أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    01-Dec-2019

بياضات الجمعة السوداء*رمزي الغزوي

 الدستور

لربما سيكون على علماء الاجتماع، أن يعيدوا النظر في تعريف الإنسان، من كونه كائناً اجتماعياً ناطقاً، إلى كائن متسوق شغوف بوهم العروضات، لاهث وراء فرص التخفيضات، وأخبار التصفيات. يفرّغ جيوبه وجنونه في حمّى الأسواق. 
وأرى أنه، وبعد يوم الجمعة السوادء أو البيضاء، لن يقبل منا كمواطنين، أن تعلو عقيرتنا وتضج بالشكوى والتذمر من الغلاء الفاحش، وضيق العيش، وقلة ذات اليد. فقد أبت الدراهم إلا أن تطلَّ بأعناقها. فمن شهد أسواقنا يوم الجمعة وراقب أو عايش أو شارك في ذلك الإحتشاد والزحام والجنون في التسوق سيقول عنا قولة حق لا قبل لنا بردها: إننا مثل عصافير التين، نأكل وننين (نتشكى).
لا يدرك معنى السوق، ذلك الذي قد يعتقد يوماً أنه سيغلب تاجراً. فالتجار أشطر منا دوماً. هم خبراء بنفسيتنا وتفاصيلها، وهم قادرون على نصب شراكهم للإيقاع بنا. فيعرفون كيف يلتفون دوما لبيعنا بضائعهم بالسعر الذي يحدّدونه، وبالتأكيد هم لن يقترفوا يوما بيع سلعة بسعر تكلفتها. ولهذا يعلو دوماً سؤال ناري في صدرونا: كم كانوا يربحون منا إذا ما خفضوا سلعهم بنسبة تسعين بالمئة؟؟؟.
أكثر من ستة مليارات دولار بلغت أرباح تجار التجزئة في أمريكا يوم الجمعة السوداء، وهي تقليد مبني على تدعيم ثقافة الاستهلاك وترويجها، وإلى تكديس ما لا حاجة لنا به، إلا أن سعره انخفض عما كان عليه. ففي ذلك التقليد المتبع منذ أكثر من قرن دأبت الأسواق أن تعلن تخفيضات بعد عيد الشكر الذي يحلّ أواخر تشرين الثاني.
نعرف أن الأسعار التي نشتريها في الأيام العادية ليست عادلة، بل هي مبالغ فيها، وفيها تلحيم للمستهلك بدليل أن التاجر حين يضاعف رأس ماله مرات قد يتفضل علينا بتخفيضات تلامس التكلف الحقيقية لسلعته. ولكنهم ليسوا فنانين في هذا فقط، بل قد تحالفوا لجعلنا مخلوقات يعجبها أن تقضي وقتها وراء عربات تسوق لا تمتلئ. كائنات منساقة وراء تخفيضات وهمية. والنتيجة أن بيوتنا غدت مخازن لما لا لزوم له.
التجار مهرة في ركوب الموجات. فهم قد ركبوا موجة عيد الحب من قبل، وروجوا علينا وروداً حمراء والدببة اللطيفة بأسعار خيالية. وركبوا موجة عيد الأم، وقلبوه عيدا للطناجر والكفاكير وأدوات المطبخ. وركبوا مؤخراً يوم العزابية، وهم بكل تأكيد يتحينون أية فرصة تطيح بنا. 
قديماً قالوا: (رزق الهبل على المجانين). ولكن هذا القول غير موفق في جزئه الأول. فالتجار ليسوا (هُبلاً) أو سذجاً أبداً. بل هم على قدر من الذكاء والحيلة. مع بقاء دمغة الجنون في كثير منا.