أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    03-Dec-2019

هامشية الفقراء تنتج فقرهم وتديمه*جمال الطاهات

 الدستور

بالرغم من أن تفسير الفقر كمنتج لاستغلال الأغنياء للفقراء، يؤول إلى الاضمحلال، إلا أن الفقر باقٍ وتتسع دوائره. سياسياً وقانونياً تتداعى قدرة الرأسماليين على حرمان المنتجين من عوائد انتاجهم، الثورات المتلاحقة منذ القرن التاسع عشر اثمرت دولة الرفاه. مالياً واقتصادياً تناقصت حاجة الرأسماليين لاستغلال الفقراء. النماذج الاقتصادية الجديدة تؤكد على ضرورة منح المشاركين في الانتاج ما يكفي للحفاظ على طلب مرتفع في السوق، كشرط لاستمرار نمو رأس المال. التطورات التقنية للانتاج، كشفت فرصة لعلاقات اقتصادية جديدة، جوهرها نمو الثروة مترافق مع تناقص الفقراء.
وبالرغم من بروز مجتمعات «الإنسان ذو البعد الواحد» كما عرفها الفيلسوف الألماني هربرت ماركوزكدليل على تجاوز البشرية لحاجتها لأفكار كارل ماركس، وهي المجتمعات التي يتمتع المنتجين (مالكين وعمال) بعوائد كافية لرفاههم، إلا أن الفقر استمر ولكن بديناميكية مختلفة، عنوانها هامشية الفقراء وتجاهلهم وليس استغلالهم. إذ يصف تقرير مبادرة أكسفورد للفقر والتنمية البشرية لعام 2004، هامشية الفقراء بغياب أحد سبعة عناصر موضوعية للحياة الممكنة في مجتمعات الكفاية.
فهم ظاهرة الفقر ضمن ديناميكية «الهوامش والمتون» ضرورة حتى يمكن السيطرة عليه، والتخلص منه. وهذا الفهم الجديد لظاهرة الفقر ضرورة لتحرير كل من الفقراء والاغنياء من المسؤولية. فكما أن الفقراء لم يكونوا يوماً «سبباً» لفقرهم، كذلك الأغنياء ليسوا هم «سبب» فقر الفقراء في القرن الواحد والعشرين.
تقرير البنك الدولي لعام 2018، والذي يسعى لتصنيف الفقر والفقراء في العالم الثالث، ربط الفقر بالمعايير غير المالية، وأهمها توفر فرص العمل، وكان عنوانه «الفقر يكمن بالبطالة»، وهي فكرة تتطور منذ ثمانينيات القرن الماضي، ويتم تجاهلها بطريقة كاريكاتيرية.
إن تأكيد تقرير البنك الدولي على الأبعاد غير المالية من تعليم وفرص التزود بالمياه والطاقة، والخدمات الصحية والنقل والامن، والبرهان الاحصائي للعلاقة المطردة بين الفقر والتهميش الاقتصادي (انعدام فرص المشاركة بالانتاج)، وتدني فرص الحصول على نصيب عادل من الانتاج. والتقرير الذي يعفي كل من الفقراء والأغنياء من مسؤولية وجود الفقر، ينطلق من تعدد أبعاد الفقر لتاكيد اختلاف الفقراء في البلد الواحد وحتى في البيت الواحد. فالفقر حتى لو كان واحداً إلا أن تعدد ابعاده يخلق أنواعاً وفئات مختلفة من الفقراء، تتحدد بالمسافة التي تفصلهم عن متون النشاط الانتاجي في المجتمعات المختلفة. كما أن توزع الفقر جغرافيا (في بعض الدول يتراجع الفقر في العاصمة إلى ما دون 7 %، ويزيد في الاطراف عن 90 %) تأكيد على ارتباط الفقر بديناميكا الهوامش والمتون.
تقرير برنامج الامم المتحدة الانمائي لعام 2019 بالتعاون مع مبادرة اكسفورد للفقر والتنمية البشرية بعنوان (المؤشر العالمي للفقر متعدد الأبعاد: توضيح عدم المساواة) يؤكد على ارتباط الفقر بديناميكا الهوامش والمتون، ويؤكد على إمكانية التخلص منه.
صحيح أن الفقر لا يتجلى كحقيقة إنسانية ولا يمكن توضيحه إلا بضده. ولكن هذا الضد دليل على أن الفقر ليس ضرورة للنمو، بل انحراف يمكن تصحيحه. ديناميكا المركز والاطراف تقدم فرصة لفهم الفقر من أجل التوصل إلى خيارات عملية جوهرها انهاء هامشية الفقراء. إن الهوامش المحرومة من الخدمات (مياه وطاقة ونقل واتصالات وأمن وتعليم وصحة) لن تجد فرصة لانتاج الثروة، ولن يكون بها إلا الفقراء.