أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    24-Aug-2021

نظام “آفاق” والتحولات الرقمية

 الغد-عدنان أحمد يوسف

 
أعلن مصرف البحرين المركزي، مؤخرا، التحاقه بنظام المدفوعات الخليجية “آفاق”، الذي تديره شركة المدفوعات الخليجية، حيث اشترك كل من مصرف البحرين المركزي والبنك المركزي السعودي كأول عضوين في النظام بتاريخ 10 كانون الأول (ديسمبر) 2020، وذلك لتبادل وتسوية التحويلات المالية بين البلدين.
وشركة المدفوعات الخليجية هي شركة مساهمة مقفلة، تمتلكها وتمولها البنوك المركزية في دول مجلس التعاون الخليجي (الإمارات، البحرين، السعودية، عمان، قطر، والكويت)، وأسست بموجب قرار المجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية بالموافقة على تأسيس وبناء نظام ربط نظم المدفوعات في دول المجلس.
ونحن إذ نثمن هذه الخطوة المهمة لمصرف البحرين المركزي، فإننا نعتبرها إنجازا مهما على طريق الوحدة النقدية الخليجية، حيث يقدم نظام المدفوعات الخليجي “آفاق” العديد من المزايا، من أبرزها تقليص الفترة الزمنية التي يتطلبها تنفيذ التحويلات العابرة للحدود، كما يوفر النظام بيئة على قدر عال من الأمن لتفادي المخاطر السيبرانية ومخاطر أمن المعلومات، ويسهم في تقليل الاعتماد على الأنظمة المالية وشبكات التحويل الخارجية وتخفيض تكلفة التحويل على العملاء.
وللأمانة القول، نحن تابعنا هذا الموضوع منذ بداياته الأولى، بل وبادرنا لطرحه منذ أكثر من عشر سنوات، وتحديدا بعد الأزمة العالمية 2008، التي أبرزت بصورة جلية ما قد يصيب النظام المالي العالمي من هزات عنيفة، بما في ذلك أنظمة التحويلات المالية، خصوصا بعد أن قامت البنوك العالمية بالتدقيق في أنظمة التحويلات المالية استجابة للمتطلبات المتشددة لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب والامتثال، الأمر الذي نجم عنه تقطع في شبكات التحويل المالي للعديد من البنوك الخليجية والعربي، وهو ما يهدد الأمن الاقتصادي للدول العربية والخليجية. وقد دعونا منذ ذلك الوقت إلى تأسيس نظام مدفوعات عربي يدعم مشاريع التكامل الاقتصادي العربي من جهة، ويسهم في تجنيب الدول العربية الهزات التي يشهدها النظام المالي العالمي من جهة أخرى. وقد تبنينا طرح هذا الموضوع من خلال اتحاد المصارف العربية في العديد من المؤتمرات والاجتماعات عندما كنت أترأس مجلس إدارته.
وفي الإطار الخليجي، يعد تأسيس نظام المدفوعات، كما ذكرنا، أحد المستلزمات الضرورية للتهيئة لقيام العملة الموحدة من خلال إيجاد نظام موحد لتسوية المعاملات المالية التي تتم بها هذه العملة كما لو كانت تتم في بلد واحد، كما تكمن أهمية ربط أنظمة المدفوعات في تسريع حركة انتقال التجارة والاستثمارات، بما يخدم تفعيل بنود السوق الخليجية المشتركة في المجالات كافة.
وقد اتضحت أهمية وجود نظام موحد للمدفوعات في التجربة الأوروبية، حيث يعد إحدى الأدوات التي يستخدمها البنك المركزي الأوروبي في تنفيذ السياسة النقدية الموحدة لنظام اليورو، فالبنك يستخدم عمليات السوق المفتوحة، حيث تكون هي الأداة الرئيسية للعمليات النقدية في الاتحاد الأوروبي؛ بحيث توجه أسعار الفائدة، وتوفر السيولة لنظام اليورو. ويدور الحديث اليوم في أوروبا حول انعكاسات الموجة الرقمية على أنظمة المدفوعات، حيث تفرض هذه الموجة تغييرات جوهرية في أنظمة المدفوعات وتأثيرها في طلب أشكال جديدة للدفع. فالمصارف المركزية مسؤولة في التحول الرقمي للمدفوعات. غير أن المصارف المركزية لها مصلحة في مرافقة التحول الرقمي بحيث تظل المدفوعات آمنة وفعالة وشاملة. فيجب على المصارف أن تستجيب لثلاثة اتجاهات تعمل على تشكيل مشهد المدفوعات.
الاتجاه الأول هو التفضيلات المتطورة للمستهلكين والشركات الأوروبية. بينما ما يزال النقد هو الطريقة الرئيسية لتسديد مدفوعات التجزئة في منطقة اليورو، فإن دوره يتضاءل لتحل التعاملات غير النقدية المدفوعة بالبطاقات. وقد أدى الوباء إلى تسريع الاتجاه نحو المدفوعات غير النقدية وغير التلامسية في المتاجر. الاتجاه الثاني هو الهيكل المتطور لسوق المدفوعات من خلال حلول الدفع المبتكرة الخاصة التي يمكن استخدامها في التعاملات الأكثر شيوعًا، مثل البطاقات المصرفية أو الدفع عبر الإنترنت. الاتجاه الثالث هو المخاطر المتزايدة المرتبطة بملكية البيانات المهمة، أو قضايا التتبع في مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب والتهرب الضريبي.
وقريبا سوف تفرض هذه التحولات بروز الأهمية المتنامية لليورو الرقمي الذي يدرس إصداره البنك المركزي الأوروبي في الوقت الحاضر، حيث من شأن هذه الخطوة أن تجعل أموال المصرف المركزي الرقمي في متناول الجميع غير أنه سيوفر الوصول إلى وسيلة دفع رقمية بسيطة وخالية من المخاطر وموثوق بها مقبولة في جميع أنحاء منطقة اليورو. وسيعزز اليورو الرقمي رقمنة المدفوعات، ما يدعم بدوره رقمنة وتحديث الاقتصاد الأوروبي. وإذا تم تصميمه بشكل صحيح، فإنه سيسمح للمصارف ببناء نماذج أعمال جديدة وتقديم خدمات أرخص ومبتكرة لعملائها. وسيؤدي ذلك إلى زيادة الخصوصية في المدفوعات الرقمية بفضل مشاركة المصرف المركزي، الذي ليس لديه مصالح تجارية تتعلق ببيانات المستهلك.
إذا نحن أمام ليس فقط ضرورة التشغيل الكامل لنظام المدفوعات الخليجي استجابة لتحرير عناصر الاستثمار والعمل والإنتاج بين دول التعاون، ما يدفع إلى تنامي حجم التعاون التجاري والمالي فيما بينها ويضمن الارتقاء بهذه العلاقات إلى مستوى متطلبات السوق الخليجية المشتركة والوحدة النقدية الخليجية فحسب، بل يجب أن تتسارع خطوات تشغيل هذا النظام كخطوة ضرورية للتهيؤ لما هو قادم من تطورات تكنولوجية ورقمية كبيرة سوف تفرض بدورها تطوير هذا النظام بضوء التجارب الدولية التي نشهدها.