أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    20-Dec-2018

جيوش الموظفين وعجز الموازنة*د. محمود عبابنة

 الراي-الحديث منذ أكثر من عشرين سنة عن الترهل الإداري في القطاع العام لم يتوقف بل صار حديث الناس على نحو لم يسبق أن كانت عليه الدولة منذ تأسيسها، واختراع تجربة خدمة المكان الواحد، والنافذة المفتوحة لم تعط الغاية المرجوّة، وسياسة تكديس الموظفين الذين غصت بهم مؤسسات عامة أو شبه عامة ما زالت تنتج آثارها المدمّرة التي لحقت بالموازنة العامة وبجودة الخدمات المقدمة، فزيادة أعداد الموظفين في مرفق ما مساوية بضررها للضرر الناجم عن نقصهم.

 
الأنظار كانت تتوجه دائماً عند الحديث عن التوظيف العشوائي إلى مؤسسات عديدة تعاني من زيادة أعداد الموظفين الزائدين عن الحاجة فيها، وتصدرت الملكية الأردنية ومؤسسة الإذاعة والتلفزيون وشركة الفوسفات قائمة حواضن البطالة المقنّعة التي ابتليت بها تحت ضغط أصحاب النفوذ نواب التوظيف والخدمات الذين يرغبون بإعادة ترشيح أنفسهم أو بضغط بعض الوزراء الذين أقسموا على الخدمة بأمانة وإخلاص.
 
الأخبار التي تم الكشف عنها حول أعداد الموظفين في أمانة عمان الذين بلغوا حوالي 23000 موظف كانت صادمة سيما وأن الخبر اقترن بالإفصاح أن الزيادة هي أكثر من 7000 موظف، وقد يخرج علينا منظّر للقول أن التوظيف هو أيضاً لمكافحة البطالة وجزء من دور الدولة الرعوية التي تعودنا عليه، أو التخفيف منها وتحويلها من بطالة مكشوفة إلى بطالة مقنّعة ! متناسين أن نفقات ورواتب الموظفين في القطاع العام أصبحت أحد أسباب تفاقم العجز المالي لموازنة البلد ولموازنة المؤسسات الكبرى، إذ أنه يجري تخصيص 70% من موازنة الدولة للرواتب والمتقاعدين أي ما يعادل 6 مليارات وهذا برأي المحللين الاقتصاديين يشير إلى خلل فادح في موازنة تبلغ 9 مليارات منها مئات الملايين من المنح و مع ذلك تعاني عجزاً مزمناً.
 
سياسة الإرضاء والاستجابة السريعة لطلبات التوظيف على معيار (مشّيلي حتى أمشّيلك) بغض النظر عن الحاجة والكفاءة وتكديس العاملين في غرف وممرات، أثقل كاهل الخزينة العامة برواتب جيوش جرارة يتم تخصيص ثلثي الموازنة لدفع رواتب موظفي القطاع العام العاملين والمتقاعدين وعند العجز ليس أسهل من تعويض النقص من زيادة الرسوم والجبايات تحت عناوين مختلفة من جيوب الناس. المشكلة في التعيينات العشوائية مشكلة مزدوجة، فعدا عن التسبب بالعجز، فهي تعيق الحركة وتؤخر تقديم الخدمة، فلا بدّ من إشغال الموظف بإجراء زائد لا ضرورة له، بدلاً من قيامه بالعبث على الفيسبوك أو الاكتفاء بشرب الشاي والقهوة على طاولة الخدمة، إن لم يغادرها لزيارة زميله بالغرفة المجاورة الذي يتمطى ويشعر بالملل.
 
داء الترهل الإداري والتكديس الوظيفي موجود في دول أخرى وبالذات في الدول النامية، وربما في الدول المتقدمة أو المتطورة، وإن كان بنسبة أقل بكثير مما لدينا، ففي منتصف الثمانينات أفاقت إيطاليا على هذه المشكلة، اقترحت لجنة إصلاح الإدارة في القطاع العام خطة يتم بموجبها الاستغناء عن 30 ألف موظف كل عام قبل وصولهم سن التقاعد مقابل تعويضهم بمجموع رواتب لمدة سنة أو سنتين حسب المعايير المعتمدة، وكذلك التسهيل لهم للحصول على تسهيلات بنكية بفوائد متدنية لتحفيزهم على المغادرة والشروع بمشاريع خاصة يتم استخدام عاطلين عن العمل بها.
 
إذا كانت موازنة الدولة الأردنية المكسورة التي تئن من وطأة العجز والمديونية لا تستطيع تبني برامج كهذه أو غيرها لإنقاذ القطاع العام ووقف ترهله، فعلى الأقل عليها واجب البحث عن الموظفين الفضائيين الذين يتقاضون رواتب ولا يحضرون إلى المؤسسة–كما تم كشف المستور من قبل دولة الرئيس الرّزاز في مستشفى البشير مؤخراً–وصرفهم من جدول صرف الرواتب.