أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    18-Sep-2017

ماذا نستفيد من احتفال «آبل» السنوي؟*جمال بنون

 الحياة-كنت أحد المتابعين للاحتفال السنوي لشركة «آبل» لإعلان منتجاتها الجديدة، ولعل الحدث الأهم إطلاق أجهزة هواتفها الجديدة ومنتجاتها الأخرى، أما الأمر الآخر، الذي تفتخر به الشركة هذا العام، أنها دشنت مقرها الجديد «آبل بارك» الذي كلف خمسة بلايين دولار، وتم تصنيع سقف مقر الشركة في دبي، حيث يزن السقف المصنع 80 طناً، وأطلقت على أحد قاعاتها الرئيسة اسم مؤسسها الراحل ستيف جوبز، وهذه هي المرة الأولى التي تحتفل «آيفون» بمؤتمرها الصحافي في مقرها الجديد، في حضور 1000 زائر.

إذا كان المتابعون أصابهم الهوس لمعرفة الجديد في عالم الاتصالات والتقنية والحواسب الإلكترونية، فالشركة نفسها تحترم عملائها ومتابعيها، وحينما تحتفل سنوياً وبانتظام بمنتجاتها فهي تقدم نفسها بوصفها إحدى الشركات القوية والمؤثرة والفاعلة، ليس فقط على المستوى المحلي، بل على المستوى العالمي.
لن أتحدث عن الحفلة، ولا عن العرض المبهر، ولا حتى عن منتجات هذه الشركة، ولا عن حجم استثماراتها، التي تصل قيمتها السوقية إلى أكثر من 700 بليون دولار، سنتحدث عن شركة لا يزيد عمرها على 40 عاماً منذ تأسيسها، وخلال هذه الفترة الوجيزة، من يتابع أخبارها، سيجد كيف أنها حققت قفزات هائلة ونجاحات متتالية، وعقوداً وشراكات مع شركات ودول متعددة. هي ليست شركة حكومية لتحظى باستثناءات في التسهيلات. هي مثل أية شركة أخرى كان من الممكن أن تنتهي بعد أعوام قليلة عندما اختلف الشركاء المؤسسون؛ ستيف جوبز، وشركاؤه ستيف وزنياك ورونالد واين، قبل أن تتحول إلى شركة محدودة، ومغادرة الشريك الثاني ستيف وزنياك حينما باع نصيبه في الشركة، ومقداره 800 دولار لجوبز. أقول، كان يمكن أن تنتهي في بداية تأسيسها وقت توزيع الحصص أو الأرباح، إلا أن هذه الشركة رسمت لنفسها هدفاً واحداً وهو الصعود إلى القمة من طريق سلم المجد، وعلى رغم ما رافق نجاحات الشركة من عثرات وصراعات بين الشركات الأخرى، فإن هذا الصراع كان يأتي لمصلحة المستهلك، سواء من حيث الخدمة أم انخفاض الأسعار، وخلق منافسة شريفة تؤدي إلى جودة المنتج.
إذا كانت الشركة اليوم تحصد ثمار نجاحها فهي لقيت كثيراً من الدروس المؤلمة في تاريخها، وبخاصة في ما يتعلق بقضيتها الشهيرة مع منافستها «سامسونغ» التي وصلت إلى أروقة المحاكم مرات عدة، ومرات تكسب وأحياناً تخسر، ولعل أشهر القضايا التي أشغلت المراقبين، وكادت أن تعصف بها حينما وجد مكتب التحقيق الفيديرالي الأميركي «FBI» جهاز آيفون في يد أحد منفذي الهجوم الإرهابي في سان برناردينو في كاليفورنيا، وراح ضحيته 14 شخصاً، وحينها عجزت القوات الأمنية عن فتح هاتف آيفون، إذ لا يسمح نظام الهاتف بفتحه، ويقوم تلقائياً بتعطيل الهاتف، ولم يتمكن رجال الأمن من معرفة البيانات بعد أن تم مسحها في حال إدخال رمز خاطئ 10 مرات. فبالتأكيد إذا كنت تتسلق طريق النجاح فستواجهك مصاعب.
نعود إلى الشركة، التي اعتادت أن تحتفل سنوياً، وأصبح لديها متابعون، ليسوا فقط لشريحة الشباب من كل أنحاء العالم، بل إن نوعية الأشخاص المتعاملين معها يوصفون بأنهم مميزون، قد تكون منتجاتها تخص طبقة محددة من المجتمع، هذا الفخر والاعتزاز بنفسها، بوصفها شركة كبيرة وقوية، واحترامها لعملائها، جعلها بالضرورة تخرج سنوياً بمنتج جديد، فهذا في حد ذاته تحدٍ يضع الشركة أمام مسؤولية كبيرة ويجعلها في سباق مع الوقت، فالناس مثلما يقبلون على منتجاتها فهي تفتخر بنفسها وبموظفيها، الذين يصل عددهم إلى أكثر من 60 ألف موظف، وأحد أكثر الأماكن التي يتمنى الشباب اليوم العمل فيها، لما توفره من مناخ آمن للعمل وبيئة محفزة للإنتاج، فالعامل في نظر الشركة شريك استراتيجي وفعال، مع توفير كامل الرعاية له، وهو استمرار لنجاحها. شاهدوا معي على مد البصر في وطننا العربي، دول الخليج وحدها كان يمكن أن تصنع الفارق في مجال الصناعات والشركات الكبرى وريادة الأعمال، لدينا كم هائل من الشركات، ومعظمها تدعمها الدولة بالمال والأرض والقرض والتمويل وغيرها من أنواع الدلال واختيار رؤسائها، مع ذلك تستغرب أنها لا تزال مستمرة على رغم إحباطاتها وخسائرها وعدم نجاحاتها، ألوم دول الخليج، لأنها ذات ثروة هائلة، فعوائد النفط المالية لو أنها استثمرتها في مجالات متنوعة، وقامت بتحسين بيئة العمل، لكانت اليوم ذات شأن صناعي وتجاري، إلا أن دول الخليج يعيبها أنها تجامل، والمحسوبية والواسطة تلعب دوراً مهماً في انتهاز الفرص، فيكون الهدف الثراء الشخصي وليس صناعة معرفة وقيمة مضافة إلى الاقتصاد المحلي.
العالم العربي انشغل بتوافه القضايا والأمور، حتى حكوماته انشغلت في مشاريع كثيرة، إلا أنها لم تتمكن من بناء قاعدة صناعية ولم تحفز الشباب على الانتظام في برامج مهنية، أو تشجع الموهوبين، معظم المواهب وقتية وصغيرة، لم تنته بمشروع تحققه، وتقدم له الرعاية وتحميه وتفسح له الطريق. في عالمنا العربي نمت في شكل سريع الطائفية والعنصرية وازدراء الأديان، والحقد والكراهية، نما في شكل لافت إقصاء الآخر، والمحسوبية، وطبقة الشخصيات التي تصعد على أكتاف المسؤولين. أعطينا مثالاً لشركة «آبل»، مع أن هناك عدداً من الشركات تستحق ضرب الأمثلة بنجاحاتها، إلا أن هذه الشركة التزمت في شكل سنوي ومعلن أن تعرض الجديد من منتجاتها وتفتخر بنفسها، وهذا الاعتزاز حقق لها مكاسب مالية عالية وجعلها من أكبر الشركات في العالم من حيث القوة والتأثير في العالم. فعائداتها السنوية تبلغ 216 بليون دولار، ودخلها التشغيلي يصل إلى أكثر من 60 بليون دولار، وأرباحها 46 بليون دولار، أما أصولها فهي في تزايد، إذ تقدر بـ322 بليون دولار.
على الدول العربية، إذا أرادت أن تقوي اقتصادها، أن تطلق العنان لشبابها في الإبداع والتميز من دون قيود، وأن تفسح لهم الطريق، وأن تأخذ بيد المواهب والشركات الصغيرة المتحمسة، وأن تساند الشركات المتوسطة، التي تريد أن تصعد سلم المجد، وأن تقف مع الشركات الكبرى بمثابة شريك داعم ومساند للتنمية.