أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    27-Jul-2014

النمو عبر ضفتي "الأطلسي"

 

دانييل جروس
 
بروكسل-الغد- تأثرت أوروبا والولايات المتحدة بالأزمة المالية العالمية التي اندلعت بكامل قوتها في العام 2008 بطريقة متشابهة للغاية -على الأقل عند بدايتها. فعلى ضفتي الأطلسي، هبط الأداء الاقتصادي في العام 2009 ثم بدأ يتعافى في العام 2010.
ولكن مع تحول الأزمة المالية إلى أزمة اليورو، انفتحت ثغرة واسعة بين الولايات المتحدة ومنطقة اليورو. فعلى مدى السنوات الثلاث الماضية (2011-2013)، سجل اقتصاد الولايات المتحدة نمواً بلغ نحو ست نقاط مئوية. وحتى مع وضع الفارق السكاني المزايد في الحسبان، والذي يشكل الآن نحو نصف نقطة مئوية سنويا، فقد سجل اقتصاد الولايات المتحدة نمواً بنحو 4.5 نقطة مئوية تقريباً على مدى هذه السنوات الثلاث على أساس نصيب الفرد.
والسبب الرئيسي وراء هذه الفجوة هو الفارق في الاستهلاك الخاص، الذي سجل نمواً في الولايات المتحدة ولكنه انخفض في منطقة اليورو، وخاصة على أطرافها. وكان خفض الإنفاق العام في واقع الأمر سبباً في اقتطاع مقدار أكبر من الطلب في الولايات المتحدة (0.8 نقطة مئوية) مقارنة بالاتحاد الأوروبي (0.1 نقطة مئوية). وقد يبدو هذا مستغرباً بعض الشيء في ضوء كل الأحاديث عن التقشف الذي تفرضه بروكسل.
الواقع أن الاستهلاك العام في منطقة اليورو ظل بحكم الأمر الواقع ثابتاً إلى حد ما على مدى السنوات الثلاث الماضية، في حين انحدر بدرجة كبيرة في الولايات المتحدة. (ويصدق الأمر نفسه على الاستثمار العام، وإن كان يشكل نسبة ضئيلة من الناتج المحلي الإجمالي حتى أن الفوارق بين ضفتي الأطلسي لم يكن بوسعها أن تخلف تأثيراً كبيراً على النمو في غضون ثلاث سنوات).
ويشكل تقلص الاستثمار الخاص في أوروبا جزءاً صغيرا فقط (الثلث) من فجوة النمو. ورغم أن التوترات في الأسواق المالية والتي صاحبت أزمة اليورو خلفت تأثيراً سلبياً قوياً على الاستثمار في البلدان الواقعة على أطراف منطقة اليورو، فإن الطلب على الاستثمار ظل ضعيفاً في الولايات المتحدة أيضا، الأمر الذي أدى إلى تقليص الفارق الإجمالي. والواقع أن مرونة الاستهلاك الخاص في الولايات المتحدة، والتي تشكل السبب الرئيسي وراء فجوة النمو، ليست بالأمر المستغرب، لأن الأسر الأميركية عملت على تقليص أعباء الديون المستحقة عليها بشكل كبير من الذروة التي تجاوزت 90 % من الناتج المحلي الإجمالي والتي بلغتها قبل الأزمة مباشرة. ويُعَد عبء الديون الأقل أيضاً سبباً رئيسياً وراء التوقعات باستمرار الاستهلاك في النمو بسرعة أكبر في الولايات المتحدة مقارنة بمنطقة اليورو هذا العام والذي يليه.
ولكن السؤال الحَرِج هنا -والذي نادراً ما يُطرَح- هو كيف تمكنت الأسر الأميركية من خفض أعباء الديون المستحقة عليها خلال فترة اتسمت بارتفاع معدلات البطالة وعدم تحقيق الأجور لأي مكاسب في حين استمر نمو الاستهلاك. وتكمن الإجابة في تركيبة من قروض الرهن العقاري "غير المسترد" والتعجيل بإجراءات الإفلاس.
في السنوات الأخيرة، خضعت ملايين المساكن الأميركية التي اشتريت بقروض الرهن العقاري الثانوي لإجراءات حبس الرهن، الأمر الذي أرغم ملاكها من غير القادرين على سداد ديونهم على الرحيل عن البلاد. ولكن نتيجة لقروض الرهن العقاري غير المستردة في العديد من الولايات الأميركية، فقد تم سداد ديون الرهن العقاري بالكامل، حتى رغم أن قيمة المساكن كانت أقل كثيراً من أن تغطي الرصيد الذي ما يزال مستحقا.
وعلاوة على ذلك، فحتى في الولايات حيث الاسترداد الكامل لقروض الرهن العقاري، بحيث يظل أصحاب المساكن مسؤولين عن سداد كامل مبلغ القرض العقاري (بمعنى الفارق بين المبلغ المستحق والقيمة المستردة ببيع المسكن)، تقدم إجراءات الإفلاس الشخصي في أميركا حلاً سريعاً نسبيا. والواقع أن الملايين من الأميركيين تقدموا بطلبات لإعلان الإفلاس الشخصي منذ العام 2008، وبالتالي تخلصوا من ديونهم الشخصية. وينطبق القول نفسه على مئات الآلاف من الشركات الصغيرة.
وبطبيعة الحال، حدثت أيضاً طفرة في حالات الإفلاس على أطراف منطقة اليورو. ولكن في بلدان مثل إيطاليا وإسبانيا واليابان، يقاس طول دعاوى الإفلاس بالسنوات وليس الأشهر أو الأسابيع، كما هي الحال في الولايات المتحدة. وعلاوة على ذلك، في أغلب دول أوروبا القارية لا يمكن إعفاء المرء من ديونه إلا بعد فترة مطولة، من خمس إلى سبع سنوات عادة، وخلالها يجب تخصيص كل دخله تقريباً لسداد الدين.
وفي الولايات المتحدة، على النقيض من ذلك، تستمر الفترة المقابلة أقل من عام واحد في أغلب الحالات. وعلاوة على ذلك، تميل شروط الإعفاء إلى كونها أكثر صرامة في أوروبا. وتشكل إسبانيا حالة متطرفة، حيث لا يتم إعقاء ديون الرهن العقاري أبدا، ولا حتى بعد الإفلاس الشخصي.
والواقع أن هذا الفارق الأساسي بين الولايات المتحدة وأوروبا (القارية) يفسر مرونة اقتصاد الولايات المتحدة وصموده في مواجهة انهيار طفرة الائتمان. فقد تم التعامل مع الديون المفرطة التي تراكمت على الأسر الأميركية بسرعة أكبر كثيرا؛ وبمجرد الاعتراف بالخسائر يستطيع المرء أن يبدأ من جديد.
وبالتالي فلا ينبغي لنا أن نبحث عن السبب وراء فجوة النمو بين ضفتي الأطلسي في تدابير التقشف المفرطة في منطقة اليورو أو الحذر المفرط الذي توخاه البنك المركزي الأوروبي. فهناك أسباب بنيوية وراء تباطؤ تعافي اقتصاد منطقة اليورو من الانهيار المالي عند أطرافه. والأمر الأكثر أهمية هو أنه بالمقارنة بالولايات المتحدة كان التعامل مع الديون المفرطة التي تراكمت خلال سنوات الطفرة أصعب كثيرا.
كان المسؤولون الأوروبيون محقين في تركيزهم على تعزيز الإصلاحات البنيوية في أسواق العمالة والإنتاج في بلدان الاتحاد الأوروبي. ولكن ينبغي لهم أيضاً أن يركزوا على إصلاح إجراءات الإفلاس والتعجيل بها، حتى يصبح في الإمكان الاعتراف بالخسائر بسرعة أكبر ويصبح بوسع الأسر المثقلة بالديون أن تبدأ من جديد، بدلاً من تقييدها لسنوات طويلة.
 
*مدير مركز دراسات السياسة الأوروبية.
خاص بـ"الغد" بالتعاون مع بروجيكت سنديكيت.