أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    18-Jan-2015

تقرير اقتصادي بول كروجمان وتعافي أوباما

 

جيفري ساكس
 
مدريد-الغد-  على مدى سنوات طويلة، ولأكثر من مرة كل شهر غالبا، كان رجل الاقتصاد الحائز على جائزة نوبل والكاتب في صحيفة "نيويورك تايمز" والمدون بول كروجمان حريصاً على بث رسالة رئيسية واحدة لقرائه المخلصين مفادها أن أنصار خفض العجز من المتقشفين (كما يسمي دعاة التقشف المالي) مضلَّلين. فالتقشف المالي في ظل ضعف الطلب الخاص من شأنه أن يؤدي إلى ارتفاع معدلات البطالة بشكل مزمن. والواقع أن خفض العجز يبدو تكراراً لما حدث في العام 1937 عندما خفض فرانكلين روزفلت حوافز الصفقة الجديدة قبل الأوان وبالتالي ألقى بالولايات المتحدة إلى الركود من جديد.
حسنا، لقد لعب الكونجرس والبيت الأبيض في واقع الأمر ورقة التقشف منذ منتصف العام 2011 فصاعدا. وقد انخفض عجز الميزانية الفيدرالية من 8.4 % من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2011 إلى 2.9 % من الناتج المحلي الإجمالي للعام 2014 بأكمله. ووفقاً لصندوق النقد الدولي، فإن العجز البنيوي (والذي يسمى أحيانا "عجز العمالة الكاملة")، وهو مقياس للحوافز المالية، انخفض من 7.8 % من الناتج المحلي الإجمالي المحتمل إلى 4 % من الناتج المحلي الإجمالي المحتمل في الفترة من 2011 إلى 2014.
وقد احتج كروجمان بقوة بأن خفض العجز كان سبباً في إطالة أمد بل وحتى زيادة حدة ما يسميه بشكل متكرر "الكساد" (أو في بعض الأحيان "الكساد المنخفض الدرجة"). والحمقى فقط من أمثال قادة المملكة المتحدة (الذين يذكرونه بالأغبياء الثلاثة) قد يتصورون خلاف ذلك.
ومع هذا، فبدلاً من حدوث ركود جديد، أو كساد مستمر، هبط معدل البطالة في الولايات المتحدة من 8.6 % في تشرين الثاني (نوفمبر) 2011 إلى 5.8 % في تشرين الثاني (نوفمبر) 2014. وكان النمو الاقتصادي الحقيقي في العام 2011 عند مستوى 1.6 %، ويتوقع صندوق النقد الدولي أن يبلغ 2.2 % في العام 2014 ككل. وفي الربع الثالث من العام 2014 سجل الناتج المحلي الإجمالي نمواً قوياً بمعدل سنوي بلغ 5 %، وهو ما يشير إلى أن النمو الإجمالي في العام 2015 بأكمله سوف يكون أعلى من 3 %.
هذه هي إذن تنبؤات كروجمان. إنه لم يتنبأ في أي من تعليقاته في صحيفة "نيويورك تايمز" في النصف الأول من العام 2013، عندما كان خفض العجز "التقشفي" ساريا، بانخفاض كبير في معدلات البطالة أو تعافي النمو الاقتصادي بمعدلات سريعة. بل على العكس من ذلك، زعم كروجمان أن "التحول الكارثي نحو التقشف كان سبباً في تدمير ملايين الوظائف والعديد من سبل العيش، مع تسبب الكونجرس الأميركي في تعريض الأميركيين لتهديد وشيك يتمثل في الضرر الاقتصادي الشديد الناتج عن خفض الإنفاق على المدى القصير. ونتيجة لهذا فإن التعافي الكامل يظل يبدو بعيداً للغاية". ثم حذر قائلا: "وقد بدأت أخشى أنه لن يأتي أبدا".
وأنا أثير كل هذا لأن كروجمان أبدى مظاهر الاحتفال بالنصر في عمود نهاية 2014 الذي كتبه حول "تعافي أوباما". فقد أتى التعافي، وفقاً لكروجمان، ليس رغم التقشف الذي ثار ضده لسنوات، بل لأننا "فيما يبدو، توقفنا عن تشديد السياسة: فالإنفاق العام ليس في ارتفاع، ولكنه على الأقل توقف عن الهبوط. ونتيجة لهذا، كان أداء الاقتصاد أفضل كثيرا".
وهو ادعاء لا يُصَدَّق. فقد تم خفض عجز الميزانية بشكل حاد، وانحدر معدل البطالة. ورغم هذا، يقول كروجمان الآن إن كل شيء حدث كما تنبأ تماما.
الواقع أن كروجمان خلط بين فكرتين متميزتين وكأنهما من مكونات الفكر "التقدمي". فهو من ناحية كان "الضمير الليبرالي"، الذي يركز عن حق على الكيفية التي قد تتمكن بها الحكومة من محاربة الفقر، وسوء الصحة، والتدهور البيئي، واتساع فجوة التفاوت، وغير ذلك من العلل الاجتماعية. وأنا معجب بهذا الجانب من كتابات كروجمان، وكما ذكرت في كتابي "ثمن الحضارة"، أتفق معه.
ومن ناحية أخرى، ارتدى كروجمان لسبب غير مفهوم عباءة إدارة الطلب الكلي، فجعل الأمر يبدو وكأن تفضيل العجز الضخم في الميزانية في السنوات الأخيرة يشكل أيضاً جزءاً من الاقتصاد التقدمي. (في بعض الأحيان يطلق على موقف كروجمان وصف الكينزية، ولكن جون ماينارد كينز كان يعلم بشكل أفضل كثيراً من كروجمان أننا لا ينبغي لنا أن نعتمد على "مضاعِفات الطلب" الآلية في تحديد معدل البطالة). ولم تكن الزيادة في العجز في العام 2009 كافية للإفلات من البطالة المرتفعة، كما أصر، بل كانت في هبوط سريع إلى حد خطير بعد العام 2010.
ومن الواضح أن الاتجاهات الحالية -الانخفاض الكبير في معدل البطالة وارتفاع معدل النمو الاقتصادي وتسارعه بشكل معقول- تلقي بظلال من الشك على تشخيص كروجمان للاقتصاد الكلي (ولكن ليس على سياسته التقدمية). وكانت الاتجاهات نفسها واضحة في المملكة المتحدة؛ حيث خفضت حكومة رئيس الوزراء ديفيد كاميرون عجز الميزانية البنيوي من 8.4 % من الناتج المحلي الإجمالي المحتمل في العام 2010 إلى 4.1 % في العام 2014، في حين هبط معدل البطالة من 7.9 % عندما تولى كاميرون المنصب إلى 6 %، وفقاً لأحدث البيانات لخريف العام 2014.
ولكي أكون واضحا، فإنا أعتقد أننا نحتاج إلى المزيد من الإنفاق الحكومي كحصة من الناتج المحلي الإجمالي -على التعليم، والبنية الأساسية، والطاقة المنخفضة الكربون، والبحث والتطوير، والاستحقاقات العائلية للأسر ذات الدخل المنخفض. ولكن ينبغي لنا أن نغطي هذه التكاليف من خلال زيادة الضرائب على الدخول وصافي الثروة المرتفع، وضريبة الكربون، والرسوم المستقبلية التي تيم تحصيلها على البنية الأساسية الجديدة. ونحن في احتياج إلى الضمير الليبرالي، ولكن من دون عجز مزمن في الميزانية.
إن عجز الميزانية الضخم وارتفاع نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي ليس من النزعة التقدمية في شيء. ذلك أن العجز الضخم لا يخلف أثراً يمكن الاعتماد عليه لخفض معدل البطالة، ومن الممكن أن يتسق خفض العجز مع انخفاض معدل البطالة.
إن كروجمان من عظماء المنظرين الاقتصاديين -وهو مجادل عظيم. ولكن ينبغي له أن يضع محل قبعته الجدلية قبعته الأخرى التحليلية وأن يتأمل بشكل أكثر عمقاً في التجربة الأخيرة: خفض العجز المصحوب بالتعافي، وخلق الوظائف، وانخفاض معدل البطالة. ولابد أن تكون هذه مناسبة تجعله يعيد التفكير في تميمة الاقتصاد الكلي التي تبناها لفترة طويلة، بدلاً من ادعاء البراءة لأفكار تبدو الاتجاهات الأخيرة وكأنها تناقضها.
 
* أستاذ التنمية المستدامة، وأستاذ السياسات الصحية والإدارة.
خاص بـ"الغد" بالتعاون مع بروجيكت سنديكيت.