تحرك أنقرة وإرسالها سفينة للتنقيب عن النفط والغاز في شرق البحر المتوسط، بحراسة البحرية الحربية، وتحرك باريس بإرسالها قطعا حربية إلى شرق البحر المتوسط ودعوتها لانقرة إلى وقف الأعمال الأحادية، هو بمثابة اصطفاف إلى جانب اليونان، وكل هذه التحركات والحشود هي مقدمات ربما لحوار سياسي أو مقدمات لحروب اقتصادية أو حصار أو...الخ، داخل حلف الناتو، او بين أوروبا من جهة وتركيا من جهة ثانية. 

 

تركيا وروسيا فشلتا في الاتفاق على تحديد مصير سيرت والجفرة ونقطة الخلاف الجوهرية كانت في رفض حكومة الوفاق قبول قاعدة عسكرية لموسكو، فذهبت أنقرة إلى واشنطن لتحديد مصير المدينتين وما يعنيه ذلك من السيطرة على جميع ثروات ليبيا النفطية والغازية باستثناء آبار محدودة في الشرق الليبي، ووفق تسريبات إعلامية هناك توافق على أن تعود المدينتين (سيرت والجفرة) إلى حكومة الوفاق، وحال استكمال التفاهمات فإن عودتهما تعتبر مقدمات الأمرين اما لتجميد النزاع وتحديد حدود الغرب الليبي عن الشرق وبما يعني إقامة كيانين منفصلين، أو مقدمات أخرى لحروب اقتصادية أو حروب محدودة تتدخل فيها قوى إقليمية ودولية، ترفض أن تحدد أنقرة نهاية اللعبة في الغرب الليبي وحدها.

 

وفي شأن مماثل فإن تفجير مرفأ بيروت أدى إلى استقطابات دولية واقليمية، ودفع بسقوط حكومة حسان دياب، والمشهد المتلاطم بين الفرقاء اللبنانيين من جهة وما بين القوى الإقليمية والدولية، يعتبر مقدمات لتغيير المسار السياسي والأمني من خلال تدويل الأزمة وفرض الوصاية على لبنان، بحجة إنقاذه ماليا وسياسيا، أو مقدمات لجر الجميع إلى حرب أهلية ثانية لا يمكن لأحد التكهن، بنهاياتها، وبكل الأحوال فإن ما يجري بامتداد الجغرافيا العربية من بغداد وحتى نواكشوط يمثل مقدمات لشرق أوسط جديد.

 

واشنطن وتل أبيب  تريدان شرق أوسط جديدا  بلا نفوذ روسي وايراني  وبلا مقاومات مسلحة على حدود إسرائيل، وباريس ومعها اليونان وبعض دول الاتحاد الأوروبي تريدان حصة من الكعكة في هذه الجغرافيا وتتحركان ضد تركيا، والصين تراقب المشهد وترى أن يكون لها امتداد ونفوذ، وكل هذا مقدمات لتسويات أو صفقات بين الكبار والتوافق على النفوذ والمصالح والثروات المشتركة، أو مقدمات لحروب اقتصادية أو ما شابه ذلك، وهي اكثر دمارا من الحروب العسكرية وعلى حساب شعوب المنطقة العربية، والمحصلة أن الأقوياء ينتزعون ما يسعون إليه ولا عزاء للضعفاء في الشرق الأوسط الجديد.