أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    17-Dec-2017

الفساد المثبت في تقرير ديوان المحاسبة *ابراهيم عبدالمجيد القيسي

 الدستور-تقرير ديوان المحاسبة للعام 2016 حافل؛ علاوة على أنه أصبح أكثر رشاقة وحجما، فهو يقدم شفافية من نوع آخر، تثبت نزاهة من يديرون شؤون الرقابة على المال العام، ولا يعني قولي هذا بأنني راض كل الرضى على الرقابات الرسمية على المال العام وطرق انفاقه، وعلى أدائهم في مكافحة الفساد والهدر والعبث..وحين يكون هناك تقصير من قبل أي من هذه الجهات فسوف نكتب أيضا؛ لأننا كما نكتب عن الإيجابية نكتب أيضا عن السلبية، فنحن أيضا نقوم بمهمة رقابية علاوة على مهمتنا التوجيهية للرأي العام .

لم أقرأ التقرير ولم ألمسه بعد، لكن بعض وسائل الاعلام أصبحت تتناقل أخبارا تحمل معلومات من التقرير المذكور، ومن بينها معلومات كنت أول وآخر من كتب عنها في هذه الزاوية وفي غير المكان، وقد كانت مقالاتي سببا في توجيه بعض المسؤولين أسئلة استقصائية لي شخصيا، يريدون معرفة المزيد، وكنت أكتفي بالإشارة الى مقالاتي إجابة على بعض هؤلاء، اعتقادا مني بأنهم «يحمون الفساد ويقدمون له تسهيلات، فيستبقون الأخبار التالية عن قضية نطرحها هنا أو هناك»، لكن ديوان المحاسبة فعل جميلا وتابع واستوضح وقدم معلومات تتناقلها الآن وسائل الاعلام بحكم الحقيقة الرسمية الدامغة، التي تطرح سؤالا أكثر جدارة بالاجابة:
لماذا صمت المسؤولون عن بعض التجاوزات التي وردت في تقرير ديوان المحاسبة ولم يعالجوها في وقتها رغم المعلومات الدقيقة التي قدمت لهم آنذاك؟!
في جامعة تشكو كل شهر لوزارة التعليم العالي ولوزارة المالية عدم قدرتها توفير الرواتب لموظفيها وكودارها الأكاديمية، يتقاضى مدير إذاعة مجتمعية فيها رواتب ومكافآت وصلت سقف 6000 دينار شهريا؛ قصة مثيرة بلا شك، لكنها ليست جديدة بالنسبة لمسؤولين كثر لهم علاقة مباشرة بمثل هذه الوظائف والرواتب والمجال الاعلامي الجدلي الذي يراد له أن يستمر جدليا وفوضويا، ليستمر في التسبب بهدر مال عام في أكثر من مؤسسة حكومية، ويقدم مزيدا من صخب وجدل وانفلات وغياب مهنية، ويؤثر على إذاعات رسمية وخاصة، بالتشويش او باحتلال الأثير لصالح التفاهة وصناعة الأزمات المحلية وإفشاء ثقافة التكسب والتنفيعات، ويقدم بيئة مثالية لمزيد من عبث وتنفيع داخل أسوار الجامعات، علاوة على وضع الأشخاص غير المناسبين في أماكن هي بدورها أصبحت غير مناسبة ولا ضرورية، فهي جهة إنفاق حكومي تمثل هدرا للمال العام وفسادا صريحا لا يختلف عليه اثنان، ويعرفه رئيس الحكومة ويقول فيه ما أقوله بالضبط، وسبق له أن أصدر توجيهاته بتصويب هذا الخلل، لكنه لم يستقم حتى الآن..!..فأعانك الله يا رئيس الحكومة؛ لأن أغلب الذين يقرأون عن هذه التجاوزات يتزودون بوقود السخط على الحكومة اعتقادا بأنك توافق على الذي يجري، بينما حقيقة موقفك منها هي ما أقول وأشهد بها وعليها وبالوثائق والشهود الذين لا تكذيب لشهادتهم.
أن تكون موظفا حكوميا صغيرا، أو تعمل عازفا موسيقيا مثلا، وتتحين اية فرصة للسيطرة على المال، وتنجح في هذا عدة مرات، وبالتقادم تصبح فاسدا يشار له بالبنان وبتقارير الدولة الرسمية، هو عمل أصبح يبعث على الاعتزاز والثقة بالنفس ويضمن لمقترفه رواجا ونجاحا، وهذه سمات الإدارة المنكفئة في الأدغال والمناطق التي تحكمها الوحوش او العصابات، وليست القوانين والاجراءات الشفافة والنزاهة والمساءلة والتقييم العادل..
كيف سيكون شعور شخص يسمع ويقرأ عن هذه التجاوزات وهذا الصمت المريب عنها، رغم العلم الأكيد المسبق لدى أصحاب القرار في هذه المؤسسات؟ وهل ستختلف مشاعر هذا الشخص لو كان أردنيا، وصحفيا او اعلاميا مهنيا معروفا ويتعرض لكل أنواع الاقصاء والتهميش والحرب في قوته ومستقبله واستقراره الاجتماعي والوظيفي؟ وماذا سيكون شعور المواطن العادي الذي بات لا يثق بإجراء حكومي أو بخطوة اصلاحية في مجال ما، ويعاني كل السوء في معيشته ويومياته، ويقف محتارا في تأمين قوته وقوت أطفاله وتعليمهم وصحتهم؟ كيف ستكون صحته وصحتهم بعد مثل هذه الأخبار؟!..الأسئلة تلح علينا بأكثر من مجرد إجابة وتنتظر إجراء رسميا من قبل الحكومة أو مؤسسات الدولة المختصة، ليفهم المتسائل بأن في هذه البلاد عدالة وقوانين وصدقا في إدارة الشأن العام، وحرصا على بناء مستقبل يتساوى فيه الناس حتى ولو كانوا فقراء أو أثرياء، فالعدالة تولد القناعة لدى الناس والرضى بما قسم لهم الله في هذه الدنيا، لكنهم حين يسمعون أو يشاهدون مثل هذه الأمثلة وهذه الأرقام تنفق شهريا لمن لا يستحق وبغير قانون ولا يقوم مسؤول بفعل شيء رغم علمه المسبق، فهم بلا شك لن يؤمنوا أو يصدقوا قولا رسميا أو توجيهيا بعد ذلك.
لا تتساءلوا عن سبب غضب الناس وخروجهم من «هدومهم» فأمام هذه الحقائق يتلاشى الوطن من قلوب الطيبين، وتزدهر ثقافة السطو على المال العام باعتباره حقا لكل من يستطيع الحصول عليه، فهم يغرفون منه بلا عدالة ولا قانون ولا أخلاق، بينما تتعقد وتتدمر حياة مواطنين آخرين، ليرفل هؤلاء بمال عام حازوا عليه بالشلليات والتنفيعات، وبسبب جهل بعض المسؤولين وغرقهم في أزمات صنعوها لأنفسهم بالطريقة ذاتها، فأصبحوا مجرد دمى في مواقع المسؤولية «.
يا قوم إن الظلم مرتعه وخيم..فاعدلوا حبا بهذا الوطن وأهله الطيبين الصابرين.