أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    26-Nov-2014

معايير الحرية الاقتصادية*كمال القيسي

العرب اليوم-في عام 1995 صمّم بعض الاقتصاديين رقما قياسيا في محاولة لقياس درجة "الحرية الاقتصادية" بين الدول، وأثبتت بعض الدراسات وجود علاقة بين الرقم القياسي للحرية الاقتصادية والنمو في العديد من دول العالم.

في إطار هذا المفهوم عرّفت الحرية الاقتصادية على أنّها ( الحرية في إنتاج واستهلاك السلع والخدمات والمتاجرة بها من دون استخدام للقوة أو التحايل أو السرقة، وأن مؤسسات تحقيق ذلك يجب ان يتمثّل بها: حكم القانون، حقوق الملكية الخاصة وحرية التعاقد ).

المقصود بحكم القانون الاحتكام الى قوانين الدولة في إطار مرجعية تعكس قيم ومعايير أخلاقية واجتماعية تتشكّل في ضوئها حركة المجتمع، شمولية القانون والمساواة في الفرص المتاحة دون التدخل في الجوانب المادية نظرا لأن ذلك يحد من الحرية الاقتصادية نفسها.

تتمثل حقوق الملكية في حق السيطرة على الملكية وفوائدها من خلال تحويل الحقوق الناجمة عنها طوعيّا وبما يحقق الاستقلال الذاتي للمواطنين وفق معاييرهم وأهدافهم ورغباتهم دون اللجوء الى القوة أو الاحتيال أو السرقة..

أما حرية التعاقد فتعني حرية المواطنين في ابرام عقودهم وفق قواعد دستورية وقانونية شفّافة تتلاءم مع ظروفهم الخاصة، وأن تتوفر لهم حرية الاحتكام للقضاء. في ضوء تلك المبادئ نجد ان تعريف الرقم القياسي للحرية الاقتصادية جاء جامعا للشروط الأساسية وعاكسا "لدرجة الحرية الاقتصادية التي يتوفر عندها الحق المطلق في التملّك وانتقال العمل ورأس المال والسلع بشكل لا يتعرض لحدود حماية المواطنين وضمان استدامة حريّاتهم". يتكون الرقم القياسي للحرية الاقتصادية من العناصر التالية: حرية أنشطة الأعمال، حرية التجارة، الحرية النقدية، الحريات الممنوحة من الدولة، حرية التمتع بأموال الدولة، حقوق الملكية، الحرية في الاستثمار، الحرية المالية وفي حالات التمويل، حرية العمل وغياب الفساد. يعتقد بعض الاقتصاديين أن مكونات الرقم القياسي هذه تعتبر غير كافية لتأشير حسن أداء اقتصاد الدولة وأن الاقتراب من أعلى درجات الحرية(100 %) لا يعني بالضرورة أن البيئة السياسية والاقتصادية لبلد ما تعتبر الأكثر ملاءمة في التحفيز وعكس جوهر الحرية الاقتصادية. الدراسات التطبيقية عكست عدم وجود ارتباط قوي بين الرقم القياسي للحرية الاقتصادية والأداء الفعلي للاقتصاد الوطني ! في عام 2008 تصدرت الدول العشرة التالية جدول الحرية الاقتصادية: هونج كونج، سنغافورة، إرلنده، إستراليا، أمريكا، نيوزيلند، كندا، شيلي، سويسرا، إنكلترا. لم يكن بين تلك الدول المتصدّرة الصين أو اليابان أو فرنسا وسجلت كل من الكويت(68،3) والأردن(63،0) والسعودية(62،8) والامارات(62،8) وقطر(62،2) أرقاما قياسية أعلى مما حققته كل من الصين(52،8) والهند (54،2) وباكستان (56،8) وروسيا(49،9) وسورية(46،6) وايران(44) ! سويسرا سجلت رقما قياسيا مرتفعا(79،8) بالرغم من تعثّر اقتصادها، بينما الصين سجلت رقما منخفضا وكان اقتصادها عند ذاك في حالة نمو متسارع. أثبتت التجارب الانسانية بما لا يقبل الشك وجود علاقة وثيقة بين الحرية السياسية والحرية الاقتصادية في أي بلد في العالم. كما أن التجارب أثبتت أيضا أن الأداء الاقتصادي الناجح وضمان نمو وتنمية مستدامة وتحقيق عدالة ورفاهية اجتماعية في مجتمع ما لا يحققها فقط حرية انتقال رأس المال وديناميّة شروط السوق المفتوحة ( الليبرالية الاقتصادية ).

ان تصحيح الخلل البنيوي خاصة في البلدان النامية يعتمد على القدرة الابداعية للقيادات التنفيذية العليا في إيجاد الصيغ الملائمة لتعبئة وتوليف وتفعيل عناصر التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والانسانية في البلد المعني. إن مدى تمثيل وكفاءة مكونات الرقم القياسي للحرية الاقتصادية يعتمد في الدرجة الأولى على دقة المعلومات وصيغ معالجتها ومدى تمثيلها للظاهرة التي يراد قياسها والوقوف على درجة ارتباطها وتأثيرها في متغيرات أخرى ذات علاقة بالظاهرة موضوع القياس. إن القياس الاحصائي الايجابي لعلاقة ارتباطية بين متغيّرين لا يعني بالضرورة أنها تعكس حقيقة ارتباطهما فعلا والنتائج الرقمية اللامتّسقة لمؤشّر الحرية الاقتصادية في الأمثلة أعلاه خير دليل. الرقم القياسي للحرية الاقتصادية يعكس جوهر الفلسفة الليبرالية التي يستند إليها النظام الرأسمالي الساعي دوما لخلق بيئة وظروف سياسية ومؤسساتيّة يرفع عنها كافة أنواع القيود التي تحد من حرية انتقال وتوظيف رؤوس الأموال "تراكم الرأسمالي" عبر الحدود الوطنية والقارات " الشركات المتعدّدة الجنسية".

لذا فهو مقياس يعكس فلسفة سياسيّة واقتصاديّة واجتماعيّة يروّج لها الغرب في مقدّمته الولايات المتحدة الأمريكية.

جرى صياغة الرقم القياسي للحرية الاقتصادية في اطار الفلسفة الرأسمالية التي أخفقت آليّاتها في خلق "مجتمع الرفاهية"، والقدرة على تخطّي العديد من المآزق والكوارث الاقتصادية العالمية نظرا لغياب شروط المنافسة والتنافس وسعي الرأسماليين دوما في الهيمنة والاحتكار ( الكساد العالمي في ثلاثينيات القرن الماضي، الأزمة المالية وتدخّل الحكومة الأمريكية في إنقاذ العديد من البنوك والمؤسسات، توسّع الفجوة في الثروة والتوزيع في الدول الآخذة بمبدأ اليبرالية الاقتصادية…..).

ان التوصية باعتماد استراتيجية الحرية الاقتصادية المفتوحة في تنمية اقتصادات الدول النامية قد لا تكون مناسبة لحل المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية نظرا لافتقار هذه الدول الى البيئة والشروط المناسبة لتفعيل اقتصاداتها بشكل متّسق ومتوازن ( الأمن والاستقرار، حاكمية الدولة والحكومة والمجتمع، مشاكل هيكليّة / الفقر، البطالة، تخلف نظم التعليم والرعاية الصحيّة والضمان الاجتماعي….).

غياب تلك الشروط يتطلب ضرورة تدخّل الدولة والحكومة في عمليّة التصحيح الاقتصادي لضمان الأمن المجتمعي من خلال قيام الدولة بدور رقابي فاعل لحركة الاقتصاد والممارسات المعتمدة في الأنشطة الاقتصادية ( خاصة القطاع الخاص ) ذات العلاقة بالاحتياجات الأساسية لمواطنيها لدرء ومنع التعسّف والاستغلال والفساد غير المشروع وجعل ذلك التدخّل في حدوده الضيقة واعتماد نموذج مشاركة متوازن مع القطاع الخاص يتيح للأخير القيام بدور مركزي كبديل عن نموذج خصخصة مشروعات القطاع العام. يعتبر توفير الحاجات الأساسية الانسانية للمواطنين الشرط المسبق في توفير البيئة الملائمة لتفاعل الحرية السياسية والاقتصادية.

الحرية الاقتصادية نتاج لعمليات تفاعل مادّي وانساني معقّد يستوجب الرقابة والسيطرة وقدرة الدولة والحكومة في التدخّل لتصحيح المسارات عند تعرض مصلحة المواطنين للمخاطر أو التلاعب أو الاستغلال من أيّ طرف وبدون استثناء.

(( على هامش المؤتمر التاسع حول الحرية الاقتصادية في العالم العربي / مؤسّسة فريدريش ناومان الذي عقد في عمّان بين 18 – 19 نوفمبر 2014 )).

* كاتب عراقي