أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    20-Apr-2014

مستقبل التقدم الاقتصادي
 
كمال درويش
 
واشنطن ــ الغد- ببطء ولكن بثبات، تدخل المناقشة الدائرة حول طبيعة النمو الاقتصادي مرحلة جديدة. والتساؤلات الناشئة تختلف عن تلك التي نشأت في العقود الأخيرة بالقدر الكافي لجعل المرء يستشعر التحول في الإطار المفاهيمي الذي سوف تستند إليه مناقشة التقدم الاقتصادي ــ والسياسة الاقتصادية ــ من الآن فصاعدا.
وكان التساؤل الأول، الذي يتعلق بالوتيرة المحتملة للنمو الاقتصادي، سبباً في نشوء خلاف خطير بين خبراء الاقتصاد. فيرى روبرت جوردون من جامعة نورث ويسترن على سبيل المثال أن اقتصاد الولايات المتحدة سوف يكون محظوظاً إذا حقق نمواً سنوياً في نصيب الفرد في الدخل بنسبة 0.5% في الأمد المتوسط. وذهب آخرون، وربما كان داني رودريك أكثرهم حذرا، إلى وضع نسخة من تشاؤم النمو للاقتصادات الناشئة. وتتلخص الفرضية الأساسية المشتركة بين العديد من هؤلاء المحللين في أن التقدم التكنولوجي سوف يتباطأ، بما في ذلك مكاسب اللحاق بالركب التي هي الأكثر أهمية بالنسبة للبلدان الناشئة والنامية.
وعلى الجانب المقابل هناك "التكنولوجيون الجدد"، الذين يزعمون أننا على أعتاب ثورة صناعية رابعة تتسم بآلات ذكية حقاً وتصلح كبدائل مثالية تقريباً للعمال من ذوي المهارات المتدنية والمتوسطة. وسوف تبشر هذه "الروبوتات" (وبعضها في هيئة برمجيات)، فضلاً عن "إنترنت الأشياء" بقدوم زيادات ضخمة جديدة في الإنتاجية في مجالات مثل كفاءة استخدام الطاقة، والنقل (المركبات ذاتية القيادة على سبيل المثال)، والرعاية الطبية، وتكييف الإنتاج الضخم وفقاً لطلب العميل، وذلك بفضل الطباعة الثلاثية الأبعاد.
وثانيا، هناك مسألة توزيع الدخل. في كتابه الذي اكتسب شهرة فورية، يزعم توماس بيكيتي أن القوى الاقتصادية الأساسية تعمل على تغذية ارتفاع مستمر في الأرباح كنسبة من الدخل الإجمالي، مع ثبات معدل العائد على رأس المال عند مستوى أعلى من معدل النمو الاقتصادي. ولكن كثيرين لاحظوا أنه إذا أصبح رأس المال بديلاً قريباً لكل شيء باستثناء العمالة ذات المهارة البالغة الارتفاع، في حين تظل أنظمة التعليم في احتياج إلى فترات تكيف طويلة لتوفير المهارات الجديدة بكميات كبيرة، فإن الفوارق الأكبر كثيراً في الأجور بين العمالة العالية المهارة وكافة أشكال العمالة الأخرى سوف تتسبب في تفاقم فجوة التفاوت بين الناس سوءاً على سوء.
وربما يصبح الاقتصاد الأميركي في غضون عشر سنوات اقتصاداً حيث يحصل أعلى 5% ــ كبار أصحاب رؤوس الأموال، وأصحاب الأجور من ذوي المهارات البالغة الارتفاع، والشركات العالمية التي يستأثر الفائز منها بكل شيء ــ على 50% من الدخل الوطني (النسبة لا تقل كثيراً عن 40% اليوم). ورغم أن الظروف الوطنية لا تزال مختلفة إلى حد كبير، فإن الاتجاهات الاقتصادية الأساسية عالمية. ولكن أهي مستدامة سياسيا؟
ويتعلق التساؤل الثالث بالتأثيرات التي قد يخلفها المزيد من الاعتماد على الآلات على تشغيل العمالة. فكما كانت الحال مع الثورات الصناعية السابقة، قد يتحرر البشر من العمل الأكثر إثارة للملل. فلن تظل الحاجة قائمة إلى الصرافين وموظفي الاتصالات ومحصلي الرسوم على الطرق على سبيل المثال، كما ستقل الحاجة إلى المحاسبين ومستشاري السفر الماليين والسائقين وغير ذلك الكثير.
وإذا كان "التكنولوجيون" محقين في نصف ما قالوا فإن الناتج المحلي الإجمالي سوف يكون أعلى كثيرا. لماذا إذن لا نبتهج إزاء التوقعات بتقلص ساعات أسبوع العمل إلى 25 إلى 30 ساعة وزيادة الإجازة السنوية إلى شهرين، في حين تتولى الآلات الذكية بقية العمل؟
ولماذا رغم كل هذه التكنولوجيا الجديدة والزيادة الوشيكة في الإنتاجية يصر كثيرون على زعمهم بأن الجميع لابد أن يزيدوا من ساعات عملهم وأن يتقاعدوا في وقت متأخر كثيراً من حياتهم إذا كان للاقتصادات أن تظل قادرة على المنافسة؟ أم أن العاملين من ذوي المهارات العالية هم فقط الذين يتعين عليهم أن يعملوا بجدية أكبر ولوقت أطول، لأن المتاح منهم غير كاف؟ إذا كانت هذه هي الحال، فربما ينبغي للعاملين الأكبر سناً أن يتقاعدوا في وقت أكثر تبكيراً لإتاحة المجال للشباب، الذين يتمتعون بمهارات أكثر ملاءمة للقرن الجديد. وإذا كان هذا التحول قادراً على زيادة الناتج المحلي الإجمالي الكلي فمن الممكن أن تغطي التحويلات المالية تكاليف التقاعد المبكر، في حين قد يصبح التقاعد ذاته عملية مرنة وتدريجية.
وأخيرا، هناك مسألة تغير المناخ والقيود المحتملة على الموارد الطبيعية، وهي القضايا التي أصبحت مألوفة بكل أكبر على مدى العقد الماضي. فهل تتسبب هذه العوامل في إعاقة النمو في الأمد البعيد، أم أن الانتقال إلى اقتصاد يعتمد على الطاقة النظيفة قد يغذي ثورة تكنولوجية أخرى تعمل على زيادة الرخاء والازدهار حقا؟
مع انتقال مثل هذه التساؤلات إلى قمة الأجندة السياسية، يصبح من الواضح بشكل متزايد أن التركيز التقليدي على النمو، المعرف بكونه زيادة في الناتج المحلي الإجمالي الكلي والذي يتم حسابه وفقاً لمعايير وطنية مخترعة قبل قرن من الزمان، بات أقل جدوى على نحو متزايد.
لابد أن يشمل قياس التقدم الاقتصادي وطبيعته عقداً اجتماعياً جديداً يسمح للمجتمعات بإدارة قوة التكنولوجيا بحيث تخدم كل المواطنين. ولابد أن يكون العمل والتعليم والاستمتاع بأوقات الفراغ والصحة والقدرة على الإنتاج جزءاً من سلسلة متصلة في حياتنا، وأن تهدف السياسات بشكل واضح إلى كل ما ييسر هذا التواصل ويزيد من الرفاهة القابلة للقياس.
وسوف يكون لزاماً علينا أن نتصدى للاتجاهات التي تدعم فجوة التفاوت المتزايدة الاتساع بالاستعانة بالعديد من أدوات السياسية العامة، على أن يكون في قلب هذا الجهد الأنظمة الضريبية والتعليم وتوفير الرعاية الصحية الشاملة مدى الحياة بأسعار معقولة من أجل ضمان العدالة والحراك الاجتماعي. وبرغم أن نوعية حياة البشر لا يزال بوسعها أن تتحسن إلى حد كبير، حتى في البلدان المتقدمة، فإن التركيز على الناتج المحلي الإجمالي الكلي سوف يكون أقل جدوى في تحقيق هذه الغاية.
لقد أصبحت التساؤلات المحيطة بالنمو الاقتصادي في المستقبل أكثر وضوحا. ولكننا لا نزال عند بداية العملية المتمثلة في خلق الإطار المفاهيمي الجديد اللازم لتمكين السياسات الوطنية والعالمية من دعم قضية التقدم الإنساني.
 
 
*وزير الشؤون الاقتصادية السابق في تركيا.
خاص بـ"الغد" بالتعاون مع بروجيكت سنديكيت.