أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    01-Feb-2019

ثقافة في جيوب الفقر* د. صبري الربيحات

 الغد

برنامج المدن الثقافية لهذا العام له نكهة خاصة فقد ذهب إلى ثلاثة ألوية يحمل كل منها إرثا تاريخيا عظيما ورمزية سياسية وثقافية تحتاج إلى عشرات المشاريع للوقوف على أبعادها ومعانيها ودلالاتها. في هذا العام انضمت بلدة ذيبان التي كانت عاصمة ميشع الملك المؤابي الذي ظهر في القرن التاسع قبل الميلاد وهزم العبرانيين وبنى حضارة ما تزال آثارها ماثلة في ماعين ودليلة والموجب وذيبان ومدونة على المسلة التي جرى نقلها إلى اللوفر في باريس.
على موازاة ذيبان جنوبا تقع بلدة بصيرا عاصمة الأدوميين وأحد أكثر بلدات الأردن اهتماما بالتعليم والثقافة وإلى الشمال من ذيبان وعلى نفس المسافة من بصيرا تقع بلدة كفرنجة “قرية الفرنجة” التي توقف عندها ابن بطوطة وكانت اول ناحية للواء عجلون في التنظيمات الإدارية العثمانية. 
في الأردن لكل مدينة حكاية ولها تاريخ وهوية وأحداث ورجالات بعضنا يعرف هذه الحكايات والبعض يتجاهلها او يسعى لطمسها. اليوم ومن محاسن الصدف أن يأتي قطار المدن الثقافية على ثلاث محطات أردنية كان لها دور في صناعة التاريخ الانساني لتقدم شهادات حية على اهمية هذا المكان التاريخية واسهامات اهلها في مسيرة البشرية وصولا إلى ما نحن عليه. 
منذ أيام أعلنت وزارة الثقافة عن اختيار هذه المدن الثلاث للانضمام إلى قافلة المدن الثقافية. وبموجب هذا القرار ستتقاسم “بصيرا وذيبان وكفرنجة” المخصصات المالية المرصودة في موازنة الثقافة لمشروع المدن الثقافية الذي انطلق منذ العام 2007.
في البلدات الثلاث وقراها مستويات عالية من البطالة واشكال من الفقر الذي يصعب وصفه او الوقوف على مداه. المئات من الأسر تعيش تحت خط الفقر والآلاف من الأهالي لا يجدون ما يكفي من المال للوفاء باحتياجات بيوتهم أو الالتزامات التي يقتضي تسديدها شهريا.
بالرغم من مشكلات الفقر والبطالة وتعثر جهود التنمية في الألوية الثلاثة إلا أن لدى الأهالي شعورا قويا بالفخر والاعتزاز واستعدادا كبيرا للتفاعل مع انشطة وفعاليات فهم يدركون أن في الأردن ما يزيد على 2000 تجمع سكاني تنتظم تحت 89 متصرفية وقضاء وقد جاء اختيار مدنهم بعد تقييم لطلبات تقدمت بها تسعة ألوية فوقع الاختيار عليها دون غيرها.
كما يعلمون أن المشروع الجديد يعطي لبلداتهم فرصة لدفع مسيرة العمل الثقافي من خلال تشجيع الهيئات على المبادرة واغناء المشهد بصنوف الفن والادب والتراث واكتشاف المواهب ورعاية ابداعاتها والبحث في ذاكرة المكان.
التنمية الثقافية ضرورة لإحداث التغيير في كثير من المفاهيم وتخليص المجتمع من بعض العادات التي اصبحت تثقل كاهل المجتمع وهو تمرين محلي يشارك فيه الجميع من اجل تطوير منظومة القيم التي تريح الإنسان وترفع الانتاجية وتعزز الهوية في اطار حضاري يحترم الحياة وحقوق الإنسان والذوق العام ويقلل من مستويات التوتر والعنف ونبذ الآخر. فالثقافة وصنوفها بنية تحتية مهمة يرتكز عليها البناء المعنوي للأمة. 
الأردنيون في ذيبان وبصيرا وكفرنجة على موعد هذا العام مع برامج وانشطة تلقي الضوء على تاريخ بلداتهم ومواطن القوة في هوية المكان الذي تجاوزت اصداء انجازاته الحدود اهلنا فإنساننا، فبإمكان أهلنا في كفرنجة استذكار اسهامات رجالاتها ومبادراتهم في خلق ثقافة الوئام كما فعل الشيخ راشد بن بركات الخزاعي وعلى اهلنا في ذيبان ألا ينسوا ما قام به ميشع من طرد للعبرانيين وبناء مملكة كان لها منشآتها ومرافقها التي بقيت آثارها ماثلة في ذيبان والموجب وماعين ودليلة.
في بصيرا التي تقع إلى الجنوب من مدينة الطفيلة ارتياح كبير لاختيارها ضمن مدن هذا العام ففي البلدة عشرات الافكار والمشاريع التي تنتظر الفرصة. قصة المدينة وبانوراما المحافظة وبعض الاحلام التي راودت القائمين على مشروعها ليتابعوا مسيرة السبول والقوابعة دون ان يتناسوا أدوم وهدد “حدد” وسائر ملوك أدوم الذين بسطوا نفوذهم على اكثر من 15 مدينة على اطراف حفرة الانهدام والاخاديد التي تتدلى صوبها.
نبارك لمدننا الثقافية الجديدة ونتمنى للقائمين على مشاريع نهضتها كل التوفيق والفلاح.