أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    12-Apr-2015

كروجمان والتناقض في معاداة كاميرون

 

*جيفري ساكس
 
نيويورك-الغد- إنه لمن الغريب حقاً أن نقرأ مراراً وتكراراً انتقادات بول كروجمان المريرة الموجهة ضد الحكومة البريطانية. تبدأ أحدث مقالاته الطويلة المملة بالادعاء بأن "أداء بريطانيا الاقتصادي منذ اندلعت الأزمة المالية كان سيئاً بشكل مذهل". وهو ينتقد بشدة حكومة رئيس الوزراء ديفيد كاميرون بسبب "سجلها الاقتصادي الرديء، ويتساءل كيف يتسنى له هو ووزراؤه تصوير أنفسهم وكأنهم "حراس الازدهار والرخاء".
في الأشهر الأخيرة، أشاد كاميرون مراراً وتكراراً بالتعافي الاقتصادي في الولايات المتحدة في عهد الرئيس باراك أوباما، في حين هاجم سجل المملكة المتحدة. ولكن عندما نقارن بين اقتصاد البلدين جنباً إلى جنب، فسوف يتبين لنا أن المسارين متشابهان إلى حد كبير؛ حيث تتفوق المملكة المتحدة على الولايات المتحدة على بعض المؤشرات.
ولنتأمل أولا معدل البطالة. في الربع الرابع من العام 2007، كان المعدل في المملكة المتحدة 5.2 %. وعندما تولت حكومة كاميرون الأمر في أيار(مايو) 2010، كان المعدل 7.9 % وفي أحدث الفترات التي صدرت إحصاءات بشأنها (من تشرين الثاني (نوفمبر) 2014 إلى كانون الثاني (يناير) 2015)، كان المعدل 5.7 %. وفي الولايات المتحدة كان معدل البطالة 4.8 % في الربع الرابع من العام 2007، وكان 9.8 % في الفترة من آذار(مارس) إلى أيار(مايو) من العام 2010، ثم 5.7 % في الفترة من تشرين الثاني (نوفمبر) 2014 إلى كانون الثاني (يناير) 2015. وبالتالي فإن معدل البطالة في كل من البلدين أعلى قليلاً من مستواه في فترة ما قبل الأزمة (حتى نهاية 2007)، ولا يوجد فارق صاف كبير على مدى دورة الأعمال من نهاية 2007 وحتى الآن.
ولننظر بعد ذلك في معدل تشغيل العمالة، الذي كان في المملكة المتحدة 72.9 % من مجموع السكان في الفئة العمرية من 16 إلى 64 عاما في نهاية العام 2007. ثم هبط المعدل إلى 70.4 % وقت وصول حكومة كاميرون إلى السلطة، ولكنه منذ ذلك الحين ارتفع بقوة إلى 73.4 % في تشرين الثاني (نوفمبر) 2014-كانون الثاني (يناير) 2015. وهو مستوى غير مسبوق من الارتفاع. وعلى النقيض من هذا، كان معدل تشغيل العمالة في الولايات المتحدة 62.8 % في نهاية العام 2007، ثم 58.6 % في الفترة من آذار (مارس) إلى أيار (مايو) 2010، ثم سجل ارتفاعاً طفيفاً إلى 59.2 % في الفترة من تشرين الثاني (نوفمبر) 2014 إلى كانون الثاني (يناير) 2015 -وما يزال هذا أقل من مستوى ما قبل الأزمة. ويشير هذا إلى عدد أكبر من العمال المحبطين في الولايات المتحدة مقارنة بالمملكة المتحدة.
وأخيرا، هناك نمو الناتج. في المملكة المتحدة انخفض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 3.8 % من الربع الرابع من العام 2007 إلى الربع الثاني من العام 2010. ثم ارتفع بنسبة 8.1 % من تلك النقطة وحتى الربع الرابع من العام 2014. وفي الولايات المتحدة، هبط الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 1.6 % من الربع الرابع في العام 2007 إلى الربع الثاني من العام 2010، ثم ارتفع بنسبة 10.5 % من ذلك الحين وحتى الربع الرابع من العام 2014. وبالتالي فإن معدلات النمو في البلدين كانت مرتفعة بشكل معتدل ومتشابهة إلى حد كبير منذ أيار (مايو) 2010، عندما تولت حكومة كاميرون السلطة.
صحيح أن النمو في المملكة المتحدة كان أبطأ قليلا، ولكن الاقتصاد البريطاني واجه أيضا، بين عوامل أخرى، الرياح المعاكسة المتمثلة في الهبوط الحاد الذي سجله إنتاج النفط في بحر الشمال خلال هذه الفترة، في حين استفادت الولايات المتحدة من طفرة الزيت الصخري. ومن الواضح أننا لا نستطيع أن نعزو أياً من هذه الاتجاهات الطويلة الأمد لأي من الحكومتين اللتين تشغلان المنصب حاليا. وفي كل الأحوال، سجل الاقتصاد الأميركي خلال العامين الماضيين، من الربع الرابع من العام 2012 إلى الربع الرابع من العام 2014 نمواً تراكمياً بلغ 5.6 %، في حين سجل اقتصاد المملكة المتحدة نمواً بنسبة 5.4 %، وهي النسبة نفسها تقريباً في الولايات المتحدة.
ويبدو أن كروجمان يضخم حقيقة مفادها أن المملكة المتحدة لم ترتد حتى بقوة أكبر من انحدار الناتج الأكبر بين الربع الرابع من العام 2007 والربع الرابع من العام 2010 -وهو الهبوط الذي حدث قبل أن تتولى حكومة كاميرون السلطة. وهذا صحيح، كما ظل نمو الإنتاجية القابل للقياس في المملكة المتحدة منخفضا، ولكن لا أحد يستطيع أن يجزم بالسبب عن يقين.
لعل فقاعة ما قبل العام 2008 غير المستدامة كانت أكبر في المملكة المتحدة؛ وربما كانت بنية المملكة المتحدة (وخاصة الحصة الكبرى من التمويل في ناتجها المحلي الإجمالي والانحدار المستمر في إنتاج الطاقة) سبباً في جعل الانخفاض الأولي أقل قابلية للتراجع. وكانت المملكة المتحدة أكثر تعرضاً من الولايات المتحدة لأزمة منطقة اليورو الطويلة. وعلاوة على ذلك، فإن الفوارق الدقيقة بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة في حساب الدخل الوطني لابد أن تؤخذ في الاعتبار عند مقارنة اتجاهات الإنتاجية.
الواقع أن تقديرات صندوق النقد الدولي لفجوة الناتج بين البلدين لا تشير إلى أن الكساد الدوري في المملكة المتحدة كان منذ بداية العام 2014 أكبر من مثيله في الولايات المتحدة. بل إن العكس هو الصحيح، على الأقل وفقاً لتقديرات صندوق النقد الدولي. الواقع أن صندوق النقد الدولي يؤكد أن فجوة الناتج في المملكة المتحدة (كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي الممكن) كانت 1.2 %، مقارنة بنحو 3.5 % في الولايات المتحدة. وبطبيعة الحال، يخضع التقديران للتساؤلات حول التفسير؛ ذلك أن صندوق النقد الدولي يفترض على سبيل المثال أن المملكة المتحدة كانت تعمل عند مستوى أعلى كثيراً من الناتج المحلي الإجمالي المحتمل في الفترة 2006-2008.
الحق أن الاقتصاد في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة يبدو متشابهاً من حيث الأنماط الدورية الشاملة؛ حيث أعقب الركود الحاد من 2007 إلى 2010 تعافي كل من الوظائف والناتج المحلي الإجمالي منذ ذلك الوقت، وكانت وتيرة التعافي سريعة نوعاً ما في العامين الماضيين. وعلى هذا، فإذا كان كروجمان يشيد بالتعافي في عهد أوباما، فيتعين عليه أن يشيد أيضاً بالتعافي في عهد كاميرون. فهما متشابهان للغاية.
ولعل الأمر الأكثر بروزاً هو أن الاقتصاد في كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ألقى بظلال كبيرة من الشك على وجهة نظر كروجمان المتكررة التي تشير إلى أن تحقيق التعافي القوي يتطلب المزيد من التحفيز المالي، وهو الموقف الذي أصر عليه حتى العام 2013 على الأقل. وأتى التعافي في مرحلة ما بعد العام 2010 في البلدين رغم التخفيضات الكبيرة لعجز الميزانية البنيوي (المعدل دوريا)، الأمر الذي يشير إلى أن تعافي الاقتصادين حدث في مواجهة انكماش مالي. ووفقاً لتقديرات صندوق النقد الدولي، فإن عجز الميزانية البنيوي انخفض من 8.4 % من الناتج المحلي الإجمالي المحتمل في العام 2010 إلى 4.1 % في العام 2014 في المملكة المتحدة، ومن 9.1 % إلى 4 % في الولايات المتحدة خلال الفترة نفسها.
بدلاً من توبيخ كاميرون والإشادة بأوباما، ينبغي لكروجمان أن يشيد بالتعافي في البلدين. والحقيقة هي أنه في حالة عدم وقوع مأساة يونانية أخرى، فإن كلاً من المملكة المتحدة والولايات المتحدة خرجت مؤخراً من أزمة ما بعد 2008. والآن حان الوقت لكي يتجاوز البلدان سياسة الاقتصاد الكلي للأمد القريب ويحولا انتباههما إلى التحديات المرتبطة بالتنمية المستدامة الطويلة الأمد.
 
*أستاذ التنمية المستدامة، وأستاذ السياسات الصحية والإدارة، ومدير معهد الأرض في جامعة كولومبيا.
خاص بـ الغد بالتعاون مع "بروجيكت سنديكيت".