أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    20-May-2020

العودة إلى العمل*ابراهيم عبدالمجيد القيسي

 الدستور

هذا موضوع لم نكن نحلم أن نتحدث عنه في هذا الزمن، الذي يتسابق فيه البشر مع الوقت كي ينجزوا اعمالهم، وبعضهم بل كثير منهم يحتاجون في اليوم أكثر من ٢٤ ساعة للوفاء بالمطلوب منهم، لكننا وفي غمرة هذا التسابق مع الزمن والعمر، تمر دولتنا بظرف اضطرت معه لوقف العمل في كل مؤسساتها تقريبا للحفاظ على أهم وأغلى ما يبقيها واقفة صامدة، وهو المواطن وصحته، حيث امتدت العطلة القسرية لفترة تزيد عن شهرين في بعض المؤسسات، ولا يتجاهل أحد مقدار الانعكاس السلبي لمثل هذا التوقف على الحياة العامة بما فيها الاقتصاد.
 
وعلى الرغم من أن الجميع أبلوا حسنا وما زال الأردن بجهودهم والتزامهم صامدا معافى، إلا أن بعض المستهترين أطالوا أمد الأزمة حين لم يلتزموا بأوامر وتعليمات جاءت لتحميهم متغاضية عن كل خسائر مقابل صحة المواطن ونظافة بلده من الوباء.. فعادت الدولة من جديد تجابه الفيروس وتمنع انتشاره بسب استهتار المستهترين.
 
خسرنا كثيرا، حقيقة لا ينكرها أحد، وعلى الرغم من صمود المؤسسات ووفائها بالتزاماتها تجاه موظفيها إلا أن حدود احتمالها يبقى محدودا، وكذلك تعطلت الحياة العامة بالنسبة للقطاع الحر، على صعيد الأفراد والمؤسسات، ولم نلتقط أنفاسنا بعد لنقوم بتقييم أثر هذا التوقف للحياة العامة، وكذلك تعطلت معاملات وقضايا المواطنين، وهو تعطل سيظهر حجمه وخطره على خططنا التحوّطية لمنع تفشي الوباء حين تعود المؤسسات الرسمية للعمل، فالمتوقع هو تهافت من قبل المراجعين لكل المؤسسات، وهو تحدّ جدير بحسن التعامل معه، وللمواطن الدور الأكبر في تجاوزه والتعامل معه بمنطق وتحضّر وحرص إضافي حتى لا تذهب جهودنا أدراج الرياح.
 
من بين الأمثلة البناءة التي تستحق الذكر حين نتحدث عن عودة اردنية مرتقبة لإعادة فتح الحياة العامة بالبلاد، المثال الذي لمسناه في ادارة ترخيص المركبات والسواقين، حيث بادرت هذه الادارة التابعة لمديرية الأمن العام بكل فروعها بالعودة للعمل بالطاقة الكاملة، بل ونتيجة لحرصها على الحفاظ على المواطنين وعلى كوادرها كلفت أعدادا اخرى من كوادر الادارات الأخرى في الامن العام إضافة إلى كوادرها لتضمن تقديم خدمة مثالية، متوافقة مع سياسة التحوط والحرص التي انتهجتها الدولة، وقدمت فيها أمثلة رائعة فوق التضحيات والخسائر المادية.. 
 
التقيت بالعميد محمد العمري مدير ادارة الترخيص، وتبادلت معه حديثا اذاعيا حول هذه العودة المشهودة للعمل، حيث كانت هذه المؤسسة هي أول مؤسسة أردنية رسمية تعود لتقديم الخدمة لمراجعيها بالطاقة الكاملة بعد هذا التوقف، ومن بين المرتكزات المهمة التي يتقصاها أي صحفي يريد الحديث عن العودة للعمل واستقبال المراجعين، تلك التي تظهر فيها الثقافة الصحية التي رست في ذهنية وتعامل الناس، حيث المطلوب هو التزام بسيط من قبل المواطن المراجع لأي مؤسسة، يتمثل بارتداء كمامة وقفازين، والمحافظة على مسافة بينه وبين الآخرين كلهم، وعدم الاحتكاك بأحد، وكذلك التزام آخر من قبل الموظف الذي يقدم الخدمة للمراجعين، فهو يتعامل مع المراجعين كلهم، ومطلوب منه المبالغة بالتحوط والالتزام، وكانت هذه المرتكزات حاضرة في حديث العميد العمري، الذي تحدث عن صورة مثالية لشكل العمل في ادارة ترخيص المركبات والسواقين وفروعها، وتحدث عن ثقافة جديدة كاملة، تصف شكل المعادلة التفاعلية بين المواطن المراجع لأية جهة تقدم له خدمة ورقية أو اليكترونية، وبيّن أن الجهات الأخرى المشاركة في هذه العملية كمكاتب التأمين وغيرها تتعامل بتوافق تام مع الادارة وفروعها حسب مقتضيات الحالة وظروفها..
 
لا يمكنني الجزم بأن الناس سوف يتعاملون بنفس الطريقة في المؤسسات الحكومية والخدمية الأخرى، فالتعامل مع الشرطي باعتباره رجل نظام وقانون يختلف تماما عن التعامل مع موظف حكومي آخر، ففي حين يحدثني العميد محمد العمري بأن المواطن ملتزم بالتعليمات حين يراجع الادارة وفروعها، وتكفيه إشارة ليعيد ارتداء كمامته، فهو لن يفعلها بنفس الالتزام لو قام موظف حكومي بتذكيره بالكمامة التي (سحلت) عن أنفه لسبب أو لآخر، وهذه حقيقة لا يمكننا تجاهلها، فنحن البلد الذي قدم صورة حضارية مبهرة وقام مستهترون من مواطنيه بتبديدها وتضييع جزء كبير من نتائجنا المشرفة.
 
والتقيت بأمين عام ديوان الخدمة المدنية، المهندسة بدرية البلبيسي، وحدثتني عن الدليل الارشادي الذي قدمه الديوان بالاشتراك مع جهات أخرى كمعهد الادارة العامة وغيره، وهو بمثابة خطة ارشادية للمؤسسات ضامنة لعودة سلسة ومنظمة حين تفتح ابوابها لاستقبال مراجعيها، وقد لمست تلك الثقافة الصحية الجديدة حاضرة في الدليل الارشادي، الذي يترك لادارات المؤسسات حرية اختيار طريقة مرنة لتحديد سيرها أثناء استئنافها لتقديم خدماتها للناس، حيث تقوم ادارات المؤسسات بالعودة تدريجيا للعمل، وتصنف كوادرها الذين سيباشرون العمل وفق حاجاتها الفعلية لإنهاء معاملات الناس دون اختراق لتعليمات منع الاختلاط والاحتكاك مع الالتزام بأدوات السلامة الصحية المطلوبة، ويقترح الدليل المذكور مراحل للعودة للعمل بالطاقة الكاملة ويتضمن أيضا جانبا جديدا في إدارة أعمال المؤسسات، وهو جانب اعتبره من إيجابيات الظرف الاستثنائي القاسي، حيث هناك هامش للعمل عن بعد واستخدام التكنولوجيا في إنجاز الأعمال، وهي نتيجة راقية ومتحضرة لو استطعنا فعلا أن نعتمدها ونراها في حياتنا العامة.
 
وما زلت أستغرب ظهور أصوات وآراء تنتقد ادارة الأزمة والتكيف معها، بل إن بعضهم يعتبر الدولة أخطأت حين اتخذت هذا الاسلوب الوقائي من الوباء، ويطالبون بما يسمى (مناعة القطيع)، متغاضين (وعن سابق ترصد) عن القدرة الاستيعابية لمستشفياتنا وعن حجم كوادرنا الصحية المختصة.. يطلبون من الدولة أن تلقي بمواطنيها في جحيم الوباء وتداعياته التي هزت دولا عظمى، ولا اعتقد بأن هؤلاء سيتحدثون بالمنطق نفسه لو فعلت الدولة ما يريدون، فهم سيكونون اول من ينتقدها على مثل هذا القرار.
 
اريد القول بأن ثمة نفوس تنفر من النجاح وتهاجمه، ولا دور او عمل لها او مساحة يجدون انفسهم بها سوى انتقاد الدولة، ودون تقديم مقترح افضل، فقاتل الله الأوبئة وحمانا من شرها.