أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    10-Feb-2019

مواطنون أم دافعو ضرائب؟!*ابراهيم عبدالمجيد القيسي

 الدستور

نحتاج الى وقفة تأمل في المشهد العام، وربما يلزمنا قليل من الصمت، فالمشهد يتغير وثقافة جديدة تفرض نفسها عليه، وهي ربما تبدو للوهلة الأولى جدلية، ولعل الجدليّة نفسها سمة بديهية فكل التجديد والتغيير يبدو غريبا، ويكون جدليا في البداية، لكنه في النهاية حتمية طبيعية، فالإنسان مخلوق ذكي وتميز عن سائر الكائنات بأنه يملك عقلا، ومنوط به عمارة الأرض، وفي كل المنجزات الانسانية على صعيد التحضر والمدنية، يظهر الفعل الانساني الذي لا ينقطع ويسير دوما صوب هدف تحسين الحياة.
الظاهرة الصوتية التي نعاني منها، سببها الفكرة الوطنية التي لا يفهمها البعض جيدا، فالجميع يتحدث ويرفع عقيرته بالكلام بدعاوى وطنية، ولا يلقي بالا لفكرته ومدى صوابها أو أهميتها أو تفردها، هم يتحدثون كلاما ممضوغا ملايين المرات.
ملامح العقد الاجتماعي الجديد الذي يرسو في علاقتنا مع أنفسنا ومع شأننا العام، تتجلى في التشريعات، لا سيما تلك التي تكرس علاقة المواطن بالدولة وبمؤسساتها، وتحدد دوره في قضاياها سواء على صعيد التسبب بها أو على صعيد حلها، فحين نتحدث عن تشريع كقانون الضريبة الذي سيتم تطبيقه قريبا، ستختفي كثير من أعباء ونمطيات الخطاب وتتبدل مصطلحات الحوار العام، فالذي كان بمصطلحات ثقيلة، سيتحدث بعدها عن علاقة «زبائنية» مع الدولة وقضاياها، وستكون علاقته مع الشأن العام شبه رقمية، تعتمد على الخدمة التي يتلقاها من الذين يقدمونها، سواء أكانوا أشخاصا أم شركات أم مؤسسات حكومية..وهذه هي طبيعة العلاقة التي نصفها بالمتحضرة، تربط بين المواطن والدولة في الدول الديمقراطية المستقرة بل المتفوقة اقتصاديا، حيث يعتبر نفسه دافعا للضرائب، ولولا ضرائبه لما وجدت رواتب للقطاع العام كله، فيجتهد دافع الضرائب ويحسن خياراته الانتخابية، للحصول على أفضل خدمة لقاء ما يدفع، ويركز اهتمامه على البنى التحتية وخدماتها، وعلى الصحة والتعليم، وبالطبع على الأمن والاستقرار وحماية المستقبل وتحسين الفرص.
ثقافة «الزبائنية» أو التعامل مع الدولة بناء على عقد محوره وغايته الرئيسية المواطن، قد تبدو ثقافة مقبولة قياسا على شعوب العالم المتقدمة، فهي ليست علاقة أو ثقافة سيئة، بل هي أول ثمرات الديمقراطية وسيادة القانون.. لكن الأسئلة الأهم تتقصى مدى جدارتنا: 
هل يمكن للدول النامية أن تنخرط في مثل هذه العلاقات والتعاقدات مع مواطنيها؟.هل حقا ستنعكس أموال الضرائب على مستوى الصحة والتعليم ومجانيتهما، وعلى الخدمات والبنى التحتية كالشوارع والماء والكهرباء والمواصلات والترفيه؟، وماذا سيكون مصير الدور الاجتماعي لا سيما للتجمعات أو المجتمعات المحلية الأقل حظا في فرص التنمية؟!.
مثل هذه الثقافة حتمية، فالدولة بسلطاتها جميعها، هي من حددها ودعا إليها، حين لجأت الى الضريبة كمصدر رئيسي للمال العام، لكنها قد تكون خطأ جسيما أو ضربا من الخيال أو ترفًا يعبر عن سوء إدارة، حين نتحدث عن دول غارقة في الأوضاع الاقتصادية المتردية، وتعاني منظومة تشريعاتها من تقهقر، وتسيطر ثقافة ابتزاز الدولة ومؤسساتها على أذهان ومواهب فئات من مجتمعها وتعتبرها محور قياس و»تعايش» مع الفكرة الوطنية.
متى سنصبح مجرد دافعي ضرائب ونقدم 35 ٪ من تعبنا للدولة، لنهتم بعدها بمستوى الخدمة وبيئة الأمن والانتاج وغزارة الفرص ونحاسب الحكومة عليها؟..بمعنى آخر متى نتخلص من الصوت العالي الذي يبتز المجتمع والحكومة؟.
كلها أسئلة  أكثرنا حذرا وعقلانية سيؤجلون الإجابات المبدئية الى ما بعد عامين أو أكثر على نفاذ حزمة التشريعات الجديدة، لا سيما الضريبة وما ارتبط بها أو سيتمخض عنها من تعديل أو إيجاد تشريعات.