أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    15-Sep-2017

عنوان التخلف والفساد! *جميل النمري

 الغد-بدأت الحكومة مبكرا بطرح فكرتها لضريبة الدخل وهاهي تتراجع مبكرا أيضا في ضوء ردود الفعل العاصفة، بالمقابل شدد جلالة الملك في حديثه لـ"بترا" أمس على حماية الطبقة الوسطى والشرائح الأدنى.

فعاليات شتى من الوسط النيابي ومنظمات المجتمع المدني والأحزاب والنقابات وغيرها يسنون السلاح لمواجهة مشروع قانون الضريبة الذي يريد مبدئيا خفض سقف الإعفاء للعائلة إلى النصف (من 24 ألفا إلى 12 ألف دينار) وأكاد أجزم أن مشروع القانون اذا مشى بهذه الطريقة سيصل مجلس النواب يتيما لا يجد من يدافع عنه وقد يسقط هو والحكومة معا.
إنما ما يزال الوقت متاحا ليس لتعديل القانون وفق الفكرة الوحيدة المطروحة وهي تقليص سقف الإعفاءات بل لإصلاح جوهري وشامل على كل النظام الضريبي، والإصلاح يستوجب التفاهم حول طبيعة الخلل في النظام الضريبي في الأردن. 
ما تقوله الحكومة بأن 2 % من المواطنين فقط يدفعون ضريبة دخل صحيح، لكن جميع المواطنين يدفعون ضرائب أخرى، فنسبة قد لا تقل عن  20 % من إنفاق المواطن تذهب لضريبة المبيعات وضرائب ورسوم أخرى. وإجمالي الضرائب نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي لا يقل عندنا عن الدول متوسطة النمو، إنما الخلل الفادح هو بين أنواع الضرائب. فالاعتماد الرئيس عندنا أخذ يتحول الى ضريبة المبيعات التي تبلغ الآن أربعة اضعاف ضريبة الدخل.
بالمناسبة هذا ليس مؤشرا طيبا للدولة بل دليل فشل وهو يعكس كما في كل حالة شبيهة واقع التخلف والفساد. فالدول الأكثر تقدما تعتمد أكثر على ضريبة الدخل التي تنجح بوجود إدارة متقدمة ومواطنة مسؤولة، وكلما كانت الدولة أكثر تخلفا اتجهت إلى أشكال أسهل وأكثر تعميما مثل الجمارك والرسوم والضريبة على المبيعات. ولا حاجة للتذكير بدور ضريبة الدخل كأداة للعدالة الاجتماعية وإعادة تدوير الدخل الوطني واستخدام نسبة من فائض المال بيد مواطنين لتحسين الخدمات وتحقيق الرفاه للعموم.
مشكلتنا مع ضريبة الدخل أمران؛ 1- التهرب الضريبي الهائل وهو حسب التقديرات الرسمية لا يقل عن مليار دينار (أي ضعف المبلغ الذي تريد الحكومة جبايته من أصحاب الدخل المتوسط أو المحدود). 2 – تغييب التصاعدية عبر سلسلة التعديلات التي ضغطت الشرائح وخفضت السقف على الأفراد والشركات.
أنا مع زيادة ضريبة الدخل نسبة إلى إجمالي المصادر الضريبية فهي الآن لا تتجاوز2 % أي من أقل النسب في العالم على الإطلاق وهذا معيب فعلا، وجوهر الإصلاح الضريبي هو رفعها الى 4 % وعلى المدى الأبعد الى 6 % أو حتى 8 % بالتوازي والتزامن مع خفض ضريبة المبيعات، وهذا سيكون مؤشر النجاح والحداثة الإدارية والاجتماعية.
لقد أصدر منتدى الاستراتيجيات الأردني قبل أيام تقريرا ممتازا عن الاقتصاد الأردني وهو يحتوي المعاني التي أشرنا لها آنفا مدعمة بإحصائيات تبين مكامن الخلل في الاقتصاد والنظام الضريبي, ويا ليت لو أن الحكومة تدرسه جيدا وتخرج بالاستخلاصات.
نحن بحاجة الى إصلاح ضريبي عميق يعيد التوازن بين مصادر الضرائب، وبالنسبة لضريبة الدخل يجب أن يحقق هدفين 1 - تقليل التهرب الضريبي الى الحد الأدنى 2 – العودة الى التصاعدية في الشرائح ليصل سقفها الى 35 %، ويمكن تحويل معظم الإعفاءات وبالسقف الموجود حاليا الى إعفاء على النفقات وإعفاء على شراء سندات استثمارية؛ أي تحويل فائض المال الى الاستثمار. إن الإعفاء على النفقات له دور حاسم في  مكافحة التهرب الضريبي، وقد اقترحته بقوة في مجلس النواب الفائت لكنّ ممثلي الحكومة ودائرة الضريبة تذرعوا بصعوبة ذلك إداريا وفنيا، فكانوا يقررون سلفا الاستسلام  للترهل والتخلف والفساد. ولهذا حديث آخر.