أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    10-Jun-2019

توبة الشيطان*إسماعيل الشريف

 الدستور-من الناس من يتحدث بثقة عن الطيبة ويمارس النفاق بمنتهى الإبداع – شكسبير

عشت عن قرب تجربة لإحدى الشركات، توزع على موظفيها كتبا ملونة وأقراصا مدمجة عن التنمية البشرية ومواضيع الانتماء والإخلاص للمؤسسة، ويتشدق الإداريون فيها على الدوام عن المزايا التي تقدمها الشركة لموظفيها، حتى إنني سمعت المدير ذا الابتسامة العريضة يقول بعد أن ضرب الطاولة بيده، نحن أسرة كبيرة!
في إحدى السنوات تراجعت أرباح هذه الشركة تراجعا طفيفا، فكان أول قرار لمديرها ذي الابتسامة العريضة الاستغناء عن موظفيها، ولا سيما الذين هضموا جيدا كتبها الملونة!
وأذكر قبل فترة أنني حضرت محاضرة لسيدة أسنانها ناصعة البياض تعمل في إحدى شركات التبغ العالمية، ولا تدخن، إلا في الخفاء، تحدثت عن الاستراتيجية التي أعلنت عنها شركتها للمرحلة القادمة تحت شعار: عالم خالٍ من التدخين! والحقيقة أن شركتها هي الأكثر سخاء ضمن الجهات التي تدعم برامج الإقلاع عن التدخين. علقت بخبث، عليكم أن تغلقوا مصانعكم. أجابت بابتسامة ساحرة منقوطة، نعم! كانت تكذب.
شركتا جوجل وأبل أطلقتا برامج وتطبيقات تهدف إلى الحد من الوقت الذي يضيع من عملائهم في العبث بالتكنولوجيا، وهذه التطبيقات هي موضة هذه الأيام.
فهل تعمل كل هذه الشركات ضد مصالحها؟
هي فكرة مشابهة لسؤال سفسطائي، ماذا لو قرر الشيطان إعلان توبته والامتناع عن غواية البشر، ولبس ثوب التوبة؟ سيختل الكون وتنهار جميع المفاهيم والقيم والأفعال وحتى الأديان، فمن سيغوي الناس من بعده؟ لا شك بأنه سيترك فراغا لا يقدر على ملئه أحد!
ما تفعله هذه الشركات تماما هو ما يفعله الشيطان، فهو مستعد لفعل أي شيء وتبنّي أي موقف مهما بدا أنه ضد مبادئه في سبيل تحقيق هدفه الوجودي غواية البشر، فهذه الشركات تدرس سلوك المستهلكين وتركب الموجة، وعندما تتحدث عن الإدمان الرقمي أو الفسيولوجي وتساهم في تقديم الحلول، ولو بدا ذلك على حساب مصلحتها، فهي بعملها هذا تكسب تعاطف المستهلكين الذين يشعرون بالذنب بسبب إدمان منتجاتها، فتمنح ضمائرهم مخرجاً، وتحول ولاءهم إلى مزيد من الأرباح.
ويصبح الموضوع أكثر خطورة حين يتحدث بعض الساسة عن الوطنية والانتماء والولاء، وتجويع السمك ورمي الأعداء في البحر، ثم تخسر حربك في ستة أيام ويهيم جنودك في الصحاري والقفار.
أذكر أثناء مؤتمر في بنغلادش تحدث الخطيب المفوه عن معان إسلامية سامية وعميقة، وأثناء حديثه الرائع أصبح البوفيه متاحا، فما كان من الحضور إلا أن تركوه وهجموا على البوفيه، سمعت أحدهم يتمتم، تبا لهم لماذا تأخر البوفيه كل هذا الوقت.
الجميع يمتصون المواطن المسكين، فكثير من الشركات تكذب عليه وكثير من الساسة يبيعونه الوطنية ليخوض أبناؤه حروبهم وحتى أبطال المنابر الذين جاؤوا ليكملوا المشهد يجرون دموعه في محاضرات أخرجت بعناية فيملؤون جيوبهم ويسوقون منتجاتهم ويحققون مصالح الساسة، فكثير من الساسة كالأبطال وكالشركات، لا يريدون إلا ملء جيوبهم من بيعنا الأوهام.
يا لهذا العالم الشره الذي فقد إنسانيته، ولكن ألم يكن هكذا دائما؟