أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    29-Sep-2019

كيف أنقذت الصدفة الاقتصاد الألماني من الدمار على أيدي الأمريكيين؟
أرقام - 
 
صدق أو لا تصدق، خطة الحلفاء الأصلية لمستقبل ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية لم تكن خطة "مارشال" المشهورة والتي تم تنفيذها لاحقاً، بل كانت خطة أخرى بها من الشر والدموية ما لا يمكن وصفه. ولكن لحسن حظ الألمان تم تعليق تلك الخطة في اللحظة الأخيرة.
 
الحديث هنا عن أحد أهم وأغرب التحولات التي شهدها التاريخ، والتي لولاها لربما كان شكل العالم الذي نعرفه اليوم مختلفاً إلى حد كبير. فبعد انتهاء الحرب تبنت الولايات المتحدة خطة لا تشمل تقسيم ألمانيا إلى أجزاء صغيرة فحسب، بل أرادت من خلالها أيضاً تدمير كل قدراتها الصناعية.
 
 
من أجل منعهم من صنع السلاح أرادت أمريكا منع الألمان من صنع أي شيء على الإطلاق ولو مجرد قلم رصاص. ووفق خطتهم الأصلية كان مقرراً تدمير كامل منشآت ألمانيا الصناعية المدنية والعسكرية منها، وتفجير وهدم المناجم وتهجير الخبراء وإبعادهم عن مناطق الإنتاج بالقوة.
 
 
 
ببساطة أراد الأمريكيون تحويل ألمانيا – قلعة أوروبا الصناعية ومحركها الاقتصادي الأهم – إلى بلد زراعي، وهو ما يعرض المجتمع الألماني لردة ونكسة حضارية قدرها ألف عام.
 
 
 
ألمانيا .. لا يجب أن تقف على قدميها مرة أخرى
 
 
 
في السادس من يوليو من عام 1944، تخلى وزير الخزانة الأمريكي "هنري مورجنثاو" بشكل مؤقت عن رئاسته لمؤتمر "بريتون وودز" للذهاب للبيت الأبيض من أجل الحديث مع رئيس الولايات المتحدة في ذلك الوقت "فرانكلين روزفلت". كان "مورجنثاو" وزيرا للخزانة منذ ما يقرب من 11 عاماً، وفي نفس الوقت كان صديقاً حميمًا للرئيس وجاراً له في نيويورك.
 
 
 
طلب "مورجنثاو" الإذن من الرئيس للسفر إلى فرنسا لتقييم خطط الاحتلال الأمريكي وحلفائه بشأن الاقتصاد. وعلى الفور وافق "روزفلت" على طلب الوزير، وغادر "مورجنثاو" وموظفوه إلى أوروبا في السادس من أغسطس من نفس العام على متن إحدى الطائرات العسكرية التي كان من المقرر أن تنقلهم إلى بريستويك في اسكتلندا.
 
 
 
 
 
اصطحب "مورجنثاو" معه على الطائرة الخبير الاقتصادي والمسؤول الأبرز في وزارة الخزانة "هاري دكستر وايت". وأثناء الرحلة التي استمرت لنحو 16 ساعة أعطى "وايت" لـ"مورجنثاو" نسخة من تقرير أعدته "اللجنة الوزارية المشتركة للسياسة الاقتصادية والخارجية" حول سياسة ما بعد الحرب تجاه ألمانيا.
 
 
 
شعر "مورجنثاو" بالصدمة من التقرير الذي كان يشير برأيه إلى أن ألمانيا التي تقترب من الهزيمة الكاملة في الحرب العالمية الثانية والتي فقدت جزءاً كبيراً من مواردها المادية والبشرية باستطاعتها إعادة بناء نفسها لتصبح أكثر قوة مما كانت عليه قبل الحرب في غضون 5 أو 10 سنوات.
 
 
 
بعد عودته مباشرة من رحلته إلى أوروبا، قدم "مورجنثاو" في سبتمبر 1944 سلسلة من التوصيات بشأن ألمانيا إلى البيت الأبيض تحت عنوان "البرنامج المقترح لما بعد استسلام ألمانيا" والذي عرف لاحقاً باسم "خطة مورجنثاو".
 
 
 
أعماه كرهه للألمان
 
 
 
كان "مورجنثاو" أحد أكثر الأمريكيين كرهاً للألمان، وأراد من خلال خطته إنهاء ألمانيا إلى الأبد. وكانت أبرز محاور خطته كالتالي:
 
 
 
أولاً: تجريد ألمانيا من السلاح: اقترح "مورجنثاو" تجريد ألمانيا بشكل كامل من أبسط مظاهر التسليح في أقصر فترة زمنية ممكنة. وهذا يعني نزع السلاح من أيدي أفراد الجيش الألماني والمدنيين، بالإضافة إلى التدمير الكامل للصناعات الحربية والصناعات المرتبطة بها.
 
 
 
ثانياً: تقسيم ألمانيا: وفقاً لتلك الخطة كان من المقرر أن تحصل بولندا على جزء من بروسيا الشرقية بالإضافة إلى جزء من جنوب سيليزيا. في حين تحصل فرنسا على نهر السار والأراضي المجاورة له والتي يحدها نهري الراين وموزيل. بينما تعطى الدنمارك المناطق الواقعة بين حدودها الحالية وبين الأراضي الواقعة شمال قناة كيل.
 
 
 
لم تكتف الخطة بهذا القدر، حيث اقترحت أن يتم تقسيم ما تبقى من ألمانيا إلى دولتين مستقلتين تتمتعان بالحكم الذاتي. دولة ألمانية في الجنوب تضم بافاريا وفورتيمبرج وبادن ومناطق أخرى صغيرة، ودولة أخرى في الشمال تضم جزءًا كبيراً من ولاية بروسيا القديمة وساكسونيا وتورينجن وعدة ولايات صغيرة.
 
 
 
 
 
ثالثاً: حوض الرو: كانت منطقة حوض الرو تحتضن قلب القوة الصناعية الألمانية، واقترحت خطة "مورجنثاو" أن يتم تدويل هذه المنطقة على أن يتم حكمها من قبل مجلس الأمن الدولي الذي ستنشئه الأمم المتحدة. وأكدت الخطة على أن تدويل هذه المنطقة لا يتعارض مع الاقتراح السابق بتدمير الصناعة الألمانية الحربية والصناعات الداعمة لها.
 
 
 
رابعاً: التربية والإعلام: اقترح "مورجنثاو" إغلاق جميع المدارس والجامعات في ألمانيا إلى أن تقوم لجنة التعليم المشكلة من قبل الحلفاء بإعادة تنظيم العملية التعليمية بالكامل. واعترفت الخطة بأن عملية إعادة التنظيم تلك قد تأخذ وقتاً طويلاً مما سيؤدي إلى تأخر ملايين من الطلاب الألمان دراسياً، ولكنها في نفس الوقت اكتفت بالإشارة إلى أنه سيسمح للألمان بالدراسة في الجامعات الأجنبية.
 
 
 
أما بالنسبة للدعاية والإعلام، فقد أشار "مورجنثاو" إلى أنه يجب إيقاف جميع المحطات الإذاعية والصحف والمجلات الأسبوعية الألمانية وغيرها من وسائل الإعلام إلى أن يقوم الحلفاء بوضع الضوابط الكافية والبرامج المناسبة للإعلام الألماني.
 
 
 
القدر في صف الألمان
 
 
 
واجهت خطة "مورجنثاو" معارضة شديدة من قبل بعض المسؤولين في الحكومة الأمريكية، ولكنها في نفس الوقت حظت ببعض التأييد. وشدد المؤيدون على ثلاث مزايا رئيسية للخطة، الأولى أنها ستزيل التهديد الألماني بالسيطرة على أوروبا ومحاولة غزو العالم.
 
 
 
أما الميزة الثانية فهي أن الخطة بشكلها الحالي ستقدم الأسواق الألمانية على طبق من فضة للبريطانيين. وأخيراً تكمن الميزة الثالثة في أن خطة "مورجنثاو" ستعطي المنشآت الصناعية الألمانية لضحايا العدوان النازي.
 
 
 
 
 
رغم الاعتراضات القوية من مستشاريه الذين أكدوا على أن تدمير الاقتصاد الألماني سيؤدي إلى انهيار عام في أوروبا تحمس "روزفلت" للخطة، لدرجة أنه وافق على منح بريطانيا قرضاً بقيمة 6.5 مليار دولار من أجل الحصول على موافقة رئيس الوزراء البريطاني آنذاك "وينستون تشرشل" على الخطة.
 
 
 
وبعد أن عزم الأمريكان على البدء في تنفيذ الخطة توفى "روزفلت" في أبريل من عام 1945 ليتولى نائبه "هنري ترومان" المنصب خلفاً له، ويتم تعليق الخطة بشكل مؤقت.
 
 
 
لاحقاً أمر "ترومان" بإلغاء الخطة خاصة بعد أن عرف النازيون بأمرها وسربوا الخبر إلى الشعب الألماني لتشجيعه على قتال الأمريكيين، وهي الدعاية التي لاقت قبولاً واسعاُ بين الألمان خاصة وأن خطة "مورجنثاو" كان من شأنها أن تقلل من عدد سكان ألمانيا من خلال موت الملايين التي لن تكون قادرة على إنتاج ما يكفي من الغذاء لإطعام نفسها.
 
 
 
 
 
وفي الثالث من أبريل من عام 1948 وافق "ترومان" على خطة "مارشال" لتحل محل خطة "مورجنثاو". وكانت الخطة الجديدة التي سميت باسم وزير الخارجية "جورج مارشال" أحد الأسباب الرئيسية وراء انتعاش الاقتصاد الألماني بعد الحرب.
 
 
 
من حسن حظ الألمان أن "روزفلت" مات قبل أن ينفذ خطة "مورجنثاو".