أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    27-Mar-2020

التغير والتطوير الآن*جمال الطاهات

 الدستور

التغيير والتطوير الآن، ليس فقط من أجل تقليل كلفة الفيروس الإنسانية والاقتصادية الآن، بل وأيضاً ضرورة لتقليل كلفه المستقبلية. فمن يتلكأ في التطوير في ذروة الأزمة، سوف يدفع كلف مستقبلية. وهذه الطبيعة الملتبسة وغير الخطية للتطور، متعلقة بالعلاقة التبادلية بين الحاضر والمستقبل. فالمستقبل يتقرر ويأخذ شكله بالخيارات التي نصنعها الآن. وتصورنا له، يقود سلوكنا، ويشكل جزءا مهما من خياراتنا.  
 
لا شيء يدوم مثل الإجراءات المؤقتة. هذه مقولة لنابليون بونابرت. ما يجعل هذه المقولة ذات مصداقية، هي السعي لضمان عدم تكرار الأزمة. ويعززها ما يقدمه المؤرخون من أن المجتمعات تطورت أدواتها وقواعد عملها، تحت ضغط «الأزمات» وضرورات الاستجابة لها. وكانت النظم والقواعد التي تبلورت في الأزمات تقود إلى منتجات تاريخية تضمن عدم تكرارها.  
 
فقد قيل بأن الأزمات هي «قابلة» للتطور. فقبل الأزمات تكون المجتمعات حُبلى بممكنات متنوعة وكثيرة، ويتعرض تحقيق أي من هذه الممكنات (الخيارات أو البدائل) لمقاومة شديدة من حراس الراهن الذين لهم مصلحة في إدامته وتأبيده. تأتي الأزمة وتفرض ضرورتها، وتقود إلى ميلاد آليات وقواعد جديدة. فالأزمات هي مخاض لميلاد نظم جديدة. وأهم إنجاز للأزمات أنها تعزز من قوى التغيير، وتكبح قوى الممانعة. فالأزمات بهذا المعنى تفعل ديناميكيات التطوير. فبالرغم من كل مخاطرها، هي منجم فرص لمن امتلك رؤية للمستقبل.    
 
وهذه الوظيفة التاريخية للأزمة، مرهونة بعاملين الأول ما هو متاح من تقنيات ووسائل ضمن الممكنات البشرية. والثاني هو متطلبات وضرورات التخلص من المخاطر وضمان عدم تكرارها. فالطاعون الكبير في القرن التاسع عشر، هو الذي قلل الدور الأمني للإقطاعيين والفرسان، وفرض ضرورة تشكيل قوات شرطة ذات طابع مدني احترافي. وبالرغم من الممانعة لهذه الخطوة، تم فرضها لأنها كانت ضرورة لحصر انتشار الطاعون. 
 
فالتغيير في تنظيم طبيعة الأجهزة الشرطية لم يأت بعد الطاعون، بل جاء في خضم المعركة ضده. ولكن هذه المعركة أنتجت خيارات وبدائل جديدة استمرت حتى يومنا هذا، تحت فاعلية ضمان الاستعداد لمواجهة الطاعون في حال عودته. كما أن ذات الطاعون غير من وظيفة الجامعات. فقبله كانت الجامعات مجرد منصات لتكريس الإقطاع والكنيسة. وقصة نوستردامس توضح بدء تمرد المثقفين والأكاديميين، وبدايات تبني منطق العلم، باعتباره ضرورة لضمان عدم تكرار الطاعون.
 
من المبكر الحديث عن أي من منتجات المعركة ضد كورونا التي ستدوم لأجيال قادمة. ولكن المجتمعات التي ستبدع وسائل وآليات عمل الآن، لاحتواء كورونا، ومنع تجدده، هي التي ستفرض خياراتها على كل البشرية. والمجتمعات التي تتلكأ وتتعثر ليس أمامها خيار في المستقبل إلا قبول ما سيفرضه الناجحون. 
 
وحتى لا تدخل مجتمعاتنا من جديد في صدمة ما بعد كورونا، من الضروري التفكير الآن، في متطلبات تكيفها مع الأزمة الراهنة. فنجاحها الآن هو الذي سيقلل من الكلف السياسية والاقتصادية والثقافية في المستقبل.