أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    14-Jun-2015

الصين: الشريك المسؤول

 

باري ايكنجرين
 
طوكيو ـ الغد- تعال إلى آسيا، وسوف تسمع جوقة متنامية من المنشدين الذين يعربون عن تخوفهم من أن الصين تعكف على بناء مجال نفوذ في المنطقة. فلتشجيع الاستثمار الأجنبي الصيني، هناك البنك الآسيوي للاستثمار في البنية الأساسية، الذي تستعد الحكومة لامتلاك 30% من أسنهمه. وهناك مبادرة الصين "حزام واحد، طريق واحد" لبناء الحزام الاقتصادي طريق الحرير الذي يمتد عبر آسيا الوسطى، وطريق الحرير البحري الذي يربط الصين بجنوب شرق آسيا، والمحيط الهندي، والشرق الأوسط، ثم أوروبا في نهاية المطاف.
وعلى الجانب المالي، تروج الصين للاستخدام الدولي الأوسع لعملتها الرنمينبي. وعلى نحو متزايد تؤكد الصين على مصالحها عسكريا، فتعمل على تحصين جزر سبراتلي المتنازع عليها وبناء مدارج للطائرات قادرة على استيعاب طائرات مقاتلة.
عندما نفكر في هذه المبادرات، فمن المهم أن نتناولها من منظور مختلف بعض الشيء. لا شك أن مخافر الصين الأمامية الجديدة على الجزر في بحر الصين الجنوبي تشكل تهديداً ليس فقط لأمن فيتنام والفلبين وغيرهما من البلدان المجاورة، بل وأيضاً لحقوق هذه البلدان في مجالات مثل التعدين وصيد الأسماك. والمجتمع الدولي لديه مصلحة مشتركة في تثبيط مثل هذه الأنشطة وتعويقها.
بيد أن مبادرات الصين الاقتصادية، والتي تَعِد بفوائد جمة تعود على الداخل وعلى شركاء البلاد، شأن مختلف. فمن منظور الصين تقدم مشاريع مثل البنك الآسيوي للاستثمار في البنية الأساسية وطريق الحرير بدائل للاستثمار المحلي غير المنتِج. وإرساء الأساس للتجارة المتزايدة بين الصين، وجنوب آسيا، وآسيا الوسطى الناشئة يمثل منفذاً لقطاع البناء الصيني أفضل كثيراً من بناء المزيد من مدن الأشباح في الداخل.
ومن جانبها، سوف تستفيد البلدان في هذه المناطق الأخرى من التجارة الإضافية. فبنك البنية الأساسية الذي تقوده الصين، والذي يساعد في تلبية احتياجاتها الممتدة من البنية الأساسية، كفيل بدمج هذه البلدان بشكل أكثر عمقاً ليس فقط مع الصين بل وأيضاً مع بقية العالم.
ومكمن القلق هنا هو أن الصين، باعتبارها المساهم الأكبر في البنك الآسيوي للاستثمار في البنية الأساسية، سوف تهيمن على البنك وتشوه عملية اتخاذ القرار داخله. والنتيجة كما يقول المشككون هي أن مشاريع السكك الحديدية والطرق التي يمولها البنك لن تؤدي إلا إلى الصين، في حين يصبح المستفيدون أكثر اعتمادا ــ وليس فقط ماليا ــ على الممول القوي.
ولكن انضمام أكثر من خمسين دولة، بما في ذلك اقتصادات متقدمة ذات قيم ديمقراطية، إلى البنك الآسيوي للاستثمار في البنية الأساسية يعني إمكانية مراقبة تصرفاته. كما تَعِد الصين بأن يكون البنك مفتوحاً وشفافا. ومن المنطقي أن يفسر الشك لصالح المتهم، على الأقل إلى أن يثبت العكس.
وعلى نحو مماثل، لابد من تشجيع تدويل الرنمينبي بدلاً من مقاومته. من المؤكد أن الاستخدام الدولي الأوسع نطاقاً للرنمينبي كأداة للتجارة والاستثمار عبر الحدود من شأنه أن يزيد من اعتماد بلدان أخرى على الائتمان المقوم بالرنمينبي في أوقات الأزمات. واعترافاً منه بهذه الحقيقة، تفاوض بنك الشعب الصيني على خطوط تبادل العملة مع بنوك مركزية أخرى كما عين أحد البنوك التجارية الخمسة الكبرى المملوكة للدولة كبنك مقاصة رسمي لتسوية المعاملات بالرنمينبي في مجموعة متنوعة من المراكز المالية الخارجية.
ومن ناحية أخرى، طلبت الصين من صندوق النقد الدولي ضم الرنمينبي إلى سلة العملات التي تؤلف حقوق السحب الخاصة (وحدة حساب العملة لدى الصندوق). وهي نتيجة ينبغي لبقيتنا أن يرحبوا بها، لأن هذا من شأنه أن يعطي الصين حصة أكبر في المؤسسة المتعددة الأطراف التي تشرف على تشغيل النظام النقدي العالمي.
وتدويل الرنمينبي مرغوب أيضاً لأنه يعطي العالم مصدراً آخر من مصادر السيولة العالمية إلى جانب الدولار. فعندما تسوء الأمور مالياً في الولايات المتحدة، كما حدث في عام 2008، سوف تتمكن دول أخرى من الاستفادة من المدد الاحتياطي من الائتمان لحالات الطوارئ.
الواقع أن الصين حددت بنوكاً للمقاصة، وتفاوضت على خطوط التبادل مع بلدان كثيرة ليس في آسيا فحسب بل وأيضاً في أوروبا ونصف الكرة الغربي. وبدلاً من محاولة بناء كتلة نقدية في آسيا، يبدو أن الصين تسعى إلى رفع الرنمينبي إلى وضع العملة العالمية الحقيقية التي قد تنافس الدولار ذات يوم. ونظراً للمزايا الكامنة في وجود أكثر من مقرض واحد في حالات الطوارئ ومصادر متعددة للسيولة الدولية، فإن هذا لن يكون إلا تطوراً محموداً بالنسبة لبقية العالم. لا شك أن الصين تشعر بالثقة في قدراتها وتفرض نفسها بقوة أكبر. وحيثما تهدد تصرفات الصين جيرانها، كما هي الحال مع مطامعها الإقليمية في بحر الصين الجنوبي، فمن الأهمية بمكان معاقبة هذه التصرفات بقوة ومقاومتها. ولكن عندما تَعِد سياساتها بفوائد اقتصادية تعود على بلدان أخرى، كما هي الحال مع تمويل البنية الأساسية من خلال البنك الآسيوي للاستثمار في البنية الأساسية ومبادرة طريق الحرير، فلابد من تشجيعها. ويصدق هذا بنفس القدر على مبادرات مثل تدويل الرنمينبي، والتي من شأنها أن تساعد في إدماج الصين بشكل أكثر عمقاً في الاقتصاد العالمي، وتعظيم مصلحتها في الحفاظ على استقرار النظام الدولي.
يتعين على المجتمع الدولي، بدلاً من الإحجام في خوف، أن يبادر إلى تشجيع مشاركة الصين البنّاءة. ولابد أن تكون الخطوة الأولى نحو تحقيق هذا الهدف إلقاء نظرة أكثر دقة وتأنياً على مبادرات الصين الأخيرة.
 
*- أستاذ بجامعة كاليفورنيا في بيركلي، وجامعة كمبريدج. وأحدث مؤلفاته كتاب "قاعة المرايا: الكساد الأعظم، والركود العظيم، واستخدام،وسوء استخدام، التاريخ".
حقوق النشر خاص "بـ الغد" بالتعاون مع "بروجيكت سنديكيت"