أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    11-Jul-2017

سوق العمل في منطقة اليورو تتعافى من جروح 2008
فايينشال تايمز - 
 
أليكساندرو واحد من المحظوظين. هو في الـ 24 من العمر، وكان قد هاجر من رومانيا إلى إيطاليا وعمره 12 عاما، وحصل أخيرا على وظيفة بعقد دائم عامل طباعة في مطبعة في بلدة صغيرة بالقرب من ميلانو.
"إنه مكان جيد"، يقول عن موقع العمل الجديد. "الآن إذا كنت مريضا، يدفعون لي. لدي إجازات، ولدي تأمين. في الشركة التي كنتُ أعمل فيها من قبل، لم يكن لدي أي شيء".
وضْع أليكساندرو يعكس تحولا أوسع في أوروبا، حيث بدأ الركود في سوق العمل يتراجع بعدما يقارب عقدا من الزمان. هذا العام انخفض معدل البطالة في منطقة اليورو إلى أقل من 10 في المائة للمرة الأولى منذ أن عصفت الأزمة الاقتصادية بالقارة. وتراجع في أيار (مايو) إلى 9.3 في المائة ليسجل أدنى مستوى له منذ ثماني سنوات. وتم استحداث نحو ستة ملايين وظيفة منذ أوائل عام 2013. وكان الانتعاش واسع النطاق حتى أن إسبانيا والبرتغال - وهما من أكثر البلدان تضررا - تشهدان انخفاضا حادا في البطالة بعدما وصل الحال إلى الحضيض إبّان ذروة الأزمة المالية.
مع ذلك، لا يزال الطريق طويلا. في فوغيرا، وهي بلدة قريبة من حيث يعيش أليكس على بعد نحو 50 كيلو مترا جنوب ميلانو، لا تزال معدلات بطالة الشباب مرتفعة. وبالنسبة لكثير من الذين لديهم وظائف، الوضع غير آمن وقصير الأجل.
يقول أليكس: "من بين كل عشرة من أصدقائي، يعمل واحد فقط. إنها ليست بالحالة الجيدة بالنسبة لأبناء جيلي". هو وكثير من أصدقائه لا يزالون يعيشون في المنزل مع والديهم. "عندما أتحدث إليهم عن الماضي يبدو الأمر أفضل. كان لديهم جميعا وظائف وفرص لتكوين عائلة".
الانتعاش في سوق العمل في منطقة اليورو أخذ الاقتصاديين على حين غرة. فالشركات توجد وظائف بوتيرة لم يتوقعها سوى قليلون. لكن في حين لا يوجد شك يذكر في أن المنطقة تعود إلى العمل، هناك علامات استفهام كبيرة حول نوعية الوظائف التي يجري استحداثها.
ولا يزال نمو الأجور ضعيفا، حتى في الاقتصادات الأقوى مثل ألمانيا. وهناك أدلة على وجود ارتفاع في معدلات البطالة المقنعة، حيث يرغب كثير من العاملين بدوام جزئي في العمل ساعات أطول مما يحصلون عليه. ولا يزال كثير من الأعمال التي يجري إنشاؤها غير مستقرة، والعقود المؤقتة هي القاعدة في كثير من الدول الأعضاء. ويشكك بعض المختصين في أن أزمة الوظائف استمرت لفترة طويلة إلى درجة أن كثيرا من العمال المحتملين تخلوا عن البحث عن وظائف وتركوا سوق العمل نهائيا.
وفي حين يرحب صناع السياسة في البنك المركزي الأوروبي بالعلامات الدالة على انتعاش الوظائف، لا تزال هناك مخاوف بشأن الطبيعة البطيئة لارتفاع الأجور - وهو مؤشر رئيس على ما إذا كان الاقتصاد قويا بما فيه الكفاية كي يبدأ صناع السياسة بتخفيض إجراءات التحفيز الاستثنائية.
ماريو دراجي، رئيس البنك المركزي الأوروبي، قال الشهر الماضي: "هناك بالتأكيد زيادة لا يستهان بها في حجم القوى العاملة. وفي الوقت نفسه، لدينا أدلة على أن (...) كثيرا من هذه الوظائف الجديدة هي ما يسمى وظائف منخفضة الجودة. نحن نتحدث عن عمل مؤقت، ونحن نتحدث عن العمل بدوام جزئي".
وتوصل مختصو الاقتصاد في البنك أخيرا إلى طريقة لقياس العمالة المقنعة، التي تشمل العمال غير المتفرغين الذين يرغبون في مزيد من الساعات، والذين غادروا سوق العمل نهائيا. وبهذا المقياس يصل معدل البطالة المقنعة إلى نسبة عالية في حدود 18 في المائة، أي قريبا من ضعف معدل البطالة الرسمي.
مسؤولو البنك المركزي الأوروبي على ثقة بأن الجروح التي أوقعتها الأزمة ستشفى وأن سوق العمل ستتعزز مع مرور الوقت. ويجري استبدال سرد أكثر تفاؤلا بمزاج التفاؤل الحذر، في الوقت الذي يكتسب فيه انتعاش منطقة اليورو القوة والنطاق. ودفع المستثمرون المؤشرات الأوروبية الرئيسة إلى أعلى، مع ارتفاع مؤشر يورو ستوكس 50 بنسبة 15 في المائة حتى الآن هذا العام. ودفعت تعليقات دراجي الأسبوع الماضي اليورو إلى أعلى مستوياته في 2017 مقابل الدولار، ودفعت أيضا عائدات السندات الألمانية لأجل عشر سنوات، في الوقت الذي استجابت فيه الأسواق على إشارة البنك المركزي الأوروبي إلى أنه سيلغي سياسات التحفيز إذا استمر الانتعاش.
وتعززت المشاعر بانتخاب إيمانويل ماكرون رئيسا لفرنسا. ويأمل الكثيرون أن يتمكن ماكرون من إقرار إصلاحات سوق العمل التي ستعزز فرص العمل والنمو في ثاني أكبر اقتصاد في منطقة اليورو. وتعد فرنسا فريدة من حيث إنها تعرض عديدا من الخصائص المرتبطة "بالبلدان الأساسية" المزدهرة في المنطقة، في حين تواجه عبء البطالة المرتفعة.
وعلى الرغم من تحسن المشاعر، يرى كارستن برزيسكي، المختص الاقتصادي في ING-DiBa، أن هناك أسبابا قليلة للاعتقاد بأن انتعاشا سريعا في الطريق. يقول: "يبدو أن البنك المركزي الأوروبي يعتقد أن المشاكل في سوق العمل مؤقتة. لكن الأمر برمته هو مسألة تعريف. يمكن أن تظل المشاكل المؤقتة مؤقتة لفترة طويلة. من الصعب أن نرى ارتفاع الأجور بسرعة خلال السنوات القليلة المقبلة".
بينما يناقش المسؤولون نمو الأجور، يعج وسط مدينة لشبونة بالنشاط. ساعد ازدياد أعداد السياح وارتفاع شعبية العيش داخل المدينة - يرجع ذلك جزئيا إلى موجة الاهتمام من المشترين الفرنسيين، وكثير منهم يتقاعدون في البرتغال للاستفادة من المعاملة الضريبية التفضيلية للمتقاعدين - في إيجاد جو نابض بالحياة في العاصمة.
ويتوقع صندوق النقد الدولي أن ينمو اقتصاد البرتغال 2.5 في المائة هذا العام، متفوقا بشكل مريح على متوسط توقعات النمو في الاتحاد الأوروبي. وانخفضت العائدات على السندات الحكومية لأجل عشر سنوات إلى ما دون 3 في المائة، وهو أدنى مستوى منذ سنة تقريبا.
وهذا تحسن حاد عما كان عليه الحال منذ بضع سنوات. كانت البرتغال تعاني مشاكل اقتصادية أدت في عام 2011 إلى إجبارها على تنفيذ برنامج إنقاذ عقابي، أدى إلى تخفيض أجور القطاع العام والمعاشات التقاعدية. وارتفعت نسبة البطالة لتصل إلى 17.5 في المائة في مطلع عام 2013.
وكانت البرتغال حالة أنموذجية لأزمة الوظائف التي اجتاحت منطقة اليورو، ولا سيما في الجنوب. وكما هي الحال غالبا في أوقات البطالة المرتفعة، كان العمال الأصغر سنا هم الأكثر تضررا، إذ تجاوز البطالة بين الشباب 40 في المائة - وبلغت مستويات أعلى في إسبانيا وإيطاليا واليونان.
عدد الأوروبيين الذين لديهم وظائف تجاوز ذروة ما قبل الأزمة فقط في الربع الأول من هذا العام. لكن مع نسبة بلغت 9.4 في المائة في أيار (مايو) تبقى البطالة في البرتغال وفي أماكن أخرى أعلى بكثير مما في الاقتصادات الأقوى، مثل ألمانيا.
كان أنطونيو كوستا، رئيس وزراء البرتغال اليساري، مديرا ناجحا للاقتصاد أكثر بكثير مما كان متوقعا، ما عمل على إرباك النقاد الذين قالوا إن حملته لمكافحة التقشف وإلغاء بعض إصلاحات سوق العمل ستؤدي إلى أزمة ديون أخرى. وساعدت انتصارات المنتخب البرتغالي في بطولة أوروبا في الصيف الماضي وفي مسابقة يوروفيجن للأغاني أيضا في تحسين المزاج العام في البلاد.
تقول كاتارينا سامبايو، وهي مهندسة معمارية عمرها 40 عاما تعمل في لشبونة: "حدث تغيير نفسي. رسالة الحكومة السابقة كانت محبطة وتركت الناس بلا أمل. الروح مختلفة الآن، أصبح الناس أكثر تفاؤلا".
وأدت نهضة مركز مدينة لشبونة إلى ارتفاع حاد في أسعار العقارات. وترى سامبايو أن هناك خطرا يتمثل في عدم تقاسم فوائد إحياء المدينة على قدم المساواة. "أنا أحصل على مزيد من العمل هذا العام، لكن ليس له علاقة بالتحسين. التحسين عالم مواز لا ندخله".
وتقول إن الشركات تستفيد من نظام recibos verdes أو الإيصالات الخضراء التي تمكنهم من تجنب منح الموظفين عقودا طويلة الأجل تصل إلى ثلاث سنوات، على الرغم من أنه في بعض الحالات يتم تغطية اشتراكات الضمان الاجتماعي للعاملين. وتنظر الحكومة البرتغالية في سبل لمعالجة هذه المشكلة وهي تهدف إلى تحويل أكثر من 100 ألف من العمال المستضعفين إلى أدوار ذات عقود دائمة.
وتضيف سامبايو: "كنتُ أعيش حالة من عدم الاستقرار منذ أن أنهيت دراسة المعمار. لم أعمل قط في شركة ولم أحصل قط على الامتيازات التي تأتي مع العمل لدى شركة. اضطررت لدفع تلك الأشياء بنفسي. وحالتي شائعة. معظمنا يعملون لحسابهم الخاص الآن".
وتتابع: "لكن هذا نوع جديد من عدم الاستقرار. كانت الظروف دائما مثل هذا بالنسبة لكثير من عمال البناء، والآن الوضع هو نفسه للمهندسين المعماريين أيضا".
وتتكرر تجربتها في المنطقة. ومن بين الوظائف البالغة 5.2 مليون التي تم إنشاؤها الفترة بين الربع الثاني من عام 2013 والربع الأخير من عام 2016، توجد 2.1 مليون وظيفة بعقود مؤقتة. وكانت هذه النسبة أعلى في الاقتصادات المتوسطية.
يأمل الاقتصاديون أنه مع استمرار الانتعاش ستشعر الشركات بالثقة الكافية لتقدم إلى العمال ساعات أطول وعقودا دائمة.
قال دراجي: "نحن في حاجة إلى التحلي بالصبر. نحن نعلم أن الفجوة في سوق العمل أخذت تضيق الآن في الواقع، وفجوة الناتج آخذة في الانغلاق، ونحن نعرف كل هذه العوامل سوف تتلاشى آثارها في النهاية. وسوف تتحسن جودة الوظائف. وسوف تزداد الإنتاجية".
غير أن هناك مخاوف في أجزاء من البلدان الطرفية في منطقة اليورو من أن ندوب الأزمة ستصبح دائمة.
يقول ميشيل فونتفرانسيسكو، وهو عالم أنثروبولوجيا اقتصادية وزميل فخري في جامعة ديرهام: "أصبحت الوظائف أقل استقرارا في إيطاليا منذ أواخر التسعينيات. ما هو شائع أكثر وأكثر في إيطاليا وبلدان البحر الأبيض المتوسط الأخرى هو الحركة غير المنتظمة للعمال من شركة إلى أخرى".
ويضيف: "أصبح من الصعوبة بمكان الوصول إلى المهن ذات رأس المال الاجتماعي. تدرس ثلاث أو أربع سنوات أطول من والدك وتكسب مالا أقل مما كان يكسب".
بالنسبة لأجنيس بليني، التي تبلغ من العمر 31 عاما وتقيم في اليساندريا، شمال غربي إيطاليا، فشلت سنوات التعليم في تحقيق النتيجة المرجوة منها، ويبدو أن انتعاش منطقة اليورو غير ملموس. بعد الانتهاء من دراسة الدكتوراه في الأدب كان حلمها أن تصبح مدرسة بدوام كامل، لكن في السنوات الأخيرة تعثرت في سلسلة من الوظائف المستمرة، لكن بدوام جزئي - من أبحاث السوق إلى دروس خصوصية في اللاتينية واليونانية القديمة - كانت تعود عليها، في أحسن الأحوال، بدخل في حدود 1500 يورو في الشهر.
تقول: "أعرف بعض الأشخاص الذين بدأوا العمل بساعات أكثر، ولكني لا أشعر بأن الأمور قد تغيرت كثيرا".
وهي تعيش مع طفلها الصغير وزوجها ـ الذي يعمل أيضا في كثير من الوظائف المؤقتة ـ في عقار مملوك لوالديه. "عدا ذلك لا نستطيع أن نلبي مطالبنا"، كما تقول، مضيفة: "أريد الحصول على مزيد من الاستقرار على المستوى الاقتصادي والعاطفي".
وتلاحظ بليني أن كثيرا من الإيطاليين في سنها يقررون مغادرة البلاد، ما يثبطهم هو الآفاق المتاحة لهم. وبعض آخر يفقد الأمل ببساطة. لكنها تقول من الضروري البقاء في القوة العاملة. حتى أنها قبلت بوظيفة التدريس بأجر منخفض في قرية جبلية صغيرة تبعد ساعة. "أولئك العازمون ولا يفقدون روحهم المعنوية سيتمكنون من تحقيق متطلبات الحياة. والذين استسلموا لن يفعلوا ذلك".