أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    28-May-2020

حقوق الموظفين خط أخضر*ابراهيم عبدالمجيد القيسي

 الدستور

كثير من المعلومات تتسرب من الذاكرة بالنسيان، وهي نعمة بلا شك غنت عنها ميادة الحناوي قبل عشرات السنوات.. وانت مكتوبلك يا بختك نعمة النسيااان..يا بختك !. هذه الاستهلالة مجرد طريق قصيرة لأقول لكم بأنني لست متأكدا وربما نسيت كيف تكون الألوان في عين من يعاني مرض عمى الألوان، فمعلوماتي القديمة تقول بأنه يرى اللون الأحمر أخضر، فهل الأمر كذلك؟!
 
الحالة الاستثنائية التي تمر بها البلاد أيقظت الكثير من النوايا والنزعات الأمنية لدى كل الناس، لكن الغريب أن نشعر بأن ثمة انتهازية لتنفيذ أجندات شخصية ومؤسسية لدى القطاعين العام والخاص، متعلقة بحقوق ومكتسبات الموظفين..
 
بعد صدور التعليمات الرسمية حول رواتب الموظفين وامتيازاتهم، وهي قائمة طويلة نسبيا من التعليمات لا مجال لذكرها في مقالة، لكن منذ اليوم التالي لصدورها ونحن نتلقى ملاحظات من الموظفين في مختلف القطاعات، وهي تساؤلات تعبر أولا عن قلق طبيعي متعلق بالأمن الوظيفي، تصدر بشكل طبيعي عن الناس حتى قبل صدور التعليمات، لكن الجديد كان يتعلق بأسئلة ذات طابع قانوني: هل هذه التعليمات صدرت بموجب أمر دفاع أم بموجب قرار مجلس وزراء؟ ما مدى قانونيتها في الحالتين؟ وهل يحق للحكومة أن تمسّ  مكتسباتنا وحقوقنا الوظيفية بقرارات يمتد أثرها ليطال راتبنا التقاعدي؟.. ولماذا لم يعاملونا كالوزراء ويعتبروه تبرعا من رواتبنا دونما مساس بامتيازاتنا الوظيفية؟..وكثير من الأسئلة التي تمخضت عن اجتهادات من قبل المسؤولين الماليين في القطاع الخاص والعام، والتي أصبحت تتوارد بشأنها أسئلة كثيرة وتظلمات تتوجه الى مختلف الجهات القانونية وغيرها، حتى رئاسة الوزراء لديها كم هائل من الأسئلة التي لم تتفرغ بعد للإجابة عنها.
 
الغريب في الأمر ليس متعلقا بالتعليمات نفسها، وهي ربما واضحة بالنسبة لي، وأتفهمها، وهناك جزء كبير من الموظفين في القطاعين هم أيضا يتفهمون هذه التعليمات، لكن الغريب يكمن في النزعة التي برزت لدى بعض الجهات الخاصة والعامة، والتي تنزع حقا لهيكلة قاسية بل متوحشة، تطال الكثيرين، وتستغل الفرصة لترشيق المؤسسات في القطاعين، دونما أدنى التفاته لتأثير هذه المساعي على الناس وعلى الاستقرار الوظيفي، الذي لا يمكن اعتباره مستقلا عن استقرار دولة ومؤسسات ووطن، فالذي كان يحمل أجندة مصدرها البنك الدولي تحث الأردن على التخلي عن كثير من الموظفين، والذي رفضته الحكومات الأردنية جملة وتفصيلا، وتعاملت معه بالحدود الدنيا، بعد دراسة مستفيضة شرحتها للاعلام وللجهات الرقابية في كل مرة، وكان بعضها بل كثير منها إيجابيا مطلوبا عمل على تغيير ثقافات جاثمة تتعلق بالوظيفة العامة، وتساهم الى حدّ بعيد في زيادة حجم البطالة بين الشباب، لكن المستغرب والذي لم ينل تفكيرا مناسبا ونراه اليوم في بعض المؤسسات، هو المتعلق بالنزعة الانتهازية المتمثلة باستغلال الظرف الاستثنائي للتخلص من الموظفين بتصفية حقوقهم الحالية والمستقبلية.
 
لا أحد يتجاهل هذه الحالة الاستثنائية وآثارها الكارثية على كل المجتمعات البشرية، وحين يسألني أحد الموظفين ويتعمق بذكر التفاصيل، ويتأهب لمهاجمة الحكومة وغيرها، أفتتح حديثي بالرد عليه بدعاء: نسأل الله أن لا يزداد الوضع سوءا وأن تبقى الحكومة والقطاع الخاص على درجة مناسبة من القوة، تستطيع معها المضي في تقديم شيء من التزاماتها تجاه الموظفين، وهو دعاء يقع موقع الريبة في ذهن السائل، معتقدا بأنني أملك معلومة تعزز وتبرر مثل هذا الدعاء، لكنني أحاول اقناع نفسي والجميع بأن المنطق يفرض نفسه، ويجب أن لا يتم تحييده، فنحن لا نتحدث عن حادثة انتهت أو عن ظرف سيئ انتهى، بل ما زلنا نتحدث عن تهديد مستمر ووباء لم يوجد له علاج في الدنيا حتى الآن، ولم يتم تقييم خسائر العالم والدول الناجمة عن توقف الانتاج بل تقليصه الى حدود مريبة، ولم يتحدث أي اقتصادي او استراتيجي في العالم بطريقة تنم عن ارتياح او استقرار اقتصادي، بل إن توقعات حدوث انتكاسة عالمية وحالة من الكساد الكبير، تكاد تكون تصريحا واحدا في تصريحات هؤلاء جميعا..
 
أمام هذه الحالة لا يمكننا التحدث حسما عن توقف النزيف أو استقرار القطاعين العام والخاص في الأردن، ولا يمكننا أيضا أن نقبل أو نبرر هذه النزعة التي تستهدف حقوق الناس من قبل بعض المسؤولين الماليين، واعتبارهم أن حقوق الموظف أصبح لونها أخضر بعد أن كان أحمر..أتمنى أن لا نصاب بعمى الألوان وأن لا يكون المصاب به يرى الأحمر أخضر.