أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    20-Apr-2014

التعليم العالي والاقتصاد السياسي - د. سلامه طناش

الراي - إن المتتبع لحركة التعليم العالي في الأردن يدرك بأن مؤسساته وبمختلف تصنيفاتها قد تعرضت في العقدين الماضيين لضغوطات كثيرة ومؤلمة، وذلك للسعي بها نحو الخروج عن مجمل المبادئ الأساسية التي من اجلها انشئت. فبينما أخذت مصادر التمويل الحكومي تتقلص ظاهريا، أصبحت الضغوط تمارس على هذه المؤسسات للتخلي عن قسم كبير من الاستقلالية المؤسساتية، وذلك من أجل تلبية متطلبات الضغوط الاحتماعية، والوفاء بمستلزمات الأبعاد السياسية المنبثقة عن هموم الدولة. مما أبعد المنطق الاستراتيجي للتخطيط عن هدفه. إذ إن نظام التعليم العالي الأردني لا يمكن له أن يعيش بمعزل عن التغييرات الجارية في مجال التمويلات والتحولات السياسية في المنطقة بأكملها، والمتعلقة بحركية ودينامكية ظاهرة العولمة!

إن الضغوط التمويلية لمؤسسات التعليم العالي قد تدفعها إلى إعادة تقييم رسالتها الاجتماعية، وإعادة النظر في أولوياتها الأكاديمية، وبنيتها التنظيمية. كماويتم طرح موضوعات المساواة في حق الالتحاق بالتعليم العالي، وتيسيره، وإدارة شؤونه وفاعليته بشكل مستمر.وقد تكون هذه الموضوعات ترتبط بشكل جذري برأس المال السياسي.وما محاولات التعتيم على البعد الاجتماعي المرتبط بالقدرة الاقتصادية، والطبقية المنعكسة عن رأس المال السياسي ما هي الا مؤشرات إلى إنهيار العقد الاجتماعي المتزن باتزان الطبقة الوسطى للمجتمع. لذا فإن ذلك يستدعي إعادة النظر بالترتيبات المتعلقة بالانتاج وفرص العمل ودعم القوى العاملة بالتعاون مع رأس المال، وضرورة اشراكه بعمليات القرار الاقتصادي الاجتماعي وحتى السياسي، مع محاولة توظيفه لمصلحة المجتمع وتنميته وفقا للأبعاد الاجتماعية. إذ إنني أعتقد بأن الهدف التنموي والبنيوي لبرامج التطوير يُفترض أن يقوم على إعادة تأهيل قطاعات المجتمع الانتاجية الصناعية، والزراعية، والتعليمية، وبما يتوافق مع متغيرات راس المال السياسي ليتم توجيهها نحو الانتاج والتصدير. فالتنمية ووفقا لأهدافها تقوم على مجموعة من المتطلبات والشروط، كالإشراف المباشر من الحكومة، وخفض الانفاق العام، وسياسات مالية متشددة تعمل على جسر التضخم، وتشجيع وتأهيل قطاع الانتاج والتصدير، وخفض الرسوم على الواردات الانتاجية....... وزيادة المدخرات العامة والخاصة. لذا، فإن تشجيع التعليم العالي باعتباره سلعة اقتصادية، يجب أن تأخذ بعين الاعتبار المفاهيم الاقتصادية السياسية، لتصبح قادرة على الانتاج الواعي لدعم وتعزيز القدرة التنافسية في عصر العولمة، واقتصادياته، مما يتطلب إعادة النظر في إدارة هذه المؤسسات وبالتأكيد تصويب برامجها. إذ إن الاستمرار بهذا النهج الروتيني لا يعالج قضايا مستقبلية، بل سينتج مشكلات وارباكات اجتماعية وسياسية يصعب معالجتها أو ايجاد الحلول الناجحة لها مستقبلا. ففهم ديناميكية العولمة في التعليم العالي وفهم الفعل وردات الفعل العالمية يمكن ملاحظتها في تغيير سلوكيات الأفراد الاستهلاكية، وسلوكيات المجتمعات أو الدول الاقتصادية. إذ لم تعد مؤسسات التعليم العالي مغلقة في اسوارها، بل فُتحت لأبواب لم تكن مفتوحة من قبل. إن ما يؤسف له أن نرى عمليات الإصلاح الاقتصادي، قد أدت إلى ما يعرف بالاقصاء الاجتماعي والذي خلف شرائح واسعة لا تستطيع أن تحصل على الحد الأدنى من الحقوق الاجتماعية أو العوائد الاقتصادية. إن على الدولة أن لا تنحى الى تطبيقات اللبيراليين في الاقتصاد بشكل مطلق، وعدم تركهم متحررين من المثل العليا. إذ عليها أن تبقى لصيقه لهم في كل العمليات لمراقبة التوجهات والسياسات وبما يخدم البعد الاجتماعي.
إن العولمة لا تتجسد فعليا في المجال الاقتصادي، بل تعدت ذلك إلى المجالات السياسية، والتعليمية، والثقافية، والاجتماعية. إذ هناك محاولات جادة للدمج التعددي الطابع، والممنهج من خلال تقنيات الاتصال الحديث. كما يلاحظ تصاعد للبعد السياسي وبشكل تدريجي ضمن مفاهيم العولمة ويتمثل ذلك في المؤسسات المتعددة الجنسيات، إذ يمكن توظيف التعليم العالي ومؤسساته في هذا الاطار. وقد يكون لهذا التحول تبعات وتعقيدات خطيرة على بنى نظم التعليم. كما أن عملية إعادة الهيكلة والبناء لمؤسسات التعليم العالي، لا بد وأن يرتبط بشكل مباشر أو غير مباشر بالاطار المرجعي لديناميكية السلطة والقوة الكامنة للاقتصاد العالمي، وقدرة الشركات الكبيرة والمتعددة الجنسيات على إحداث التغيير المباشر.
وهكذا، فإن عملية إعادة الهيكلة لمؤسسات التعليم العالي، وبنائها وفقا لمتطلبات القرن، إنما هي ضرورة ملحة، وكاستجابة مرنة وفقا للتداخل البنيوي وعلى المستوى الوطني، والاقليمي، والعالمي. إذ لا بد من ايجاد رؤية للتنسيق بين علاقة التعليم العالي وأهداف قطاع الشركات والصناعة والتجارة، كمحاولات للدخول في الزخم التنافسي العالمي. كما لا بد من وجود اجماع وطني يؤكد على أهمية القطاع الخاص بالنسبة للاقتصاد الوطني، وقطاع التعليم العالي وفق أسس وطنية راسخة. إذ لا يمكن في هذه الألفية أن يحقق القطاع الاقتصادي بمجمله أرباحا إلا من خلال التعليم العالي القادر على التنافس في المنظومة العالمية، والقدرة على تقديم برامج متقدمة ومتميزة وبأقل التكاليف، وفقا لحسن إدارة الموارد. وكذلك لا بد من التنسيق وايجاد علاقات واضحة بين مؤسسات التعليم العالي وسوق العمل.
إن العديد من مؤسسات التعليم العالي هي في حالة طوارئ نتيجة لتقليص التمويل لها. وقد ترتب على ذلك قرارات أثرت بشكل سلبي في قدرتها على دخول التنافس الحر في تقديم برامج يمكن أن توسع عملياتها، وخاصة في مجالات الابحاث التطبيقية، والأساسية. لذا، قد تبدو هذه الأمور مغرية لرأس المال السياسي للدخول وفقا لقدرته الهائلة على تحريك الأمور وبالاتجاه الذي يريد. مما قد ينتج عن ذلك استثمار غير مريح وغير ملائم للمجتمع، ومكوناته. إذ سوء التخطيط، وعدم الكفاءة المؤسساتي، وسوء توزيع الموارد المختلفة، كلها مشكلات يعاني منها قطاع التعليم العالي. وما يتجلى من اصلاح هنا أو هناك انما يتمثل في اللغة المستخدمة والقدرة على استخدام تقنية المفردات ببراعة.
وبرأيي فإن إعادة توجيه نظام التعليم العالي نحو حاجات سوق العمل التقني، وتوزيع الدعم نحو البرامج التي تلبي هذه الحاجات هو أمر في غاية الأهمية، وهو أمر ملحٌ، لنصل إلى مرحلة الانتاج والتصدير ولو لجزئية محددة في نظام العولمة.