أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    14-Dec-2017

نظام حكم «إنترنت الأشياء» يضع قواعد كسر القواعد
فايننشال تايمز - 
 
يمتدح إيتيان دو لا بويسي، الكاتب الفرنسي من القرن السادس عشر، على أنه أول فيلسوف تحرري في العالم الغربي، جدير بالقراءة اليوم.
في كتابه المعنون: "بحث في العبودية الطوعية، أو ضد الطغاة"، جادل لا بويسي بأن الجماهير غالبا ما تُستعبَد نتيجة تهاونها هي بالذات، أكثر مما هي نتيجة القمع من الحكام.
كتب أن الخبز، وألعاب السيرك، وغير ذلك من المؤثرات الأفيونية كانت، بالنسبة للشعوب القديمة "الطُّعْم الذي يغريها نحو عبوديتها، وهو الثمن الذي تدفعه مقابل حريتها، وأدوات الطغيان".
وأضاف: "من خلال هذه الممارسات والمغريات، أفلح الطغاة القدماء إلى حد كبير في إغواء رعاياهم للدخول في النير، إلى درجة أن الناس المصابين بالذهول، والذين سحرتهم هذه الملاهي والمتع الخاوية وهي تلتمع أمام أعينهم، تعلموا الخضوع بالسذاجة نفسها، وإن لم يكن بالتصديق نفسه، مثلما يتعلم الأطفال كيفية القراءة من خلال النظر إلى الصور اللامعة في الكتب".
قبل بضع سنوات، وفي نقاش عام في سويسرا، سمعت أحد أفراد الجمهور يتساءل عما إذا لم نكن نهبط إلى درك العبودية الطوعية لسادتنا الرقميين، نتيجة وقوعنا تحت تأثير شحنة قوية من الإعجاب بفعل آلاف التغريدات ونقرات الإعجاب والمسح على الشاشة.
إذا كنا نشعر منذ الآن بالقلق من عبوديتنا لتكنولوجيا اليوم، فما الذي سيحدث خلال المرحلة المقبلة من ثورة الإنترنت، حين تصبح مليارات الأجهزة متصلة ببعضها بعضا؟ صحيح أن ساعاتنا، وملابسنا، وسياراتنا، ومساعدينا الرقميين، سوف ترعى احتياجاتنا بشكل مريح تماما، لكنها سوف تراقب أيضا كل حركة في حياتنا اليومية، على نحوٍ يجعلنا عراة أمام ظاهرة عبودية الخوارزميات، التي تنشأ الآن.
 
هل يحررنا إنترنت الأشياء أم يحبسنا؟
هذا السؤال هو العنوان الفرعي لكتاب بعنوان "السلام على طريقة التكنولوجيا"، من تأليف فيليب هوارد، وهو أستاذ في "معهد أكسفورد للإنترنت".
وكان أيضا موضوع مؤتمر في الفترة الأخيرة في "مركز الأبحاث في الفنون والعلوم الاجتماعية والإنسانية" في جامعة كامبردج.
يجادل هوارد بأن إنترنت الأشياء يصعد باعتباره أقوى أداة سياسية شهدها الإنسان، ومن بعض الجوانب تحل محل سلطة أنجح أشكال التنظيم السياسي على مدى القرون الخمسة الماضية، وهي ظاهرة الدولة القومية.
ويضيف: "بحلول عام 2020 سوف يكون هناك نحو 30 مليار جهاز متصل بالإنترنت، فيما ستكون القوة السياسية المسيطرة على سكان الكوكب البالغ عددهم 8 مليارات شخص، في أيدي الناس الذين يسيطرون على هذه الأجهزة".
ويشير إلى أن معظم الإمبراطوريات كانت تقوم على التفوق التكنولوجي في عالم البنية التحتية للمعلومات.
كان "السلام على الطريقة الرومانية" مبنيا على الطرق والقنوات المائية الاصطناعية؛ وكان السلام على الطريقة البريطانية يقوم على شبكات من التحصينات والهيمنة البحرية.
المرحلة المقبلة من "السلام على طريقة التكنولوجيا" ربما تكون مختلفة في عدد من الجوانب المهمة.
البنية التحتية المعلوماتية المهيمنة ربما تكون مملوكة إلى حد كبير من قبل هيئات من القطاع الخاص وليس القطاع العام، أي أن تكون مملوكة من قبل شركة فيسبوك وليس فرنسا.
هذا ربما يؤدي إلى حلف من التناسب المريح بين القوى الصاعدة الحكومية والتجارية، تعمل على إعادة كتابة قواعد السياسة.
على حد تعبير ديفيد رانسِمان، أستاذ العلوم السياسية في جامعة كامبريدج، فإن هذا السلام على طريقة التكنولوجيا ربما يأخذنا نحو "حكم الأشياء، بيد الأشياء، ومن أجل الأشياء".
يشير هوارد إلى أن من المرجح أن تتطور ثلاثة أنظمة متميزة في الولايات المتحدة والصين وأوروبا، يتم تشكيلها بفعل ضغوط تجارية وأطر تنظيمية.
وسوف تكون بقية العالم من الذين يأخذون القواعد وليس صناع القواعد، في هذه اللعبة التكنولوجية العظيمة.
قدرة السلام على طريقة التكنولوجيا على السيطرة على المجتمع المدني أخذت نذرها تظهر في الجدل حول "الأخبار الكاذبة"، والتلاعب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية. تخيل عالما يستطيع فيه برنامج مسلح بالذكاء الاصطناعي أن يسحب البيانات من إنترنت الأشياء، ويستهدف إعلانات شخصية نحو الناخبين قبل 48 ساعة من الانتخابات.
غياب التناظر في المعلومات بين الإمبرياليين الذين يسيطرون على البيانات والمجتمع المدني، سيتسع ليصبح هوة عميقة.
كل هذا يبدو وكأنه مغرق في صورة المجتمعات المختلة. والواقع أن هوارد يرى أن من الممكن حدوث نواتج أفضل من ذلك بكثير، إذا تصرفنا الآن بهدف الحيلولة دون ظهور أسوأ الأمور.
بعض علماء الكمبيوتر في المؤتمر رفضوا فكرة أن إنترنت الأشياء سيتطور ليصبح كيانا مهيمنا. على الأرجح، سوف يتطور ليتخذ شكلا مفككا من "شبكات الأشياء"، على حد تصورهم. بالنسبة للوقت الحاضر، فإن الحمم التقنية ذائبة بما فيه الكفاية بما يتيح توجيهها في المقاصد التي نريدها.
على أن هذا يتوقف على أن نهتم جميعا بشكل حاد بدقائق سياسة المعلومات والبروتوكولات الهندسية ومعايير الاتصالات.
في نهاية المطاف، هذه التفاصيل التنظيمية ربما تكون أكثر أهمية بكثير، من حيث تشكيل مستقبلنا من الجلبة حول خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، أو ما يفعله الرئيس الأمريكي دونالد ترمب.
خلُص لا بُويسي إلى القول: "علينا أن نحزم أمرنا على رفض الخضوع بعد اليوم، وعندها سنتحرر على الفور". إنها نصيحة رائعة بالفعل في عصرنا الراهن.