أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    25-Nov-2019

الثروة والمعرفة*محمد عبد العزيز ربيع

 الدستور

جاء ميلاد الاقتصاد المعرفي في عالم عولمي ما جعل احتياجاته تفرض عليه أن يكون نُخبوياً إلى حد بعيد. وهذا جعل الفئات المعرفية هي الأكثر إسهاماً في تطوير الاقتصاد الجديد، والأكثر استفادة من عوائد المعرفة المادية والمعنوية. ولقد تبع ذلك تبلور العامل المعرفي الذي يشعر بحرية لتوظيف ما لديه من علوم وخبرات في أي مكان من العالم، سعياً لتحقيق أهداف مادية ومهنية، بعيداً عن الاعتبارات الدينية والقومية. وهذا مكن العامل المعرفي من اختصار فكرة العقيدة في حدود العلم، وتوسعة مفهوم القومية ليصبح عالمي الأبعاد، واعتناق فكرة السوق الحر كفضاء يتيح له استثمار ما لديه من مواهب في أمكنة عديدة. الأمر الذي جعل العامل هذا نوعاً فريداً من البشر، يجمع بين حياة التجوال البدوية والمعرفة التكنولوجية. وفيما يتنقل بين شركة وأخرى، وبلد وآخر، يتواجد بصورة دائمة في مجمتعات افتراضية تربطه بأمثاله من المعرفيين بروابط مهنية ومصلحية.
إن من يملك ما يكفي من المعرفة، أي تعليما جيدا ويتبنى مواقف إيجابية من العمل والوقت، يكون قادرا على إدراك أهمية الفرص التي تسنح بين الحين والآخر وكيفية استغلالها وتسلق السلم الاجتماعي. من ناحية أخرى، إن من يملك المال، يكون لديه قدرة للحصول على تعليم جيد، ما يتيح له فرصاً جيدة للكسب المادي وتعزيز موقعه الاجتماعي. في المقابل، مَن لا يملك تعليماً جيداً ولا مالا ليس باستطاعتهم أن يتنافسوا مع غيرهم ويتسلقوا الهرمَ الاجتماعي، ما يتركهم يعيشون في أماكنَ معزولة يسودها البؤس والحرمان. مع ذلك هناك استثناءات لهذه القاعدة تأتي في العادة بسبب ما يتمتع به بعض الأشخاص من ذكاء وقدرة غير عادية على اغتنام الفرص المتاحة. 
ولمّا كان من يملك الثروة والمعرفة يجلس مُرتاحاً على قمة الهرم الاجتماعي وسفوحه المطلة على عالم الخيال والحلم، فإن من الصعب عليه أن يرى من يجلس عند قاعدة الهرم من البشر، لأن ظلال القصور وغابات الاسمنت التي تغمر المدن تحجبهم عنه؛ وهذا يجعل قدرة الثري على الإحساس بمشاعر الفقراء شبه معدومة. لذلك ليس من المتوقع أن يشهد المستقبل تجزئة المجتمعات المعرفية إلى فقراء وأثرياء فقط، وإنما أيضا إلى جهلة ومتعلمين. وفيما يُمكن التعليم الجيد أصحابه من الحصول على وظائف مجزية، والعيش أحراراً حياة ترف ومتعة، يحرم الجهل الجهلاء من الحصول على ما يحتاجون إليه من فرص عمل تمكنهم من العيش حياة كريمة.
ترتبط الثروة والمعرفة بعلاقة جدلية تقوم على التأثير المتبادل، وهذا يَجعل من الصعب على الفقير أن يحصل على تعليم يمكنه من الحصول على دخل جيد، فيما يجعل من السهل على الثري أن يحصل على تعليم يمكنه من الحصول على المزيد من الثروة. ولما كان من طبيعة الثروة أنها تمكن صاحبها من الاستحواذ على مصادر القوة، فيما تمكنه القوة من التمتع بالمزيد من الحرية، فقد أصبح بإمكان المتعلم الثري أن يؤثر في اتجاهات التغير في المجتمع. في المقابل، يتصف الفقراء بكونهم ضعيفي القوة، وفي غياب القوة يصعب عليهم التأثير في اتجاهات التغير في المجتمع.
إن نظرة ثاقبة الى عالم اليوم تكشِف لنا أنه لا يوجد مجتمع معرفي يعاني من الفقر، ولا يوجد مجتمعٌ ثري يعاني من الجهل، فيما لا يوجد مجتمعٌ جاهل غير فقير، ولا يوجد مجتمع فقير غير جاهل. الفقر يقود إلى الجهل، والجهل يكرس الفقر، فيما يقود الثراء إلى المزيد من المعرفة، والمعرفة تكرس الثراء. ومع الثراء تأتي أسباب القوة والنفوذ والهيمنة، فيما يأتي مع الجهل عوامل الفقر والضعف والخنوع.