أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    01-Feb-2023

التمويل الإسلامي والتنمية

 الغد-عدنان أحمد يوسف 

 
كان من اللافت تصريح الملياردير راي داليو، مدير أكبر صندوق تحوط في العالم Bridgewater، عندما أعلن أن “الرأسمالية تفشل” وأن “رياح التغيير” آتية، مشيرا إلى الحاجة إلى اقتصاد أكثر عدالة واستدامة، كما حذر أثناء مشاركته في منتدى دافوس من أن “إعصارا مدمرا” يتشكل من شأنه أن ينشر الآلام الاقتصادية عالمياً في ظل تزايد فجوة الثروة.
لقد ارتبط مفهوم التنمية السليم بتنمية الاقتصاد الحقيقي والإنسان نفسه من خلال تمليكه القدرات اللازمة للعمل والإنتاج، لذلك فإن كلا مفهومي التمويل والتنمية بمضامينهما الحديثة اقتربا أكبر من أي وقت مضى بتعريفهما الشرعي والإسلامي لهما.
إن علاقة التمويل الإسلامي بالتنمية الاقتصادية باتا أوثق وأكثر التصاقا بحكم التطورات التي طرأت على كلا المفهومين، وقد أدت تطورات نظرية وعملية كثيرة إلى دفع كلا المفهومين لتحقيق مقاربة عميقة مع الرؤية الشرعية والإسلامية لهما، فمن جهة باتت التنمية الاقتصادية ترتكز على الإنسان وتمليك القدرات والاقتصاد الحقيقي، ولذلك فهي بحاجة لأدوات تمويل حقيقية موجهة لتحقيق هذه الأغراض. ومن جهة أخرى بات التمويل في مفهومه المعاصر يعني التمويل الموجه لتلبية احتياجات حقيقية للمجتمع، وهو أثبت أنه يمكن أن يتحول لمحفز لتحريك الاقتصاد، وهذا بالضبط ما يذهب إليه النموذج الفكري للمصرفية الإسلامية.
لقد جاءت الأزمة المالية العالمية في العام 2008 وما نجم عنها من تداعيات خطيرة على النظام المالي العالمي، وتأثر العديد من المؤسسات المالية في المنطقة بهذه الأزمة لتؤكد مجدداً سلامة المبادئ التي تقوم عليها الصناعة المالية الإسلامية كونها تمتلك العديد من المقومات التي تحقق لها الأمن والأمان وتقليل المخاطر مثل الأمانة والمصداقية والشفافية والبينة والتيسير والتعاون والتكامل والتضامن، فلا اقتصاد إسلاميا بدون أخلاق ومثل.
وتحقق هذه المنظومة من الضمانات الاستقرار لكافة المتعاملين، وفي نفس الوقت تحرم الشريعة الإسلامية المعاملات المالية والاقتصادية التي تقوم على الكذب والمقامرة والتدليس والغرر والجهالة والاحتكار والاستغلال والجشع والظلم.
ومن المقومات الرئيسية هي أن النظام المالي والاقتصادي الإسلامي يقوم على قاعدة المشاركة في الربح والخسارة وعلى التداول الفعلي للأموال والموجودات، كما حرمت الشريعة الإسلامية نظام المشتقات المالية والتي تقوم على معاملات وهمية يسودها الغرر والجهالة، والتي كانت من الأسباب الرئيسية للأزمة العالمية.
ونحن نرى أن هذه المقومات تعطي ثقة اكبر في النظام المالي الإسلامي، وتزيد الإقبال على خدماته ومنتجاته كما هو واضح من معدلات نمو الصناعة المصرفية الإسلامية التي تحدثنا عنها.
لذلك، نحن نرى أن الأزمة العالمية الراهنة تمثل فرصة تاريخية للقطاع المالي الإسلامي ليثبت جدارته ونجاحه في مواجهة الأزمات، وأن يمثل ملاذا آمنا لرؤوس الأموال والاستثمارات العربية والإسلامية وغير الإسلامية.
لكننا لا نستطيع الحديث عن تعاظم دور التمويل الإسلامي دون وجود اقتصاد إسلامي بالمعني السليم المتعارف عليه أكاديميا. فاقتصاديات كل دول العالم اليوم تقريبا، بما في ذلك اقتصاديات الدول الإسلامية، تقوم على مزيج من النظريات والفلسفات الاقتصادية. ويجب أن نفرق بين حجم منتجات تمويل الاقتصاد الإسلامي التي قدرها البعض بنحو 3 تريليونات دولار وحجم الاقتصاد الإسلامي الذي يعني حجم القطاعات والأنشطة الاقتصادية التي تدار على أسس إسلامية صحيحة. وهذا الموضوع ليس بترف فكري كما يتراءى للوهلة الأولى. فالعلاقة المثلى المفترضة بين التمويل الإسلامي والاقتصاد الإسلامي تقوم على تحقيق الكفاءة في الجانبين وليس في جانب واحد. وفي ظل غياب اقتصاد إسلامي غير واضح المعالم والآليات، فإن التمويل الإسلامي قد يذهب للمنتجات والمشاريع المتاحة، ولكن هل هذه الأنشطة هي الأكثر كفاءة أو الأكثر قدرة على تعظيم الفائدة من التمويل الإسلامي من جهة وتعظيم المنفعة الاجتماعية من المنتجات والمشاريع الممولة من جهة أخرى. الجواب ليس بالضرورة بالإيجاب طالما أن قطاعا كبيرا من الأنشطة والقطاعات بما في ذلك في الدول الإسلامية لم تبلور بعد كيفية تلاقحها مع التمويل الإسلامي وظلت تغرد خارج السرب، وهنا أيضا تقع المسؤوليات على الحكومات ومؤسسات البحث الأكاديمي لتحديد معالم ومعايير الاقتصاد الإسلامي وآليات تلاقح التمويل الإسلامي مع هذه الآليات والفرص المتاحة وفقا لقاعدة الأكثر منفعة اجتماعيا واقتصاديا مثل توفير الوظائف وزيادة الإنتاج وتحسين البيئة.