أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    31-Aug-2014

تفاوت مفيد وآخر ضار

 

مايكل سبنس
 
ميلانو ـ الغد- كان اتساع فجوة التفاوت في الدخل والثروة في العديد من البلدان في مختلف أنحاء العالم اتجاهاً طويل الأجل دام ثلاثة عقود من الزمان أو أكثر. ولكن الاهتمام المكرس لهذه القضية كان في ازدياد بشكل كبير منذ اندلاع الأزمة المالية في العام 2008: فمع تباطؤ النمو يصبح التفاوت المتزايد أكثر إيلاما.
كانت النظرية "القديمة" حول التفاوت بين الناس تتلخص في أن عملية إعادة التوزيع من خلال النظام الضريبي تسببت في إضعاف الحوافز وتقويض النمو الاقتصادي. ولكن العلاقة بين التفاوت والنمو أكثر تعقيداً وتعدداً للأبعاد مما قد توحي به هذه المفاضلة البسيطة. ذلك أن قنوات التأثير وآليات المردود المتعددة تجعل التوصل إلى استنتاجات نهائية أمراً صعبا.
على سبيل المثال، الولايات المتحدة والصين هما الاقتصادان الرئيسيان الأسرع نمواً اليوم. وكل منهما لديه مستويات عالية متماثلة ومتزايدة الارتفاع من التفاوت في الدخل. ورغم أننا لا ينبغي لنا أن نستنتج من هذا عدم وجود ارتباط بين النمو والتفاوت أو أن الارتباط بينهما إيجابي، فإن التصريح المطلق بأن التفاوت ضار بالنمو لا يتفق حقاً مع الحقائق.
وعلاوة على ذلك، فإن التفاوت بالأرقام العالمية كان في تراجع مع ازدهار البلدان النامية ــ حتى برغم تزايده داخل العديد من البلدان المتقدمة والنامية. وقد يبدو هذا متناقضاً مع البديهة ولكنه منطقي. ذلك أن الاتجاه السائد في الاقتصاد العالمي هو عملية التقارب التي بدأت بعد الحرب العالمية الثانية. ولأول مرة، شهدت حصة كبيرة من 85 % من سكان العالم الذين يعيشون في البلدان النامية نمواً حقيقياً سريعاً ومستداماً. ويطغى هذا الاتجاه العالمي على زيادة التفاوت على المستوى المحلي.
ورغم هذا فإن التجربة في طائفة واسعة من البلدان تشير إلى أن المستويات العالية والمتزايدة الارتفاع من التفاوت، وخاصة التفاوت في الفرص، من الممكن حقاً أن تكون ضارة بالنمو. ومن بين الأسباب وراء هذا أن التفاوت يقوض الإجماع السياسي والاجتماعي حول الاستراتيجيات والسياسات الداعمة للنمو. وقد يؤدي التفاوت إلى الجمود والصراع والاختيارات السياسية الهزيلة. وتدعم الأدلة الرأي القائل بأن الإقصاء المنهجي لمجموعات فرعية على أي أساس تعسفي (على سبيل المثال، العرق أو العنصر أو الدين) ضار بشكل خاص في هذا السياق.
ويُـعَد الحراك بين الأجيال مؤشراً رئيسياً لتكافؤ الفرص. ولا ينبغي لارتفاع مستويات التفاوت في النتائج أن يقود إلى تراجع الحراك بين الأجيال. وإن كان يفعل ذلك فإن الأمر يعتمد بشكل كبير على ما إذا كانت الأدوات المهمة التي تدعم تكافؤ الفرص، وخاصة التعليم والرعاية الصحية، متوفرة للجميع. على سبيل المثال، إذا بدأت أنظمة التعليم العامة تتجه نحو الفشل فإنها تستبدل غالباً عند الطرف الأعلى من توزيع الدخل بنظام خاص، ويترتب على هذا عواقب ضارة بالحراك بين الأجيال.
وهناك روابط أخرى بين التفاوت والنمو. فارتفاع مستويات التفاوت في الدخل والثروة (كما هي الحال في قسم كبير من أميركا اللاتينية وأجزاء من أفريقيا) يؤدي غالباً إلى تفاوت النفوذ السياسي ويعززه. وبدلاً من السعي إلى توليد أنماط شاملة من النمو، يسعى صناع السياسات إلى حماية الثروة والمزايا الريعية التي يتمتع بها الأثرياء. وفي عموم الأمر، كان هذا يعني انفتاحاً أقل على تدفقات التجارة والاستثمار، لأنه يؤدي إلى منافسة خارجية غير مرغوب فيها.
وهذا يعني أن كل أشكال التفاوت (في النتائج) لا ينبغي أن يُنظَر إليها من نفس المنظور. فالتفاوت القائم على السعي الناجح إلى تحقيق الريع وامتياز الوصول إلى الموارد وفرص السوق شديد الإضرار بالتماسك الاجتماعي والاستقرار ــ وبالتالي السياسات الداعمة للنمو. وفي بيئة قائمة على الجدارة عموماً فإن النتائج التي تستند إلى الإبداع أو الابتكار أو الموهبة غير العادية يُنظَر إليها عادة بعين الرضا ويُعتَقَد أن تأثيراتها أقل ضرراً إلى حد كبير.
ولعل هذا من بين الأسباب التي تجعل حملة "مكافحة الفساد" في الصين على سبيل المثال بالغة الأهمية. والواقع أن التوترات الاجتماعية التي يخلقها الامتياز الذي يتمتع به المطلعون من الداخل وقدرتهم على الوصول إلى الأسواق والصفقات، وليس التفاوت المرتفع نسبياً في الدخل في الصين، هو الذي يهدد شرعية الحزب الشيوعي الصيني وفعالية حكمه.
وفي الولايات المتحدة، كَم من الزيادة في التفاوت بين الدخول على مدى العقود الثلاثة الماضية يعكس التغير التكنولوجي والعولمة (كل من العاملين يحابي أولئك الذين يتمتعون بمستويات أعلى من التعليم والمهارات)، وكم منها يعكس القدرة المتميزة على الوصول إلى عملية صنع السياسات؟ الحق أن هذا سؤال معقد والإجابة عليه غير مستقرة. ولكن من المهم أن نطرحه لسببين. الأول أن الاستجابة السياسية مختلفة؛ والثاني أن التأثيرات على التماسك الاجتماعي ومصداقية العقد الاجتماعي مختلفة أيضا.
والنمو السريع مفيد في هذا السياق. ففي بيئة تتسم بالنمو المرتفع، ومع ارتفاع دخول الجميع تقريبا، يتقبل الناس التفاوت المتزايد إلى حد ما، وخاصة إذا حدث ذلك في سياق قائم على الجدارة. ولكن في بيئة تتسم بالنمو المنخفض (أو النمو السلبي)، يعني الارتفاع السريع في التفاوت بين الناس أن العديد منهم لا يشهدون أي نمو في دخولهم أو يخسرون الأرض من حيث القيمة المطلقة وكذلك النسبية. الواقع أن العواقب المترتبة على اتساع فجوة التفاوت قد تغري صناع السياسات بسلوك مسار بالغ الخطورة: اللجوء إلى الاستدانة، وهو ما يأتي في بعض الأحيان مصحوباً بفقاعة أصول، لدعم الاستهلاك. ويُقال إن هذا هو ما حدث في عشرينيات القرن العشرين، قبيل اندلاع أزمة الكساد الأعظم؛ ومن المؤكد أن هذا هو ما حدث في الولايات المتحدة (وأسبانيا والمملكة المتحدة) في العقد السابق لأزمة عام 2008.
وبوسعنا أن نرى شكلاً مختلفاً في أوروبا، والذي يتلخص في استخدام الاقتراض الحكومي لسد الفجوة في الطلب وفرص العمل التي يخلقها نقص الطلب الخاص الداخلي والطلب الخارجي. وبقدر ما يرتبط نقص الطلب الخارجي بمشاكل الإنتاجية والقدرة التنافسية، ويتفاقم بسبب العملة الموحدة، فإن هذه الاستجابة السياسية غير مناسبة على الإطلاق.
وقد أثيرت مخاوف مماثلة بشأن الزيادة السريعة في نسب الدين في الصين. ولعل الديون تبدو وكأنها الطريق الأقل وعورة في التعامل مع التأثيرات المترتبة على التفاوت أو النمو البطيء. ولكن هناك طرق أفضل وأسوأ للتعامل مع اتساع فجوة التفاوت. وتُعَد الروافع المالية (الإنفاق بالاستدانة) إحدى الطرق الأسوأ على الإطلاق.
ولكن إلى أين يقودنا هذا؟ في اعتقادي أن البنود ذات الأولوية واضحة إلى حد كبير. ففي الأمد القريب، تكون الأولوية القصوى لدعم دخول الفقراء والعاطلين عن العمل، لأنهم الضحايا المباشرون للأزمات واختلالات التوازن الأساسية والمشاكل البنيوية، والتي تستغرق محاولات إزالتها وقتاً طويلا. ثانيا، وبشكل خاص في التعامل مع اتساع فجوة التفاوت في الدخل، يشكل تمكين الجميع من الحصول على الخدمات العامة العالية الجودة وخاصة التعليم ضرورة حاسمة.
إن الشمول يعمل على صيانة التماسك الاجتماعي والسياسي ــ وبالتالي يعزز النمو اللازم للمساعدة في تخفيف التأثيرات المترتبة على اتساع فجوة التفاوت. وهناك العديد من الطرق التي قد تؤدي إلى فشل الاقتصادات في تحقيق إمكانات نموها كاملة، ولكن نقص الاستثمارات، وخاصة في القطاع العام، يُعَد أحد أقوى أسباب الفشل وأكثرها شيوعا.
 
*حائز على جائزة نوبل
 في علوم الاقتصاد.
خاص بـ الغد بالتعاون مع بروجيكت سنديكيت.