أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    30-Jul-2017

حراس البنايات.. ظروف عمل خاصة بالعمالة الوافدة

الغد-أحمد أبو خليل
 
في كل مرة يجري فيها نقاش مسألة العمالة الوافدة وإمكانية إحلال المحلية مكانها، يظهر مَن يشير إلى العاملين في قطاع حراسة المباني، وهو قطاع يكاد العمل فيه يقتصر على القادمين من مصر على وجه التحديد، وفي إحدى موجات النقاش قبل سنوات، جرى التفكير بتدريب أو تشجيع العمالة المحلية على اقتحام هذا الميدان، وعلى الدوام هناك من يتطوع لإحصاء عدد هؤلاء الحراس وإحصاء حجم الأجور التي يتلقونها، وبالتالي حجم المال "العملة الصعبة" الذي يخرج من البلد عن طريق هذا القطاع.
ما الذي جعل العمل في هذا المجال مقتصراً على العمالة المصرية؟ وهل إحجام العمالة المحلية عنه مجرد خضوع لما يسمى ثقافة العيب؟ أم أن هناك مواصفات خاصة بهذا العمل تجعله يمارس بهذه الطريقة ومن قبل هذه الفئة بالذات؟
سنحاول هنا الاقتراب من الحياة الداخلية للحراس في سعي للإجابة عن سؤال اختصاص العمالة المصرية بهذا الصنف من العمل، وهل توجد موانع فعلية تحول دون دخول العمالة المحلية إليه.
مباشرة سوف نكتشف أن هناك صنفين من حراس المباني: الأول في المباني قيد الإنشاء، أي عن طريق تعيين حارس يقيم في موقع البناء، وينتهي عمله مع انتهاء البناء وبيعه أو تسليمه لأصحابه، وعادة ما ينتقل الحارس إلى مبنى آخر يعود للمقاول نفسه.
أما الصنف الثاني، فهو الحراسة على المباني المأهولة، حيث يتفق سكان البناية الواحدة متعددة الشقق، على توظيف حارس يقيم في المبنى، عادة في التسوية في طابق الكراجات والبويلرات.
كما سنرى بعد قليل، ورغم وجود بعض التداخل بين العاملين في هذين الصنفين من الحراسة، فإن لكل منهما ظروفه وأسرار صنعته.
حراسة المباني قيد الإنشاء
تعد إقامة غرفة صغيرة من الطوب "الناشف"، أول خطوة يقوم بها متعهد البناء، يسمونها مباشرة "غرفة الحارس" رغم أنها تعد مشاعاً لجميع العاملين، بل إن الحارس يكون مضطراً لمغادرة غرفته أو الانزواء خارجها، عندما يدخلها غيره.
ويتم بناؤها عادة، عن طريق ترتيب صفوف من الطوب بلا فواصل إسمنتية للتثبيت، وذلك لكي تَسهل إعادة فكها واستخدام طوبها، ويتم سقف هذه الغرفة بأي مواد متوفرة مناسبة للسقوف المؤقتة، مع ترك فتحة باب وفتحة نافذة.
وإلى جانب هذه الغرفة وعلى مسافة تتحدد بحسب المساحة المتاحة في كل حالة، تقام غرفة أصغر بكثير من الأولى، وأكثر عشوائية منها، ستكون هي "المرحاض" الذي يستخدمه الحارس والعمال خلال فترة البناء.
إلى هذه الغرفة ينتقل فراش الحارس وأدواته من موقع إلى آخر، وبالنسبة لمحدثنا فإن بعض الأدوات من أثاث الغرفة تعود ملكيتها إلى المتعهد أو المقاول، باستثناء الأدوات الشخصية للحارس.
يقيم الحارس عالمه الخاص في هذه الغرفة، فكل ما فيها مؤقت. فالسرير مسنود إلى الطوب وقد يكون بكامله من الطوب، ويرتفع جهاز التلفزيون على الطوب وكذلك موقد الغاز.
فقد جرت العادة أنه بعد انتهاء يوم العمل، لا ينتهي عمل الحارس مع أنه قد يصبح أكثر حرية؛ إذ إن مسؤوليته عن الموقع تستمر، وهو كذلك، يقوم ببعض الأعمال المساندة بلا مقابل؛ فهو يقوم بدور مراقب للعمل وللعمال، وعليه كذلك خلال النهار مساندة العاملين في البلاط والقصارة وبعض أعمال التحميل والنقل، كما يقوم بأعمال التنظيف المختلفة، وهو إجمالاً في خدمة باقي العاملين في كل شؤونهم.
أكلُه وشربُه على نفقته الخاصة، إلا ما قد تجود به نفس العاملين ومتعهد البناء، وله إجازة زيارة لبلده غير مدفوعة الأجر، تتحدد بالاتفاق مع المقاول؛ حيث ينتهي عندها تعاقده رسمياً، بمعنى أنه لا توجد أي ضمانات تمكنه من استئناف العمل عند العودة، والأمر متعلق بموقف المقاول منه.
بالنسبة للبنايات السكنية المخصصة للبيع، يكون من واجب الحارس أن يروّج للشقق عند الزبائن، وأن يشرح لهم مزاياها الفريدة دائماً، وأن يؤكد لهم حسن أخلاق المقاول الذي لم يبخل على هذه البناية بالذات، وكثيراً ما يكون الحراس على دراية بمزاج المواطنين الأردنيين واحتياجاتهم في الشقق، من حيث الإطلالة الجميلة للشقة حينما تلزم الإطلالة و"التستير" حين يكون التستير مطلوباً.
بالنسبة لمحدثنا، فإنه يتلقى أجرة تبلغ 240 ديناراً تدفع شهرياً، وهذه الأجرة لم تكن كذلك طيلة الوقت، فقد تمت زيادتها بعد موجة رفع الأسعار الأخيرة.
حراسة المباني المأهولة
يحصل في بعض البنايات السكنية وخاصة في غرب وشمال عمان أن يتفق القاطنون في الشقق على تعيين حارس ثابت متعدد المهمات.
يقيم هذا الحارس في غرفة صغيرة غالباً ما تكون في طابق التسوية إلى جانب غرفة البويلر، أو مُقْتَطعة من المساحة المخصصة للكراجات.
تتفاوت أجرة الحارس بين 10 و15 ديناراً عن كل شقة، وعادة ما يضاف إليها 5 دنانير شهرياً من كل صاحب سيارة مقابل غسيلها، ويمكن أحياناً الحصول على بعض "الإكراميات" أو "العيديات"، كما يحصل أن يزوَّد الحارس ببعض الطعام، ولكن هذا الأمر يعد اختيارياً، ويتحدد بحسب موقف صاحب الشقة أو بالأحرى، زوجة صاحب الشقة.
بالنسبة لمحدثنا الذي خدم كحارس في عمان الغربية، ويخدم الآن بالصنعة ذاتها، في أحد أحياء شمال عمان الجديدة، فإنه يسكن في غرفة صغيرة لا تتجاوز مساحتها ثمانية أمتار مربعة، ملحق بها حمامٌ صغير، وهو يستخدم جزءاً من "غرفة البويلر"، كمطبخ يضع فيه الغاز وبعض الأدوات.
يقول محدثنا "إن الناس في عمان الغربية مقتدرون ويدفعون أكثر، غير أن "نفسيّات" الناس في مواقع أخرى أحسن، فالبعض مثلاً في عمان الغربية "دفّيعة"، غير أنهم يريدون من الحارس أن يقوم بكل الخدمات حتى تلك الخاصة بأطفالهم، بينما لاحظ في البناية الجديدة التي يعمل بها حالياً في شرق عمان، أن ساكنيها يمنعون أطفالهم من طلب أشياء شخصية من الحارس، بل إنهم يكلفونهم ببعض أعمال الحارس على سبيل التربية".
ظروف عمل لا يحتملها المواطن
الحارس مطلوب ليلاً نهاراً، وهناك تلفون في غرفته عليه أن يجيب عنه في أي لحظة، وكثيراً ما يتم إيقاظه ليلاً لأمر ما، فالحارس في البنايات مسؤول عن كل ما هو خارج الشقة مما يتعلق بالبناية؛ فهو مسؤول عن نظافة الدّرج والمصعد، وعن سقاية المزروعات إن وجدت، وعن مدخل البناية ومدخل الكراج، وهو مسؤول أمام الجهات الرسمية في حالة حصول أي مشكلة، كالسرقة مثلاً.
للحارس يوم عطلة أسبوعي في النهار فقط، أما المبيت فينبغي أن يكون في البناية يومياً، والمعروف في هذا القطاع أن العامل المصري الأعزب عادة لا يعود إلى مصر إلا للزواج، وهو إذا عاد إلى بلده من دون تكاليف الزواج، فسيتعرض للوم شديد، باعتباره فشل في الغربة، ولهذا فإن الحارس في البناية قد يمضي سنوات طويلة في المكان ذاته، ولا يحتاج للمبيت خارج البناية كما لا يحتاج إلى إجازات إلا عند انتهاء عمله.
ومع هذا فإن بعض الحراس يحضرون زوجاتهم معهم وقسم منهن يساعدنهم في بعض الأعمال الخدمية المشابهة مقابل أجر إضافي، وبعضهم لا تخرج زوجته من الغرفة نهائياً لأسباب تتعلق بالتقاليد.
في الحالتين؛ أي في حالة حراس البنايات قيد الإنشاء، أو البنايات المأهولة، فإن مواصفات العمل في هذا المجال لها خصوصيتها ولها "سر صنعة"، وبالنسبة للقادمين من مصر فقد تشكّلت لديهم خبرات طويلة، يصعب أن تتوفر للعمالة المحلية. ومن الخطأ النظر إلى الأمر على أساس قيمة الدخل الذي قد يراه البعض كبيراً! لأن حجم الترشيد المطلوب أن يراعيه الحارس في إنفاقه، يصعب التحكم به إلا من قبل مَن جربه فعلاً، هذا فضلاً عن باقي العناصر التي تشكل مجمل ظروف هذا العمل، والتي لا تتوفر إلا عند هذه الفئة من كادحي العمالة الوافدة.