدفع بمجرد صدور أوامر الدفاع بتوقيف حبس المدين، أما ما جاء بأن كثيرا من الدول لا تقوم بتطبيق حبس المدين لقاء دين مدني؛ فلا مانع من الأخذ بذلك، إذا توفرت الظروف الموضوعية المعمول بها بتلك الدول، ففي بريطانيا أو فرنسا مثلاً؛ عندما يعجز المدين عن أداء الدين؛ فهناك آلاف المؤسسات الحكومية والخاصة والخيرية التي تتولى أداء الدين، إما من قيمة الضمان الاجتماعي المخصص له، أو المساعدات الاجتماعية، أو النقابات المهنية، بالإضافة إلى ما تقوم به شركات تأمين الديون والجمعيات الخيرية، وفوق كل ذلك وجود آليات وأنظمة رادعة للتهرّب من سداد الدين ومحفّزة للوفاء بالالتزامات، والتي لا ضير أن نُلقي نظرةً عليها وأن نفكّر بها.
بالرغم من وجاهة إبقاء الحبس كوسيلة ضغط كما توصل إلى ذلك قانون التنفيذ الجديد الذي أخذ بعين الاعتبار عدداً وافراً من الاستثناءات وخفّض الدفعة الأولى مع تقديم عرض التسوية فإننا نطرح خياراً ثالثاً يعمل بآليتين؛ الأولى: (إرهاق المدين Debtor’s fatigue) وهي ليست منهجاً محدداً والتي من الممكن التوافق عليها حسب الظروف الاقتصادية والاجتماعية في دولة معينة، وخلاصته تقوم على أنه: في حالة ادعاء المدين في عدم قدرته على السداد، وثبوت ذلك أمام دوائر التنفيذ، يُصار إلى فرض عدد من الإجراءات القسرية على هذا المدين بحيث يمتنع عليه على سبيل المثال وليس الحصر:
1. حرمانه من افتتاح حساب له في أي بنك أو الحصول على دفتر شيكات.
2. حرمانه من الحصول على رخصة سوق أو احتجاز رخصة السوق التي يحملها.
3. حرمانه من مغادرة البلاد.
4. حرمانه من تسجيل أي شركة أو المشاركة فيها.
أما الآلية الثانية فهي تبنّي نظام معمول به في كثير من الدول لهذه الغاية وهو نظام النقاط الائتمانية (Credit score system)، وبموجبه يتم إصدار نظام للعمل به يتكون من خمسمائة نقطة من حق أي مواطن، ويتم الخصم من رصيد هذه النقاط في حالات عدم سداد الدين، أو إصدار شيكات بلا رصيد، أو وجود أحكام جزائية ذات طبيعة مالية، وتوثيق كل ذلك لدى جهة معينة؛ بحيث يستطيع المقرض، أو المؤجر، أو المتعاقد مع أي شخص؛ التيقن من حالة المقترض لاتخاذ القرار بإقراضه أم لا. كما أن من يحافظ على رصيد عالٍ من النقاط يتمتع بمزايا تتعلق بالإقراض والتعاقد والحصول على امتيازات أخرى.
هذا التصور يحتاج إلى مناقشة من خبراء، وإلى تفاهم مجتمعي قبل الأخذ به، كما أنه يحتاج إلى خبراء في القانون وعلم الإحصاء، ومصممي برامج إلكترونية، ويحتاج إلى تعاون بين وزارة العدل، وجمعية البنوك، وعلى رأسها البنك المركزي، ولا ننسى غرفة التجارة التي أصبح بها التجار دائنين ومدينين جراء عدم تسديد الدين.