أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    01-Jul-2016

الإصلاح ومقاومته في حلقة مفرغة*جميل النمري

الغد-مع أن الأردن، بموارده المحدودة، لا يملك ترف هدر الموارد المادية والبشرية والوقت، فقد بلغنا حد الاحتراف وأصبحنا مدرسة في أمرين: تخطيط مشاريع الإصلاح، ثم تخطيط إفشالها. وهكذا ننشغل كثيرا ونتعب كثيرا وننفق كثيرا، لنحصد القليل.
لا أريد هنا تفسير الظاهرة، ويمكن قول الكثير عن خلفياتها. لكن أريد تسليط الضوء فقط على آلياتها، وليستنتج كل واحد ما يشاء. فما يحصل أن القوى والأشخاص والفعاليات الأكثر تنورا وتقدما في المجتمع وفي الدولة، تضغط من أجل قضية معينة وتحشد كل جهد ممكن وتنجح في إقرار توجه ما. وبالطبع، يحتاج الأمر إلى تشريع يبدأ وضعه في المستوى المعني. وهنا في المفاصل يظهر دور لمرجعيات ومفاهيم محافظة وبيروقرطية، تعتبر واجبها حماية التشريع من كل هرطقة حداثية.
كنت ألمس ذلك قبل النيابة من الخارج، وأصبحت ألمسه بأصابعي العشرة كل يوم في النيابة. وأذكر خلال عملي الصحفي أنني واكبت مشروع المجلس الاقتصادي الاجتماعي، وهو فكرة ريادية لوضع الأطراف الاجتماعية الثلاثة؛ العاملين وأرباب العمل والدولة، في هيئة مشتركة لبحث كل شأن اقتصادي واجتماعي على قاعدة المفاوضة للتسوية بين المصالح المتضاربة وترجيح المصلحة العامة. وقد شارك ممثلون من الأردن، بما فيهم الإعلام، في عدد كبير من ورش العمل في الخارج والأردن حول المشروع، وحصلنا على تمويل أوروبي لدعمه. وبعد 3 سنوات على الأقل من إقرار الفكرة، توصلنا إلى إقرار إنشاء قانون للمجلس، وإقرار التشريع. لتنفتح القضية الحقيقية والوحيدة المهمة، وهي المناصب؛ أي توزيع العضوية واختيار رئاسة هذا الجسم الجديد الذي كان المكسب الوحيد الذي حققه هو توفير أمكنة إضافية لتلبية الطلب على المناصب والوجاهة. فالمجلس، عمليا، تم إفراغه من محتواه وموجبات إنشائه. وحصل بعد ذلك أن انفتحت مئات المواجهات والنزاعات المطلبية المريرة في كل قطاع، بلغت ذروتها خلال "الربيع العربي"، لم يكن للمجلس أي دور فيها مع أن أصل موضوعه هو أن يكون إطارا مؤسسيا استباقيا لبحث القضايا الاقتصادية الاجتماعية في كل قطاع، وتحضير الأفكار والمقترحات لمعالجتها بحضور الأطراف المعنية. لكن المجلس صمم بطريقة شكلية تلغي أي دور حقيقي له، سوى عقد الندوات وعمل الدراسات لتبرير وجوده.
وقل مثل ذلك عن ديوان المظالم الذي نشأ عن فكرة نبيلة، هي وجود مرجعية مؤسسية للتظلم والإنصاف قبل القضاء، وهي موجودة في عدد من الدول المتقدمة. وجرى حولها الكثير من النقاش، وعقد الكثير من ورش العمل. وفي النهاية، رأي الديوان النور واستمر لفترة، ولم يكن مقنعا، وطاله ما طال بقية المؤسسات المستقلة التي دهمتها موجة الاحتجاج عليها كظاهرة توالدت في غفلة من الزمن لتفكيك الدولة وصنع مزارع الامتيازات المستقلة الخارجة على الرقابة، وذهب الصالح بعروى الطالح، والفكرة الطيبة بعروى الخبيثة، لأن كل فكرة جيدة ومشروع إصلاحي تم افراغه من الداخل.
كل فكرة وكل مشروع وكل قانون إصلاحي، تعرض تقريبا للمسار نفسه؛ قانون الانتخاب، قانون الأحزاب، قانون اللامركزية، قانون البلديات، قانون ضريبة الدخل، قانون الاستثمار... إلخ. ففي كل واحدة منها وفي غيرها كان العنوان والمبرر الإصلاح، وفي المحتوى أجهضت بصورة أو أخرى فكرة الإصلاح. هذا حتى لا أصل إلى إصلاح مجلس النواب وفكرة النيابة نفسها.
وفي هذا الأيام، فإن الفكرة التي تستولي عليّ هي كيف نكسر هذه الحلقة المفرغة من الهدر الرهيب للموارد والطاقات والوقت. وللحديث صلة.