أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    12-Mar-2017

التعليم وسوق العمل*د. محمد طالب عبيدات

الدستور-تشرفت بالمشاركة كمتحدث رئيس في المؤتمر الثاني للسنة التحضيرية في الجامعات بعنوان ‘’’’’’’’تكامل أدوار السنوات التحضيرية مع متطلبات سوق العمل’’’’’’’’ في حرم جامعة الامام محمد بن سعود الاسلامية بالرياض، وحيث أن موضوع المؤتمر له أهمية قصوى لارتباطه بجودة التعليم وسوق العمل والمواءمة بينهما، فقد باتت السنة التحضيرية ملحة لبناء الشخصية الطالبية وتبصيره بالتخصصات الجامعية وماهيتها وتزويده بالمهارات اللازمة الناعمة خصوصا وتهيئته للسنوات الجامعية اللاحقة وسوق العمل على السواء، وان كانت هذه السنة أو الفصل الدراسي غير موجود في جامعاتنا الا أنه يتناسب مع التوجهات الجديدة لمجلس التعليم العالي في اختيار الطلبة للتخصصات النوعية مث الطب والهندسات وغيرها في بعض الجامعات.
 
فالمواءمة بين مخرجات التعليم العالي وحاجات سوق العمل تعني انسجام التعليم العالي مع متطلبات سوق العمل المتغير بشكل يعزز رسالة هذا التعليم ويعظم من قدرته على مواجهة التغيير الحاصل في هذا السوق والتنبؤ به قبل حدوثه، وتوفير تسهيلات التدريب الملائمة لمتطلباته، وتنمية الوعي لدى قطاع الأعمال ومؤسساته حول أهمية أن تكون سعادة الانسان والمجتمع محوراً لنشاطه الاقتصادي وليس مجرد الكسب المادي.
 
التحديات التي تواجه التعليم العالي جسام منها الكم الطلابي وأعداد الخريجين وثقافة الشهادات وجودة التعليم العالي وتكرار وتداخل التخصصات في الجامعات بمسميات مختلفة ومضمون واحدضعف احداث توجه استراتيجي متكامل على المستوى الوطني فيما يتعلق بالتخصصات ومرونة المواءمة بين مخرجات التعليم العالي واحتياجات سوق العمل المتغيرة والانغلاق على احتياجات السوق المحلي دون أخذ الأبعاد المستقبلية المحتملة للسوق اقليميا ودوليا ودخول جامعات أجنبية الى السوق العربية وأنظمة تعليمية غير تقليدية والتوجّه صوب التعليم الأكاديمي دون التقني، بالرغم من أن حاجات سوق العمل تقنيّة! اضافة للحاكمية والادارة الجامعية واستقلالية الجامعات والمؤسسية والتمويل وهجرة العقول والشفافية والمساءلة وسياسات القبول وضمان الجودة والبيئة الجامعية والبحث العلمي والربحية وغيرها.
 
السنة التحضيرية موجودة حاليا في معظم الجامعات في العالم لغايات تجسير الهوة ما بين مخرجات التعليم العام ومدخلات التعليم العالي ولغايات تهيئة الطلبة واختيار تخصصاتهم وتكملة السنوات الجامعية المتبقية وانتقالهم لبيئة العمل، فمثلث مخرجات التعليم العالي وسوق العمل والاقتصاد علاقتهم وطيدة لكنها تعاني من خلل واضح في منظومة الموارد البشرية والتي تحتاج لتأطير التخصصات المشبعة والراكدة والمطلوبة لسوق العمل بطريقة ديناميكية ودائمة.
 
والتكاملية بين التعليم العام والعالي والتعامل معهما كنظامين مكملين لبعضهما جل مهم وربما التعامل بين كل منهما على حدا يؤثر على السياسات والاستراتيجيات التطويرية والتجويدية للتعليم، لأن الامتحان الوطني العام في نهاية المرحلة الثانوية ضرورة، لكن يجب أن لا يشكل المعيار الوحيد للقبول الجامعي، والمفروض ان يكون هنالك مقابلات وامتحانات قبول جامعة للتخصصات النوعية يعطى لها نسبة معينة لضمان مواءمة الرغبة والقدرة والمعدل وحاجات سوق العمل في مسألة القبول واختيار التخصص الجامعي.
 
فواقع التعليم العالي بات يعاني من بطالة تزيد عن 28% بالمجمل عند معظم خريجي الجامعات العربية، ولذلك غدت المواءمة بين مخرجات التعليم العالي وسوق العمل ضرورة ملحة ووقتها الان، كما أن التعليم المهني والتقني بات ضرورة للجامعات لتغيير الهرم الجامعي المقلوب والذي من المفروض أن تكون فيه الغلبة للمهارات لا للشهادات ويكون نسبتهم لا تقل عن 70% ولحملة الشهادات بقية النسبة.
 
وبناء مجتمع الريادة والاعمال الصغيرة والمتوسطة واحد من الطروحات المهمة التي تقلل من البطالة وتجعل الخريجين مؤهلين لولوج سوق العمل، وهنالك نظرات ورؤى استشرافية واستباقية لبناء الاقتصاد المعرفي والتنموي واقتصاد السوق للحقبة القادمة، تماما كما هي خطة النهوض الاقتصادي في الاردن.
 
وباتت المهارات الناعمة للطلبة الجامعيين البوابة الرئيسة لمداخل سوق العمل وخصوصاً اللغات والحاسوب والتواصل والاتصال وغيرها، كما أن التشاركية بين القطاعين العام والخاص مفصل هام لغايات المساهمة في تطوير العلاقة البينية في كافة مراحلها بين التعليم العالي وبيئة الاعمال وسوق العمل، والمطلوب تلبية احتياجات القطاع الخاص ومؤسساته من الكوادر المؤهلة وتشغيلهم فيه بما يتوافق مع تخصصاتهم وبما يتلاءم مع الفرص الوظيفية المتاحة، كما هو مطلوب من القطاع الخاص تفهّم العلاقة البينية بين مؤسسات التعليم العالي وسوق العمل.
 
هنالك تردد القطاع الخاص المحلي في توظيف الكوادر الوطنية بحجة عدم مواءمة تخصصات الطالب الخريج مع احتياجات ومتطلبات سوق العمل، ولذلك فان توفير الكوادر الوطنية المؤهلة يجب أن ينطلق من تحديد احتياجات سوق العمل والتخصصات المطلوبة وهذا ما يعطي لقضية المواءمة أهمية حيوية، كما أن هنالك ضرورة لتوفّر مهارات ناعمة اضافية عند الخريجين -اللغات الأجنبية والحاسوب، الخ- وتوفير خطة تعليمية تخدم هذه الاحتياجات وتعمل على توفير التخصصات التي يحتاج اليها سوق العمل، والثقافة المجتمعية ما زالت لا تشجّع التعليم التقني والمهني، ولذلك هنالك ضرورة لاشراك أصحاب العمل في وضع السياسات التعليمية والتدريبية واعداد المناهج ومراقبة جودة الأداء لتنسجم سياسات التعليم التقني مع احتياجات السوق.
 
فأسباب ضعف المواءمة ما بين مخرجات التعليم العالي واحتياجات سوق العمل يعود الىانخفاض الكفاءة النوعية لمؤسسات التعليم العالي التي من مؤشراتها -تدني التحصيل المعرفي والتأهيل التخصصي وضعف القدرات التحليلية والابتكارية والتطبيقية، والقصور في تعزيز القيم والاتجاهات الانتاجية- وانخفاض الكفاءة الخارجية الكمية والنوعية، ويتمثل ذلك في تخريج أعداداً من الخريجين في تخصصات لا يحتاجها سوق العمل مع وجود عجز وطلب في تخصصات أخرى.
 
ولهذا فان التعامل مع فجوة مخرجات التعليم وسوق العمل يجب أن يتعامل مع ثلاثة محاور هي محور سوق العمل من حيث عدم الثقة الكافية لدى مكونات سوق العمل في قدرات وامكانات مؤسساتنا التعليمية، وغياب لاستراتيجية تشغيل كاملة ومتكاملة، وسرعة تغيير في احتياجات سوق العمل، ونقص في البيانات المتوافرة من قبل السوق، وانعكاس ذلك على استجابة مؤسسات التعليم لاحتياجات السوق، والمحور الثاني محور اصلاحات الاقتصاد من حيث تحفيز ايجاد فرص عمل في القطاع الخاص، وتشجيع المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وتقديم التسهيلات والدعم لهذه المشاريع، والمحور الثالث محور تطوير التعليم من حيث الارتقاء بمهارات الخريجين عبر تطوير التعليم والتدريب، لتلبي احتياجات ومتطلبات سوق العمل، وايجاد منظومة للتوجيه والارشاد المهني، تبدأ من المرحلة المدرسية الأولى، والتجديد في طرائق التدريس والمناهج لكافة المراحل التعليمية، وهنالك قصص نجاح لدول فيها نسب البطالة متدنية وجودة التعليم عالية وهنالك مواءة مرنة بين مخرجات التعليم العالي وسوق العمل فيها مثل سنغافورة وفلندا وأمريكا والسويد وماليزيا غيرها.
 
نحتاج لتطبيق استراتيجيات نوعية لدعم المواءمة بين مخرجات التعليم وحاجات السوق، وتالياً بعض الأمثلة والطروحات: تطوير التخصصات المركبة، وانتهاج سياسة التشغيل الذاتي وليس التوظيف، ودعم الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وولوج تخصصات التعليم المهني -طاقة متجددة، هايبرد، مساحة، الخ-، وتطوير مفهوم الريادة والتمويل لفرص اقتصادية لمشاريع صغيرة ومتوسطة، واعتماد التنافسية كمعيار للكفاءة في القطاعين العام والخاص، وتجنب التكرار في التخصصات، وتجميد القبول في التخصصات الراكدة والمشبعة، والتوسع بمساقات التعليم الالكتروني والتعلم عن بعد، واعادة تأهيل الخطط الدراسية لمواكبة متطلبات العصر وسوق العمل، والتركيز على تخصصات تطبيقية تقنية بحتة وليست أكاديمية، وانشاء وحدات التشغيل ومتابعة الخريجين والتركيز على المهارات العصرية الناعمة، والتركيز على دور البرامج التحضيرية لاختيار التخصصات الجامعية.
 
وبصراحة مطلقة نحتاج لطلاق ثورة بيضاء لمحاكاة لغة العصر في مثلث العلاقة بين التعليم وجودته من جهة وسوق العمل من جهة أخرى والنهوض الاقتصادي في المحصلة، على سبيل خلق التغيير المنشود في الثقافة المجتمعية القابلة لمجتمع الريادة والتعليم التقني والمهارات الناعمة وتكاملية التعليم العام والعالي، والا فنسب البطالة ستكون باطّراد!