أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    27-Aug-2014

طاقة خضراء وسياسة نظيفة
الغد - هناك مناطق قليلة من الخطاب العام حيث يصبح القول المأثور "من كان بيته من زجاج لا يرمي الناس بالحجارة" أكثر قابلية للتطبيق من منطقة تغير المناخ.
ولأن الوقود الأحفوري يُعَد شريان الحياة بالنسبة للاقتصاد العالمي، فلا أحد يستطيع أن يدعي أنه نظيف اليد -وأولئك الذين يرغبون في قيادة المعركة ضد الانحباس الحراري العالمي يجازفون باستحقاق تهمة النفاق والرياء. ولهذا، يتعين عليهم أن يتحروا الشفافية حول ما هم على استعداد لتقديمه وكيف قد يؤثر ذلك على مصالحهم الخاصة.
وهنا، يشكل الملياردير ومدير صناديق التحوط السابق توم ستاير مثالاً واضحا. فمؤخرا، تعهد ستاير بتقديم 100 مليون دولار للمرشحين في انتخابات 2014 النصفية في الولايات المتحدة الذين يفضلون التحركات القوية للحد من الانبعاثات من ثاني أكسيد الكربون. ولكن سرعان ما تبين أن صندوق تحوط ستاير ذاته قام بتمويل منجم فحم أسترالي من المتوقع أن ينتج مئات الملايين من الأطنان من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون على مدى العقود الثلاثة المقبلة. ومنذ ذلك الوقت ترك ستاير صندوق التحوط وباع حصصه في الفحم، وإن لم يكن من الواضح حتى وقت قريب ما إذا كان ما يزال يستفيد من استثماراته.
برغم أن ستاير استفاد بسخاء من الوقود الأحفوري الذي يعارضه الآن، فإن العديد من خبراء البيئة والديمقراطيين ينظرون إليه بوصفه ثِقَلاً موازناً لا يقدر بثمن للأخوة كوخ أصحاب المليارات. وهم أيضاً حققوا ثروة طائلة من الوقود الأحفوري، ولكنهم يعارضون أي تحرك لفرض خفض الانبعاثات.
في أعقاب مقال مدروس في صحيفة نيويورك تايمز عن استثمارات ستاير، قَفَز للدفاع عنه رؤساء أربع منظمات بيئية ضخمة، قائلين: "بدلاً من الاستهزاء بأولئك الذين لديهم الشجاعة اللازمة للتغيير -سواء كان ذلك بالتحول من سيارات الدفع الرباعي إلى السيارات الهجينة، أو إضافة لوحات شمية للمساعدة في توليد الطاقة لاحدى المدارس، أو إعادة النظر في الكيفية التي يستثمرون بها أموالهم في الاقتصاد العالمي -ينبغي لنا أن ننظر إليهم بوصفهم أفراداً يتخذون خطوات نحو غَدٍ أكثر نظافة". وسارع بِل مكيبين، وهو أحد منظمي مسيرة المناخ الشعبية، إلى التنديد بمقال التايمز بوصفه "إعلاناً مدفوع الأجر".
ربما يعشق الأميركيون القصص عن التغيير الفردي والفداء، ولكن فقراء العالم -الضحايا الرئيسيين للانحباس الحراري العالمي -مهتمون بما نفعله أكثر من اهتمامهم بحالتنا الروحانية. والواقع أن أفعال ستاير مهمة، ليس لأنه شخص عادي يتحول من استخدام سيارات الدفع الرباعي إلى السيارات الهجينه، بل لأنه لاعب رئيسي في الاقتصاد العالمي وراغب في تغيير الأحوال. والمهم هنا ليس شخصيته بل العواقب المترتبة على إسهاماته.
غير أن ستاير أو أي شخص آخر يرغب صادقاً في قيادة الطريق لابد أن يدرك أيضاً التأثيرات الأوسع نطاقا -بما في ذلك الضرر المحتمل -المترتبة على أهدافه وتصرفاته. ولنتأمل على سبيل المثال تحول الاقتصاد الأميركي من التصنيع إلى الخدمات والتكنولوجيا، والذي أدى إلى تعزيز النمو الإجمالي في عموم الأمر، ولكن الثروات التي صُنِعَت في وادي السليكون لم يستفد منها العمال في كليفلاند أو ديترويت أي فائدة تُذكَر. على نحو مماثل، ورغم أن العالم سوف يصبح مكاناً أفضل عندما يُغلَق آخر منجم فحم، فإن العديد من الناس سوف يعانون بشكل غير متناسب في هذه العملية.
وبالتالي فإن ستاير وغيره من المتميزين من دعاة فرض سياسات أكثر صرامة في التعامل مع تغير المناخ لابد أن يكونوا على استعداد لتحمل بعض الخسائر، ولعل التفكير في الكيفية التي قد يخسر بها آخرون مفيداً في هذا السياق. ومما يحسب لستاير أنه تحدث بشكل أكثر وضوحاً عن تكاليف سحب استثماراته من الوقود الأحفوري، وهو ما يشير إلى كونه أكثر تفهماً من كثيرين من المدافعين عنه لمتطلبات المصداقية السياسية.
وتشكل المناقشة الدائرة حول ستاير أهمية واضحة أيضاً عندما نتحدث عن سلوك السياسة الأميركية بشكل أكثر عموما. فالأميركيون ينظرون على نحو متزايد إلى العملية السياسية بوصفها مصارعة في الوحل بين طوائف من فاحشي الثراء الذي يلاحقون مصالحهم الخاصة؛ ويبدو اعتبار ستاير ثِقَلاً موازنا للإخوة كوخ تعزيزاً لنفس النظرة. ويتعزز هذا الشعور عندما يغفر حُماة البيئة للملياردير المفضل لديهم تورطه في صناعة الوقود الأحفوري ويشيرون إليه وكأنه رجل عادي غير رأيه بشأن السيارة التي ينبغي له أن يقودها.
والسؤال الآن هو ما إذا كان النظام السياسي في الولايات المتحدة -وهو في حد ذاته مقاوم شديد للتغيير -قادراً على الارتقاء إلى مستوى التحدي المتمثل في تغير المناخ. إن الانحباس الحراري العالمي في نهاية المطاف يُعَد واحداً من أخطر التهديدات التي تواجه البشرية وأعقدها. ومن الواضح أن أسبابه وعواقبه تتجاوز الحدود وتمتد قروناً في المستقبل. ولكي نتمكن من مكافحة هذا التحدي فيتعين على أنظمتنا السياسية أن تعمل بقدر أعظم من الكفاءة والنزاهة. وكما تُظهِر ملحمة ستاير فإن المطلوب هو المزيد من الديمقراطية والشفافية والمساءلة -وليس المزيد من السياسة كالمعتاد.
ديل جاميسون أستاذ الدراسات البيئية والفلسفة في جامعة نيويورك، وهو مؤلف كتاب "العقل في زمن الظلام: لماذا فشل الكفاح ضد تغير المناخ، وماذا يعني هذا بالنسبة لمستقبلنا".
 
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت.