أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    25-Mar-2017

الاسترليني في رحلة طويلة نحو المجهول

فايننشال تايمز - 

تيريزا ماي، رئيسة الوزراء البريطانية، ستُرسل الأسبوع المُقبل رسالة رسمية إلى الاتحاد الأوروبي لتفعيل إجراءات الخروج المنصوص عليها في المادة 50. خروج بريطانيا من الاتحاد لن يحدث حتى تنتهي المفاوضات. هذا لا يعني أن نتيجة الاستفتاء في حزيران (يونيو) لا تترتب عليها عواقب اقتصادية.
فبحسب بين برودبينت، نائب مُحافظ بنك إنجلترا للسياسة النقدية، التصويت لمغادرة الاتحاد الأوروبي أدى إلى "انخفاض كبير" في سعر صرف الاسترليني. وإحدى النتائج المترتبة على ذلك هي حدوث "ارتفاع في أسعار الواردات وضغط على الدخل الحقيقي للأسر. لكن في حين إن تخفيض قيمة العملة ألحق ضررا بدخل الأُسر، إلا أنه كان بمنزلة نعمة لكثير من شركات التصدير".
لا يُمكننا الشك في الصلة بين الاستفتاء وتخفيض قيمة العملة. قبل الاستفتاء تحرّك سعر صرف الاسترليني من الناحية العملية صعوداً وهبوطاً مع الاحتمال المتصوّر لفوز حملة البقاء. عندما فازت حملة المغادرة انخفض بشكل كبير: بحلول يوم الأربعاء الماضي كان سعر الصرف الحقيقي بحسب الوزن التجاري النسبي "وفقاً لتقديرات جيه بي مورجان" منخفضا 13 في المائة عما كان عليه في 23 حزيران (يونيو).
ويُشير برودبينت إلى اثنين من التفسيرات المحتملة لهذه الصلة: "خروج بريطانيا من المتوقع إما أن يُضعف الطلب المحلي وإما أن يزيد تكلفة التصدير".
الحجة الكامنة وراء التفسير الأول هي أن سعر الصرف الحقيقي هو أيضاً سعر السلع والخدمات غير القابلة للتداول "في الأساس الخدمات المُقدّمة محلياً" قياسا بتلك القابلة للتداول "أي شيء يُشترى ويُباع بسهولة في الأسواق العالمية". إذا ارتفع الإنفاق في أي اقتصاد، فإن تأثيره في الطلب العالمي على السلع والخدمات القابلة للتداول سيكون أصغر مما هو على الطلب على تلك التي هي غير قابلة للتداول. لذلك فإن أسعار هذه الأخيرة سترتفع. هذا التحوّل هو ما يعنيه ارتفاع قيمة سعر الصرف الحقيقي. إذا كان من المتوقع أن يؤدي خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي إلى إضعاف الإنفاق، فإن سعر الصرف الحقيقي سينخفض. هذا سيظهر على شكل ارتفاع في سعر السلع والخدمات القابلة للتداول.
يُمكن اعتبار هذا على أنه أمر حميد. الحجة هنا هي أنه قبل الاستفتاء، سعر الصرف الحقيقي كان مرتفعاً فوق الحد. يُمكن ملاحظة هذا من الجمع بين اقتصاد يعمل بالقرب من الطاقة الكاملة ("فجوة إنتاج" صفر) وعجز كبير بشكل غير مستدام للحساب الجاري: في عام 2016 بلغ صافي الإقراض الأجنبي أقل بقليل من 5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. يُمكن القول إن وفرة التمويل هي ما يدفع الإنفاق المرتفع بشكل غير مستدام.
من خلال توليد الشكوك حول العوائد المحتملة، أدى الاستفتاء أيضاً إلى عدم اليقين بشأن التمويل وبالتالي تسبب في انخفاض فوري في سعر الصرف. هذا ينبغي أن يُثير تغييرا في هيكلة الإنتاج. في نهاية التعديل سيكون الإنفاق قد انخفض بالنسبة إلى الإنتاج وسيكون تكوين الأخير قد تحوّل نحو السلع والخدمات القابلة للتداول. نعم، سيشعر الناس بأنهم أسوأ حالاً، لكن هذا فقط لأن ما لا يُمكن أن يستمر لن يستمر.
التفسير البديل هو أن خروج بريطانيا من الاتحاد ستترتب عليه آثار ضارة في توريد السلع والخدمات القابلة للتداول. مثلا، فرص استغلال تقسيم العمل مع أقرب جيراننا ستتقلص، بالتالي سترتفع التكاليف. هناك نتيجة معروفة وهي أن الإنتاجية ترتفع بشكل أسرع بكثير في السلع القابلة للتداول من تلك التي هي غير قابلة للتداول: كلما كان البلد غنيا أصبح السعر النسبي للسلع غير القابلة للتداول أعلى - هذا هو المستوى الأعلى لسعر الصرف الحقيقي. إذا أدى خروج بريطانيا من الاتحاد إلى تخفيض الإنتاجية في توريد السلع القابلة للتداول، هذا سيؤدي إلى تخفيض سعر الصرف الحقيقي. إذن، هذا هو ما تتوقعه السوق الآن ـ وما تجسد فعلا.
يُجادل برودبينت بأن التفسير الثاني هو الأكثر احتمالاً، ما يُشير إلى خروج بريطانيا إذا أدى إلى تخفيض الاستعداد لتمويل المملكة المتحدة، فإن ذلك ينبغي أن يظهر في ارتفاع تكاليف للتمويل. أنا لا أوافق. إذا قرر الناس أنهم يريدون الآن الاحتفاظ بجزء أصغر من ثروتهم في الأصول البريطانية، عندها فإن الانخفاض في الاسترليني يُحقق ذلك تلقائياً.
لكن السؤال المهم هو ما إذا كانت هذه التفسيرات البديلة مهمة. هي كذلك. إذا كان السبب الثاني صحيحا، تتوقع الأسواق أن يفرض خروج بريطانيا تكاليف حقيقية كبيرة. يُمكن أن تكون الأسواق مخطئة. في هذه الحالة سيرتفع الاسترليني مرة أخرى. إدراك ذلك الاحتمال قد يؤدي إلى الحد من الاستثمار في الإنتاج القابل للتداول اللازم إذا كانت المخاوف بشأن تكاليف خروج بريطانيا حقيقية. هذا بُعد مهم لعوامل اللبس الموجودة الآن. إذا كان السبب الأول صحيحا، فقد لا يفرض خروج بريطانيا أي تكاليف. وإذا كان الأمر كذلك، فإن الاستفتاء كانت له نتيجة مفيدة لا تتعلق بشكل مباشر بخروج بريطانيا.
تخميني هو أن كلا التفسيرين صحيح: خروج بريطانيا سيفرض تكاليف حقيقية، لكنه أدى أيضاً إلى إعادة تقييم للمستوى المُستدام من التمويل الخارجي. وهو التأثير المُهيمن الذي لا نعرفه. وللسبب نفسه، لا يُمكننا معرفة ما سيكون عليه التأثير في سعر الصرف الحقيقي وهيكلة الاقتصاد، على المدى الطويل. هذه رحلة طويلة نحو المجهول.