أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    23-Jun-2015

الصين وتحدي الإصلاح الحقيقي

 

أدير تيرنر
 
لندن -الغد-  كثيراً ما يفترض أن مستويات المعيشة في الاقتصاد الناشئ من المحتم أن تتقارب مع مثيلاتها في البلدان المتقدمة. ولكن فضلاً عن بعض البلدان المصدرة للنفط والدول المدن مثل هونج كونج وسنغافورة، تمكنت ثلاثة بلدان فقط ــ اليابان، وكوريا الجنوبية، وتايوان ــ من الانطلاق من مسافة بعيدة في المؤخرة لكي تحقق نصيباً للفرد في ناتجها المحلي الإجمالي لا يقل عن 70 % من المتوسط في البلدان المتقدمة على مدى السنوات الستين الماضية. وتأمل الصين أن تفعل نفس الشيء، ولكنها تواجه تحدياً خاصاً يتمثل في حجمها الهائل.
اعتمدت اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان على النمو الذي تقوده الصادرات للحاق بركب الاقتصادات المتقدمة. ولكن الصين ــ موطن ما يقرب من 20 % من سكان العالم والمسؤولة عن 15 % من الناتج العالمي ــ أكبر من أن تعتمد على الأسواق الخارجية فحسب. ولكي يتسنى لها أن تصل إلى المرحلة التالية من التنمية، فينبغي لها أن تعمل على صياغة مسار نمو مختلف ــ وسوف يتطلب هذا إصلاحات أكثر صعوبة من تلك التي يتركز الاهتمام عليها غالبا.
لا شك أن النمو الذي تقوده الصادرات غذى نهضة الصين الاقتصادية حتى الآن، مع نمو فائض الحساب الجاري لديها إلى 10 % من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2008. ولكن مثل هذا الفائض المرتفع يصبح من المستحيل الحفاظ عليه إلى ما لا نهاية. فلا يوجد ببساطة طلب كاف على الواردات في العالم لاستيعاب الصادرات الصينية المتنامية.
وقد كشفت الأزمة المالية العالمية عن هذا الواقع. فقبل عام 2008، كان في مقابل هذه الفوائض الهائلة لدى الصين عجز غير مستدام يتغذى على الائتمان في الاقتصادات المتقدمة. وعندما تحول الرواج إلى ركود، ضرب الطلب العالمي المتزايد الانخفاض قطاع التصدير في الصين، وهَدَّد بزيادة معدلات البطالة.
وفي استجابتها لهذا، تحولت الصين إلى محرك النمو المحلي للاستثمار الممول بالائتمان في مشاريع البنية الأساسية والعقارات. ومنذ عام 2008، ارتفع الائتمان من 125 % من الناتج المحلي الإجمالية إلى أكثر من 210 % من الناتج المحلي الإجمالي، الأمر الذي أتاح زيادة الاستثمار من 42 % من الناتج المحلي الإجمالي إلى ما يقرب من 48 % في العام الماضي.
وفي مختلف أنحاء الصين كانت الخرسانة تُصَب لتشييد المباني السكنية، والطرق السريعة المتعددة الحارات، ومراكز المؤتمرات، ومحطات السكك الحديدية، والمطارات. والآن يمثل الاستثمار في العقارات نحو 15 % من الناتج المحلي الإجمالي في الصين، مقارنة بأقل من 5 % في عام 2000؛ وعندما نضع في الحسبان الصناعات المرتبطة بالعقارات مثل الصلب والأسمنت، يرتفع الرقم إلى ثلث الناتج المحلي الإجمالي. واليوم يعمل نحو 60 مليون عامل صيني في مشاريع البناء، بعد أن كان العدد أقل قليلاً من 20 مليون عامل في عام 2007.
ويتناقض مسار النمو الحالي في الصين بشكل صارخ مع المسار في اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان. فعندما كان نصيب الفرد في الناتج المحلي الإجمالي في هذه البلدان عند المستويات الصينية الحالية، كان القطاع العقاري يلعب دوراً ثانوياً في اقتصاداتها؛ بل إن هذا القطاع كان يُحرَم عمداً من الائتمان.
ساعدت طفرة الاستثمار في الحفاظ على معدل النمو القوي الذي سجله تشغيل العمالة في المناطق الحضرية. ولكن أي دولة لن تحتاج إلى ما يزيد عن هذا القدر من الاستثمار في الإسكان. صحيح أن نصيب الفرد في إجمالي رأس المال في الصين لا يزال متأخراً بشكل كبير عن نظيره في البلدان المتقدمة، ولكن تقريراً حديثاً صادراً عن صندوق النقد الدولي يكشف عن حقيقة مدهشة مفادها أن الصين تجاوزت الآن اليابان وكوريا الجنوبية في نصيب الفرد من الأمتار المربعة في المساكن، والذي بلغ مستوى يقرب من ــ أو يتجاوز كثيراً في بعض المدن الأصغر حجما ــ المتوسط الأوروبي.
ومع انتهاء فورة البناء في الصين، يشهد الاقتصاد تباطؤاً كبيرا. وتشير بعض التقديرات إلى نمو الصين توقف بالكامل تقريباً في الربع الأول من هذا العام. وحتى الأرقام الرسمية تشير إلى أن العديد من الأقاليم خارج المناطق الساحلية الأكثر ديناميكية تعاني من ركود واضح.
وهذا من شأنه أن يجعل الصين في مواجهة تحديين رئيسيين. الأول مالي: فكيف تتعامل مع الديون غير المستدامة المستحقة على العديد من الحكومات المحلية والشركات المملوكة للدولة. ولكن من حسن الحظ أن الحلول هنا واضحة. ذلك أن ديون الحكومات المحلية يمكن تحويلها إلى الحكومة المركزية، أو من الممكن شطب القروض المصرفية وإعادة تمويل البنوك.
ويتعلق التحدي الثاني الأكثر عمقاً بالاقتصاد الحقيقي: كيفية إعادة نشر العاملين ورأس المال من القطاعات الصناعية التي تواجه القدرة الإنتاجية الفائضة والمدن الأكثر إفراطاً في البناء.
وقد تكون هذه الحتمة موضع إنكار في بعض الأحيان. فيُقال إن مئات الملايين لم يتزوجوا بعد، وسوف يحتاجون إلى المساكن. ولكن لأن ما يقرب من نصف العمال الريفيين في الصين يتجاوزون الخمسين عاماً من العمر. وقد لا يتزوج كثيرون منهم أبدا. وفي غضون خمسة عشر عاماً سوف يبدأ إجمالي سكان الصين في الانحدار. وهذا يعني أن الصين ليست على أعتاب موجة من التوسع الحضري، بل إن هذه الموجة باتت على بُعد عشرة أعوام إلى خمسة عشر عاماً من انتهائها.
وحتى إذا استمر التوسع الحضري بمعدل مرتفع، فإن العديد من العالمين لن يهاجروا إلى المدن من الطبقة الثانية والثالثة حيث القدرة الفائضة في أكثر صورها تطرفا، بل إلى المدن الساحلية الكبرى. ورغم أن الحكومة قادرة على استخدام نظام الهوكو (تسجيل الأسر) لإبطاء هذه الهجرة، فإنها غير قادرة على توجيه الناس إلى مدن بعينها حيث المستوى الأكبر من القدرة الفائضة.
ما العمل إذن؟ يتمثل أحد الخيارات في تصدير خبرات البناء والعمال. والواقع أن هذا يُعَد أحد الأسس المنطقية لمبادرة الصين "حزام واحد، طريق واحد"، الذي يهدف إلى إعادة تشغيل طريقي الحرير البري والبحري القديمين واللذين يربطان الصين بأوروبا. ولكن كما هي الحال مع أي استراتيجية قائمة على التصدير، فإن التأثير المترتب على هذا النهج سوف يكون محدوداً بحجم الأسواق الخارجية المحتملة، نسبة إلى اقتصاد الصين. ولن يتسنى لأي مستوى معقول من صادرات البناء أن يعوض بشكل كامل عن الاستثمار المحلي المتعثر.
الواقع أن الاستهلاك المحلي، المدعوم بنمو الأجور القوي، لابد أن يكون المحرك الأساسي للنمو. والخبر السار هو أن الأجور تنمو الآن بسرعة أكبر من سرعة نمو الناتج المحلي الإجمالي ــ وهو الاتجاه الذي من المرجح أن يستمر، مع تسبب التغير الديموغرافي في تقييد المعروض من العمالة الجديدة. وعلى مدى العقد المقبل سوف يهبط عدد الصينيين في الفئة العمرية من خمسة عشر إلى ثلاثين عاماً بنحو 25 %.
ولكن الأمر يتطلب أيضاً إصلاحات كبرى للسياسات. فالصين لابد أن تتخذ التدابير اللازمة للحد من فرض الاستثمار من قِبَل الشركات المملوكة للدولة، والحد من قدرة هذه الشركات على الوصول إلى الائتمان المدعم وإرغامها على دفع أرباح أعلى كثيراً للحكومة. وبعدئذ يصبح من الممكن استخدام هذه العائدات لتحسين الخدمات الصحية وتعزيز شبكة الأمان الاجتماعي، وبالتالي إزالة حاجة الأسر الصينية إلى الحفاظ على مدخرات احتياطية مرتفعة.
سوف تمثل مثل هذه الإصلاحات تحدياً لمصالح شخصية قوية. ومن الأسهل كثيراً بناء الإجماع حول الجهود الرامية إلى إضافة الرنمينبي إلى سلة العملات التي تحدد قيمة الأصول الاحتياطية لدى صندوق النقد الدولي، حقوق السحب الخاصة، على سبيل المثال ــ وهي الخطوة التي برغم كونها ملائمة لن تفعل إلا أقل القليل لتعزيز النمو في الأمد المتوسط. ولكن إذا كان للصين أن تكرر النجاح الذي حققته اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان، فليس هناك بديل عن الإصلاحات القاسية.
 
*رئيس معهد الفِكر الاقتصادي الجديد.
خاص بـالغد بالتعاون مع بروجيكت سنديكيت.