أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    25-Nov-2019

ريادة الأعمال والشباب*محمد أبوحمور

 الراي

في جدلية السياسة والاقتصاد عادة ما يعتبر الدعم السياسي مقوماً اساسياً لنجاح الاجراءات او الاصلاحات الاقتصادية، وهذا تماما ما نشهده في الاردن عندما نتناول موضوع الريادة والشباب، فقمة الهرم في الدولة الاردنية ممثلاً بجلالة الملك حفظه الله ورعاه يتولى زمام المبادرة في دعم الشباب الريادي مرة من خلال حث السلطة التنفيذية على ايلاء هذا الموضوع ما يستحقه من اهتمام واخرى عبر دعم المؤسسات المعنية بهذا القطاع وثالثة عبر اللقاءات المباشرة مع الرياديين والتي أكد فيها حرصه المستمر على دعم أفكار ومشاريع الشباب والشابات الرياديين، والتواصل المستمر معهم، وفخره بما حققوه من إنجازات، كما حرص جلالة الملك على استضافة الرياديين في المؤتمرات الاقتصادية العالمية، وبيان انجازاتهم في المحافل الاستثمارية، وسوف تبقى كلمات جلالته في ملتقى «مبادرة مستقبل الاستثمار 2019» الذي عقد في المملكة العربية السعودية، حافزاً لكل الرياديين على مواصلة العمل وتحقيق الانجازات، حيث قال: يبهرني الشباب الأردني بطاقاتهم وأحلامهم الطموحة. فمنهم المبرمجون والمبتكرون، والرياديون وقادة الغد. إن الاستثمار في مواهبهم التي لا تعرف الحدود هو استثمار في مستقبل مشرق لمنطقتنا وعالمنا....... بلدنا موطن للمشاريع التي يقودها الشباب، والتي تستمر في تغيير وجه الاقتصاد في منطقتنا وفي الخارج. ورغم أن الأردنيين يشكلون 3% فقط من سكان العالم العربي، فإنهم يمثلون 27% من أفضل الرياديين والمبدعين فيه «وأضاف» إن شبابنا العربي أغلى ما نملك، ومفتاح مستقبل هذه المنطقة وهذا العالم....... بامتلاكنا هذه الثروة الهائلة، ندرك نحن كدول هذه المنطقة، الحاجة إلى رعاية مواهب شبابنا وتسخير طاقاتهم، وعلينا بناء قدراتهم من خلال التعليم النوعي، وتمكينهم نحو النجاح.
 
شهد الاردن خلال السنوات الاخيرة جهوداً كبيرة لدعم ريادة الاعمال، ففي عام 2010 وبعد لقاء جلالة الملك مع عدد من العاملين في قطاع تكنولوجيا الاعمال تم الايعاز لانشاء صندوق لدعم الاعمال الريادية والمشاريع الناشئة، وتم في حينه اطلاق صندوق أوايسس 500 وبلغ عدد الشركات التي استفادت من استثمارات هذا الصندوق اكثر من 160 شركة يعمل معظمها في المجال التقني، وتم كذلك قيام العديد من المبادرات لنشر ثقافة وفكرة ريادة الاعمال وتم انشاء العديد من الشركات الريادية، وتشير الاحصاءات الى أن عدد البرامج والمشاريع الداعمة والحاضنة لريادة الأعمال خلال السنوات الماضية في الأردن وصل إلى اكثر من 200 برنامج ومشروع تتبع حوالي 120 جهة، فيما تظهر أرقام اخرى أن حجم الاستثمارات في الشركات الأردنية الريادية بلغ 56 مليون دينار في عام.
 
وتشير بعض الاحصاءات الى أن الشركات الريادية الأردنية استطاعت أن تستقطب استثمارات تبلغ حوالي 200 مليون دولار خلال آخر خمس سنوات، وهناك ايضاً مبادرات لانشاء جمعيات للشركات الريادية الناشئة مثل جمعية الريادة والاعمال (جيا)، وتقوم وزارة الاقتصاد الرقمي والريادة بمتابعة موضوع ريادة الاعمال من خلال العمل على خمسة محاور هي: وضع خطط تشجيع الاستثمار في الشركات الريادية الأردنية، وإزالة العوائق أمامها، ومساعدة الشركات الريادية الأردنية في الوصول إلى الاسواق وفتح اسواق جديدة امامها، ودعم الريادة المجتمعية بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة، واعداد مشاريع القوانين والانظمة المتعلقة بتنظيم الاعمال الريادية في المؤسسات الحكومية، ووضع الخطط والبرامج اللازمة لتوافر المهارات والموارد البشرية اللازمة لريادة الاعمال بالتعاون مع الجهات ذات العلاقة،ولا نملك الا نأمل التوفيق لما بذل او سوف يبذل من جهود في هذا المجال. وفي ضوء كل ذلك فقد تحسن ترتيب الأردن على مؤشر ريادة الأعمال العالمي بمقدار 23 مركزا بين عامي 2014 و2018 (مرتفعا من المركز 72 إلى المركز 49)، كما اظهر المؤشر أن درجة تقييم الأردن تعادل متوسط درجة تقييم المنطقة العربية البالغ 37%.
 
ومن المفهوم ان اهتمام الاردن بموضوع ريادة الاعمال ياتي انسجاماً مع طبيعة التحديات التي تواجهها المملكة، فالشباب يشكلون الجزء الاساسي من السكان وهم حاضر الوطن مستقبله، وطاقاته التي لا بد من استغلالها ان اردنا السير قدماً نحو التقدم والتطور، وهم الثروة التي لا ينبغي ان نسمح بهدرها خاصة واننا على ابواب الفرصة السكانية التي بدأت تلوح في الافق فالشباب هم العمود الفقري لإحداث التنمية والأكثر قدرة على إحداث التغيير داخل مجتمعاتهم.، ونحن اليوم امام تحديات كبرى اقتصادية واجتماعية فالنمو الاقتصادي في مستويات متدنية والبطالة بين الشباب تصل الى حوالي 30% والحكومة لم تعد قادرة على توفير مزيد من الوظائف، وقد يخيل لنا للوهلة الاولى اننا أمام أزمة حقيقية.
 
ولكن نظرة فاحصة تبين اننا امام خيار اخر نستطيع من خلاله تحويل الازمة التي تلوح في الافق الى فرصة حقيقية ان أحسنا التعامل مع الطاقات الهائلة التي يمتلكها شباب الوطن واتحنا المجال امامهم ليصبحوا عناصر فاعلة ومنتجة عبر توفير الظروف الملائمة والادوات المناسبة التي يمكن من خلالها الاستفادة من الثروة الحقيقة وهي الشباب الواعي والمتعلم والقادر على اقتناص الفرص، والتفكير بالانخراط في الانتاج والعمل بدلا من انتظار وظيفة قد لا تأتي. والفرصة اليوم متاحة امام الراغبين بالسير في درب الريادة، فالثورة التكنولوجية وشبكة الانترنت والتقدم الهائل في وسائل الاتصال كلها عوامل تفتح الباب واسعاً امام الراغبين في توفير حلول لمشاكل المجتمع او تطوير سلع وخدمات ليس فقط للمجتمع المحلي وانما ايضاً للمجتمعات والدول الاخرى. وعندما يتم دعم ريادة الاعمال والرواد الشباب فانه وفي نفس الوقت نكون قد عملنا على توفير فرص عمل جديدة عبر تحويل الافكار الى مشاريع منتجة، وساهمنا في رفع نسب النمو الاقتصادي وتوزيع ثمار التنمية على شريحة أوسع من المواطنين، وللوصول الى هذه الاهداف وغيرها لا بد من تنمية ثقافة العمل والابداع وتعزيز روح المبادرة...
 
وبالرغم من كل الجهود التي بذلت وما زالت تبذل فانه لا بد من الاقرار بان ريادة الاعمال ورواد الاعمال ما زالت تواجه العديد من التحديات والمعيقات، ومن ابرزها موضوع التمويل، فهناك الكثير ممن لديهم افكار ومشاريع ريادية عاجزون عن توفير الدعم المادي الذي لا بد منه لتحويل الافكار والطموحات الى شركات عاملة، وحتى بعد انشاء المشاريع الريادية فهي تستمر في حاجتها للتمويل او لجذب استثمارات لتمكينها من تحقيق التوازن واستمرار النمو وللاسف فكثير من الرياديين ليست لديهم الخبرة الكافية للتمكن من توفير مصادر تمويل اضافية.
 
كما ان كثير من الرياديين يحتاجون الى تدريب ليس فقط في المجالات المتصلة بالقطاع الذي يعملون فيه وانما ايضاً بكل ما يتعلق بادارة الاعمال والادارة المالية والموارد البشرية وغيرها من المجالات التي تعتبر ضرورة لنجاح المشاريع واستمراريتها، لذلك لا بد من الاستمرار في تطوير البنية التحتية القادرة على توفير الدعم لريادة الاعمال على مختلف الصعد الادارية والتقنية والتسويقية، وبحيث لا يقتصر هذا الامر على منطقة دون اخرى فالمحافظات وجيوب الفقر لا بد ان تحظى بقدر مناسب من الرعاية وان تولى مؤسسات المجتمع المدني في تلك المناطق اهتماماً خاصاً من خلال بناء القدرات والتأهيل المناسب.
 
وتشير بعض الاحصاءات الى ان 70% من المشاريع والبرامج الداعمة لريادة الاعمال تقع داخل العاصمة، في حين ان المناطق الاخرى قد تكون اشد حاجة لهذه البرامج، لذلك لا بد من توسيع الاطار الجغرافي لعمل الجهات الممولة للمشاريع الريادية لتغطي مختلف المحافظات اضافة الى توفير المزيد من حاضنات الاعمال والبرامج التدريبية في تلك المناطق.
 
وتشير مصادر البنك الدولي الى ان: رواد الأعمال الأردنيون يرون أن الضرائب هي العائق الرئيسي الذي تواجهه أنشطة أعمالهم 73%، تليها القوانين التي تنظم الاستثمار في الشركات الناشئة 62%، والإجراءات الشكلية البيروقراطية المفرطة 58%، وعقبات أخرى متصلة بالقوانين واللوائح التنظيمية للجمارك 55%، والأمن الاجتماعي 52%. كما يشعرون بالقلق من القواعد التي تلزمهم بتقديم إقرار ضريبي على أساس شهري. وعبَّرت الشركات الناشئة أيضا عن عدم رضاها بشأن العمليات المعقدة لإعادة هيكلة الشركات، وصعوبة الحصول على تراخيص العمل للأيدي العاملة الماهرة من الأجانب، والتقدير غير المتسق لرسوم الجمارك على الواردات.
 
ولدى تناول التحديات والصعوبات التي تواجه الرياديين والمشاريع الريادية لا بد ان نتذكر بان هذه المشاريع تمر بثلاث مراحل اساسية هي مرحلة الانشاء ومن اهم مقوماتها راس المال التأسيسي ومرحلة الاستقرار التي يشكل راس المال المغامر احد اساسياتها ثم مرحلة النمو وتحقيق الاستدامة ويسهل في هذه المرحلة الحصول على تمويل مناسب من جهات عدة، ولعل من المهم هنا التذكير بان هدف الاستمرار والقدرة على النمو هو ما يجب ان يشكل الهاجس الرئيس للجهات الداعمة لهذا النمط من المشاريع، وهذا يعنى ضرورة توفر رؤية واضحة حول نمط التعاون والتكامل الذي يجب ان تتصف به اعمال مختلف الجهات التي تعمل لرفع مستوى هذا القطاع وتطويره بحيث تغطي مختلف مراحل تطور المشروع الريادي. ولا شك انه من غير الكافي النظر للمشروع فقط فالريادي او راس المال البشري جزء مهم ومكمل لهذه المنظومة، فمن الطبيعي ان نجد الكثيرين ممن لديهم الرغبة في انشاء مشاريع خاصة بهم نظرا لتفضيلهم للاستقلالية وحبهم للمغامرة وهي مزايا جيدة الا انها غير كافية فلا بد ايضاً من توفر القدرة على العمل في مجال الريادة، فالقدرة والخبرة والمعرفة عوامل هامة لضمان نجاح المشروع واستمراريته.
 
تتفاوت طبيعة الاجراءات التي يمكن اتخاذها لتشجيع ريادة الاعمال، ومن اهمها الاهتمام بالشباب اثناء تواجدهم على مقاعد الدراسة، من حيث تطوير الفكر الريادي لديهم وهذا لا يقتصر على التنسيق بين مخرجات التعليم ومتطلبات سوق العمل وانما يمكن للمؤسسات التعليمية ان تقوم بدور مميز، فقد تم مثلاً انشاء مراكز للريادة والابداع في العديد من الجامعات الاردنية، ويمكن تطوير عمل هذه المراكز لتساهم بشكل فاعل في نشر ثقافة ريادة الاعمال، وقد اشارت بعض الدراسات الى ان إمكانية إنشاء مشروع خاص للذين يدرسون ريادة الأعمال تساوي أربعة أضعاف النسبة للذين لا يدرسونها، وقد اثبتت العديد من الجامعات العالمية المرموقة انها يمكن ان تشكل فرقاً في مجال ريادة الاعمال سواءً عبر التدريس الاكاديمي لهذا الموضوع او عبر رعاية الرياديين وتوفير الظروف الملائمة لهم وهناك تجارب عالمية رائدة في هذا المجال كما هو مثلاً في جامعة MIT وجامعة Stanford.
 
وبالرغم من تعدد المجالات التي يمكن عبرها دعم ريادة الاعمال والشركات الناشئة، الا ان الاهتمام يجب ان يولى بالدرجة الاولى الى تلك المجالات التي تدعم ريادة الاعمال بشكل مؤسسي وعلى المدى الطويل بما في ذلك التعديلات التشريعية والاجرائية الداعمة لبيئة الاعمال، كما لا بد ايضاً من توفير بيئة استثمارية ملائمة تتيح جذب الاستثمارات المالية والتكنولوجية باعتبار ان المشاريع الريادية هي جزء من الاستثمارات و تتأثر بشكل او باخر بالبيئة الاستثمارية، وفي اطار العمل لتطوير بيئة اعمال مناسبة للرياديين ومشاريعهم نحتاج لتطوير الاطار التشريعي والتنظيمي والاجراءات التي تسهم في تسهيل إنشاء الشركات الريادية، اضافة الى اتاحة المجال امام هذه الشركات لولوج الاسواق المحلية والعالمية ورفع مستوى تنافسية منتجاتها سواءً عبر اتاحة السبل لتحسين مواصفاتها او عبر العمل على تخفيض كلف الانتاج وكذلك توفير نوع من الترابط لهذه المشاريع ببحيث تشكل حلقة في سلسلة التوريد المحلية والعالمية. وفي كثير من الحالات يمكن ان تشكل مساهمة حاضنات الاعمال عاملاً حاسماً في نجاح الرياديين وشركاتهم، خاصة اذا ساهمت في تدريبهم وتوفير امكانية مساعدتهم في دراسات الجدوى.
 
مواجهة التحديات التي يواجهها الاقتصاد الاردني وتطويره ليصبح اقتصاداً منتجاً يتم من خلال وضع سياسات وطنية تشجع المشاريع الإنتاجية، وتعالج الفجوة التكنولوجية وتضبط مخرجات التعليم وتربطها بسوق العمل، مع التركيز على التعليم المهني وثقافة الإنتاج وهذا سيساهم في الحدّ من ارتفاع معدلات البطالة، وانتشال الشباب من هوة الإحباط واليأس والضياع وما ينتج عن ذلك من توترات تهدد استقرار المجتمع، واضافة الى العمل على تدريب الشباب الخريجين وإرشادهم لدخول سوق العمل، لا بد من العمل بجد وكفاءة لدعم ريادة الأعمال بين الشباب وتمكين المرأة والاهتمام بالتعليم المهني، والتدريب والتأهيل لاستخدام التكنولوجيا بكفاءة مقرونة بدعم البحث العلمي، ورعاية الإبداع، وتحفيز الاستثمارات، كل ذلك من الأسس والأولويات نحو تحقيق الاقتصاد المعرفي، ومكافحة البطالة، وتهيئة الأسباب لرفع معدلات النمو وتجاوز التحديات القائمة.
 
ان العمل لدعم ريادة الاعمال يشكل مدخلاً هاماً لاستغلال طاقات الشباب رجالاً ونساءً و لبنة اساسية في تطوير بنية الاقتصاد ومقدمة للتأقلم مع التطورات التكنولوجية الحالية والمستقبلية، وحسن التعامل مع هذا الامر يتطلب الوعي بأهمية تأطير الجهود في منظومة متكاملة تشمل الشباب في كافة مناطق المملكة وتغطي مختلف مراحل عمر المشروع الريادي، والأهم من ذلك اشراك الرياديين في ادارة المؤسسات والجهات الراعية والمسؤولة عن القطاع الريادي، خاصة انه قد اصبح من الواضح ان ريادة الاعمال هي الطريق الاقصر لخلق الوظائف وتشجيع الابتكار وقاطرة للنمو الاقتصادي ولم يعد هناك من يشكك في اهمية ريادة الاعمال بل اصبح الموضوع يتمحور حول كيفية تحفيز وتشجيع رواد الاعمال رجالاً ونساءً والاستفادة من طاقاتهم، لهذا فان الواجب يقتضي نشر ثقافة الريادة في مختلف القطاعات الاقتصادية وتسهيل الاجراءات التشريعية والتنظيمية للمشاريع الريادية وتوفير الخدمات التمويلية والاستشارية والبنى التحتية بما يتيح انطلاقة متميزة نحو افاق رحبة من التطور والنمو لهذه المشاريع.