أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    18-Jul-2018

فضيحة «كامبريدج أناليتيكا» تردد صدى الأزمة المالية

فايننشال تايمز - 

حين تذكر الكلمتان "كامبريدج أناليتيكا" أمام سياسي غربي – أو أي شخص يمسك بيده هاتفا ذكيا – على الأرجح سيجفل. علينا ألا ننسى أن رفع النقاب عن بعض الأشياء المذهلة هذا العام كشف الطريقة التي تتبعها شركة الاستشارات البريطانية المذكورة في الاستفادة من بيانات المستهلكين ووسائل التواصل الاجتماعي من أجل الإعداد لحملات سياسية وحملات تجارية تستهدف التأثير في الجمهور.
في الأسبوع الماضي فرض مكتب مفوض المعلومات في بريطانيا غرامة قياسية مقدارها نصف مليون جنيه على فيسبوك لسماحها لكامبريدج أناليتيكا باستخدام تطبيق يتيح الوصول إلى ملفات 87 مليون مستخدم من دون الحصول على إذن. ويعتزم مكتب مفوض المعلومات إقامة دعوى جنائية ضد الشركة الأم لكامبريدج أناليتيكا بسبب فشلها في التعامل بشكل سليم مع إشعار إنفاذ من الجهة المنظمة.
قدمت كامبريدج أناليتيكا عملا لصالح حملة دونالد ترمب الرئاسية عام 2016. وتقول وكالات الاستخبارات الغربية إن روسيا استخدمت وسائل التواصل الاجتماعي للتدخل في تلك الانتخابات وفي استفتاء "خروج بريطانيا" في المملكة المتحدة.
إن كنت تريد الحصول على نظرة أوسع على قضايا السياسة الكامنة في هذه المواضيع، فكر في أوجه التشابه بين قضية استغلال البيانات هذا العام ونمو الابتكارات المالية في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، مثل مشتقات الائتمان. ربما تبدو هذه المقارنة غريبة في البداية. فمشتقات الائتمان تسمح للممولين بالدخول في رهانات حول ما إذا كان الأشخاص أو الشركات أو البلدان سيعجزون عن الوفاء بالتزامات ديونهم. علماء البيانات في كامبريدج أناليتيكا يجمعون بيانات المستهلكين بكميات كبيرة لدراسة البشر (والتلاعب بهم). لكن هذه المهمات لا تبدو متماثلة.
لكن أوجه التشابه – والدرس المستفاد في السياسة – تكمن في كيفية تعامل السياسيين مع الابتكار، أو إساءة التعامل معه. ظهرت فكرة مشتقات الائتمان لأول مرة في أواخر القرن العشرين عندما شرع بعض الممولين صغار السن في أماكن مثل "جيه بي مورجان" في عمليات ابتكار محمومة. لم يكن لدى معظم الأشخاص غير المصرفيين أدنى فكرة عما كان يفعله هؤلاء الصبية، أو كيف يمكن لابتكاراتهم أن تتسبب في نهاية المطاف في تغيير طبيعة القروض العقارية وديون الشركات. من جانبهم، لم يكن يخفي المهووسون في القطاع المالي ابتكاراتهم ولم يكونوا يتعاملون بخبث بشكل متعمد، فقد كانوا يقولون لأنفسهم ولغيرهم إن ابتكاراتهم ستعمل على تحسين النظام المالي، وعلى إكسابهم ثروة كبيرة.
لكن مشتقات الائتمان وغيرها من الابتكارات المالية كانت تتعرض للتجاهل على نطاق واسع لأنها كانت تبدو "شاذة" جدا ومملة بشكل كبير. لم يكن لدى الناخبين والسياسيين أي دافع لطرح أسئلة صعبة لأنهم كانوا يتمتعون بالقروض العقارية الرخيصة وبطاقات الائتمان التي ساعدت المشتقات المالية في حصولهم عليها. كان المنظمون يفتقرون إلى السلطة بشكل كبير لأن شباب المال الأذكياء كانوا يعملون على إيجاد أدوات مالية اكتسحت الحدود الوطنية والصوامع التنظيمية والقوانين التي عفا عليها الزمن. وكانت السلطة بيد المهووسين إلى أن تعرضت ابتكاراتهم لسوء الاستخدام بأسلوب أسهم في إحداث أزمة مالية.
نأتي الآن إلى الوقت الحاضر. هل اشتملت هذه الملحمة على فريق من الشباب المهووس الذين شعروا بالنشوة تحت تأثير هذه الإثارة الفكرية التي يتسم بها الابتكار سريع الوتيرة؟ نعم، على الرغم من أن جبهتهم الفكرية الجديدة كانت في علوم البيانات، وليس التمويل. هل أراد أولئك المهووسون أن يصبحوا أغنياء؟ بالتأكيد. أما بالنسبة للتنظيم فقد تطور الابتكار في مجال علوم الحاسوب، مثل التطور في مجال التمويل، بشكل سريع عبر الحدود الوطنية وحول القوانين القائمة.
وأخفق السياسيون والناخبون أيضا في المطالبة برقابة مناسبة. يبدو عالم البيانات الكبرى بليدا وغريب الأطوار بالنسبة لغير المختصين مثلما كانت المشتقات المالية في ذلك الحين. يفضل المستهلكون وجود خدمات إنترنت "مجانية" بقدر ما كانوا يتمتعون بقروض عقارية رخيصة. لا أحد كان يريد التفكير في التكاليف المخفية.
ربما سيتغير كل هذا الآن. فقد أرغمت فضيحة فيسبوك وكامبريدج أناليتيكا السياسيين أخيرا على مناقشة مخاطر البيانات الكبرى – تماما كما استثارت الأزمة المالية في عام 2008 إجراء تدقيق وفحص عام للتمويل. ويعمل المنظمون بشكل متأخر على صياغة استجابات من السياسة العامة. وأخذ المستهلكون يصبحون الآن أكثر دراية (نوعا ما) بتكلفة الخدمات المجانية.
من الممكن أن نرجو أن هذا الشعور الشديد بالقلق لدى السياسيين سيؤدي في نهاية المطاف إلى إيجاد عالم أفضل من علوم البيانات، تماما كما تسببت الأزمة المالية في عام 2008 في إيجاد نظام مصرفي خاضع للسيطرة بشكل (أكثر قليلا) من قبل. الابتكار سيف ذو حدين. يمكن إساءة استخدام البيانات الكبرى من قبل السياسيين ورجال الأعمال عديمي الضمير، تماما كما يمكن أن تكون المشتقات المالية خطيرة إن وقعت في يد جهات التمويل التي تتسم بالجشع أو التهور (وخلطها مع القروض العقارية كان فكرة سيئة جدا). لكن تلك التجاوزات لا تجعل الفكرة الجوهرية لعلوم البيانات – أو المشتقات المالية – فكرة "سيئة"، بل على العكس، يمكن لأوجه التقدم المذكورة أن تصبح أحيانا أداوت مفيدة للغاية.
الدرس الرئيس المستفاد هو أن الابتكار يقدم لنا منافع حقيقية فقط عندما يكون هناك نظام مناسب وسليم من الأخلاقيات والإشراف والرقابة السياسية والقوانين الحديثة.
يجب على السياسيين والمستهلكين مراقبة المهووسين في الوقت المناسب، ولا سيما عندما يأتي هؤلاء المهووسون ومعهم هدايا للمستهلكين تبدو رخيصة بشكل مغر، ومن السهل الوصول إليها، أو أنها منافع مجانية.