أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    31-Jan-2019

الاقتصاد.. إلى أين؟*سلامة الدرعاوي

 الدستور

أكبرُ تحدٍّ يواجه الاستقرار الاقتصاديّ في المملكة، هو بقاء حالة الاحتجاجات حتى لو كانت صغيرة بأشكالها وأحجامها على ما هي عليه دون حلّ لها، لأن ذلك يعني إعطاء صورة سلبيّة عن سلوك فئة من المواطنين الرافضين للسياسات الاقتصاديّة التي آذت دخولهم وزعزعت أمنهم المعيشيّ.
الحُكومة مُطالبة بتوفير مظلة حِوار للمحتجَّين تؤسس لِتفاهمات حول أصل القضية والحلول المُقترحة مع شرحٍ وافٍ لحقيقة الوضع الاقتصاديّ والتحدّيات التي تُحيط به، وهذا لا يكون إلا من خلال حوار مسؤول يَصحبُهُ صِدق في الإجراءات والسياسات المُختلفة من مُحاربةِ الفساد مِثل ما حدث في قضية عوني مطيع، إلى تعزيز الشفافيّة في التعيينات وتحقيق المساواة بين المواطنين على أسس دولة القانون، مَصحوبا ذلك كله بمجلس نيابيّ يكون الحاضنة للعدالة الاجتماعيّة، ولا يشوبه أيّة شائبه في سلوكياته أو إجراءاته وسياساته.
المَطلبُ السابق هو مهم لأيّة حكومة تُريد الإصلاح الحقيقيّ في المُجتمع، فلا يُمكن إعادة بناء جدار الثِقة بين الحكومات والمواطنين دونَ تَنازلات حقيقيّة من الحكومات تجاه المُجتمع الذي تَحمّل كُلّ تَداعيات فشل إدارة السياسات الاقتصاديّة المختلفة، والتي للأسف كانت تَرتكز في السنوات الماضية على التخاصيّة كسياسة ماليّة وليس كإجراء إداري تصحيحيّ، إضافة إلى زيادة الضرائب والجمارك والرسوم التي تحملتها جيوب المواطنين وإيرادات القطاع الخاص، والمُحصلة كانت نُمُوّ في عجز الميزانية وزيادة في الدين العام واعتماد اكثر على المنح والمساعدات الخارجيّة في استقرار الماليّة العامة وتنفيذ المشاريع الرأسماليّة، ناهيكَ عن التراجع الكبير وغير المَسبوق في أداء وإنتاجية القطاع العام.
حاليا يَستعد الاقتصاد الوطنيّ للدخول في مَرحلة جديدة بعد المراجعة الثانية من اتفاق الصندوق واقتراب انتهاء العمل ببرنامجه التصحيحيّ، وهذا الأمر يَتطلب رؤية اقتصاديّة واضحة للتعامل مع مُتطلبات المرحلة الراهنة التي ما زالت التحدّيات تُحيط بها من كُلّ جانب.
هل باستطاعة الاقتصاد الأردنيّ اليوم السير لوحده دون مُساعدة الصندوق بعد انتهاء برنامجه في شهر حزيران القادم؟
سؤال مشروع يَدور في مُخيلة الكثير من المراقبين الذين يرون أن الاقتصاد الأردنيّ بأمس الحاجة اليوم إلى إعادة النظر في مجمل علاقاته الاقتصاديّة وإعادة بنائها من منظور المصلحة الوطنيّة الخالصة، خاصة فيما يتعلق بمراجعة الاتفاقيات الدوليّة.
قد يكون الأردن من الناحية النظرية يسعى لزيادة تغطية نفقاته التشغيليّة من إيراداته العامة والتي بلغت نسبتها الحالية حوالي 94 بالمئة، لكن في الحقيقة وما يشير إليه الواقع  ازدياد حجم المساعدات والمنح المقدمة من الدول الصديقة للأردن في السنوات المُختلفة والتي غالبيتها يأتي لأغراض سياسيّة بحتة تقديرا لمواقف المملكة الإقليميّة والدوليّة، لكن من الناحية الاقتصاديّة الأردن يزداد اعتمادا على الخارج حتى الموازنة تأتي وتُخالف تقديراتها بشأن المنح باتجاه أعلى من المُقدر كما حدث في موازنة 2018 التي قدرت المساعدات بـ 777 مليون دينار في حين حَصّلت فعليّا على أكثر من 950 مليون دينار، وهذا الأمر يتنافى مع منطق الخطاب الحكوميّ بالتزايد الاعتماد على الذات.
الحُكومة اليوم ليست بحاجة إلى برنامج أولويّات تنفيذيّة بقدر ما هي بحاجة إلى خارطة طريق واضحة المعالم مُرتبطة بسياسات وبرنامج اقتصاديّ تنفيذيّ مبني على أسس الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وليد تَفاهمات وقناعات اقتصاديّة مُشتركة وليست مفروضة من جهة على أخرى.
الأردن بأمس الحاجة إلى تعزيز دولة القانون وإعادة الاعتبار لهيئة الدولة، وتحقيق المساواة بين المواطنين، وهذا لا يمكن أن يحصل دون تحقيق العدالة في التعامل ومحاربة الفساد والواسطة والمحسوبيات التي كان لها الدور الأكبر في ردم جدار الثِقة بين الحكومات والشّارع.
الاقتصاد الوطنيّ بحاجة إلى إدارة رشيدة مُتلاحمة مُتفاهمة في البرنامج قولاً وفعلاً، مُتفقة على نهاية النفق المُظلم وتعي جيداً مسار النفق ونهايته، وهذا لا يحصل أيضا إلا من خلال مبدأ التقييم والمحاسبة والمراجعة الدوريّة لِكُلّ السياسات والإجراءات التنفيذيّة وتعزيزها.