أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    21-May-2015

السهم المفقود في اقتصاد آبي

 

سيكي أوباتا وجورج ديزفو
 
طوكيو ـ الغد- بعد فترة وجيزة من توليه منصبه العام 2012، قدم رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي خطة ضخمة للتحفيز المالي، وأرسى برنامجاً جريئاً للتيسير النقدي، وذلك ضمن مساعيه لتنشيط الاقتصاد الياباني. ومنذ ذلك الحين، يعمل صانعو السياسات في اليابان على إطلاق ما يسميه آبي السهم الثالث في أجندته، والذي يتمثل في إجراء إصلاحات شاقة قاسية في الصناعات الرئيسة، وتقويض العوائق الهيكلية التي تعترض طريق النمو.
بيد أن التركيز على السياسة العامة تسبب في الانصراف عن "سهم رابع" ــ ألا وهو القطاع الخاص ــ وتجاهله فيما يبدو. وهذا مما يؤسف له، لأن الحكومة بمفردها لا تستطيع أن تعالج أمراض اليابان. فعلى مدى القسم الأعظم من العقدين السابقين، ظل معدل النمو السنوي للإنتاجية متباطئا، إذ نادراً ما تجاوز حاجز 2 %، مما عكس فرصاً ضائعة وتدهوراً في تنافسية التكلفة.
وتنتشر ظاهرة تدهور الإنتاجية باليابان في كل مكونات الاقتصاد، حيث انهارت تقريباً مكاسب إنتاجية العمل والإنتاجية الرأسمالية في كل القطاعات ــ حتى على مستوى الصناعات المتقدمة التي تشتهر بها اليابان. فعلى سبيل المثال، تبلغ إنتاجية العمل في قطاع معدات النقل نصف نظيرتها في ألمانيا بالكاد.
يضع هذا الاتجاه نمو الناتج المحلي الإجمالي على الطريق نحو متوسط لا يتجاوز 1.3 % حتى العام 2025، مما يعني عقداً ثالثاً من الركود على التوالي. وقد تتزامن مثل هذه النتيجة مع تحول ديموغرافي معاكس يفرض ضغوطاً على العوائد المالية، ويرفع تكاليف الرعاية الصحية الشاملة ومخصصات التقاعد، مما يؤدي إلى تفاقم تأثيرات هذا التحول.
وتعتمد قدرة اليابان على تحويل مسارها على اتخاذ الشركات الخاصة قرارات بالاستثمار، وتغيير سياسات أماكن العمل، ونشر تقنيات جديدة، واختبار نماذج للأعمال غير مجربة. إذ ما تزال إصلاحات آبي الهيكلية بحاجة إلى الوقت والإرادة السياسية لتحويلها إلى تشريعات وقوانين، لكن الشركات اليابانية لا تستطيع الانتظار دون حراك. فهي قادرة على أن تعمل ويجب أن تعمل، دون أن تنتظر إلى أن تغير الحكومة سياساتها. فالاختناقات الاقتصادية في حالات كثيرة لا تكون تنظيمية بطبيعتها، بل تنشأ من الأساليب الراسخة والبالية المتبعة في تنفيذ الأعمال.
مؤخرا، قدم معهد ماكينزي جلوبال بحثاً جديداً يفحص الصناعات المتقدمة، وخدمات التجزئة، والخدمات المالية، والصناعات المتعلقة بالرعاية الصحية في اليابان بشكل تفصيلي ــ وقد وجد أن هناك إمكانيات إنتاجية هائلة غير مستغلة في كلٍ من هذه المجالات.
كبداية، يتحتم على الشركات اليابانية أن تصبح أكثر اندماجاً مع العالم. ويُعَد التصدير إلى الأسواق العالمية السريعة النمو أحد السبل الواضحة للتغلب على تباطؤ نمو الطلب في الداخل. لكن، بدلا من الاكتفاء ببيع المنتجات للخارج، ينبغي للشركات اليابانية أن توسع عملياتها إلى خارج حدودها، وأن توسع نطاق بحثها عن المواهب الدولية.
تدير الشركات اليابانية قدراً هائلاً من عمليات البحث والتطوير، لكن تحتاج معظم الشركات إلى إعادة تشكيل هذه العمليات لتحقيق عوائد أكثر وإحداث تأثير أفضل. ويجب أن تبدأ هذه العملية بفهم ما يريده العميل، مع تصميم على تقديم حلول تتفق مع رغباته. كما يجب تحويل عمليات البحث والتطوير المغلقة التي يغلب الجمود على إدارتها إلى عمليات سلسة مفتوحة تنطوي على تعاون مع العملاء والموردين.
كما ستحتاج الشركات اليابانية إلى تحسين قدراتها في مجالات مثل التسويق، والتسعير، وتنمية المواهب. فرغم تمتعها ببعض نقاط التميز، تفتقر معظم الشركات اليابانية بشدة إلى الخبرة بتلك المجالات المذكورة. ولكي تتنافس في الأسواق العالمية، ينبغي لها أن تحقق قدراً من الثقل في هذه المجالات كالذي حققته في مناطق قوتها التقليدية.
ما تزال شركات يابانية كثيرة بحاجة إلى رقمنة العمليات القائمة على استخدام الأوراق، وتغيير نظم تكنولوجيا المعلومات العتيقة. وقد تستفيد شركات أخرى من تجاوز حدود الرقمنة الأساسية إلى تقنيات الجيل التالي مثل تحليلات البيانات الضخمة. كما يمكن للشركات أيضاً تفادي أزمات نقص العمالة الوشيكة باستخدام نظم برمجيات وروبوتات ذكية. ويمكن للمصنعين دعم خطوط الإنتاج التجميعية أو الاستعاضة عنها بتقنيات مثل إنترنت الأشياء والطباعة الثلاثية الأبعاد.
وبشكل أكثر عموما، يتحتم على الشركات اليابانية أن تضع خططاً للأداء والانضباط. فمع تحرير قوى السوق نتيجة لتغيير السياسيات، ستواجه الشركات منافسة أكبر. وقد تحتاج بعضها لإعادة التنظيم أو الخروج من الأسواق غير المربحة، وقد تضطر شركات أخرى إلى الاتجاه نحو عمليات الاندماج والاستحواذ لتحقيق اقتصاديات العمليات الضخمة.
أخيرا، ينبغي لحاملي الأسهم وكبار التنفيذيين أن يربطوا أهداف الأداء بالحوافز. وقد بدأت بالفعل بعض الشركات اليابانية العملاقة في التحول من نظام الترقية القائمة على الأقدمية إلى تطبيق هياكل أجور تعتمد على الجدارة. وينبغي للشركات الأخرى أن تحذو حذوها. فترقية المواهب الأصغر والأكثر تنوعاً كفيلة بإيجاد مؤسسات رشيقة ذات أفكار متجددة.
إذا نجح القطاع الخاص في اليابان في التصدي لهذا التحدي، فبوسعه أن ينقل الاقتصاد إلى مسار نمو أسرع. إذ أن إدخال تجديدات وابتكارات في شركة واحدة قد ينعكس بقوة على صناعة بأكملها بإجبار المنافسين على السعي للارتقاء بأدائهم. فعلى سبيل المثال، خلال خمسينيات وستينيات القرن العشرين، قدمت تويوتا عمليات إنتاج أكثر كفاءة، تبنتها في النهاية صناعة السيارات بأكملها.
بدلاً من الاكتفاء بمستقبل لا يتجاوز نمو الناتج المحلي الإجمالي فيه 1.3 % سنويا، تستطيع اليابان تحقيق معدل نمو سنوي يقرب من 3 % سنوياً حتى العام 2025. وقد يتطلب هذا زيادة معدل نمو إنتاجية العمل إلى أكثر من الضعف، لكن هذا الهدف في المتناول. ويمكن تحقيق أكثر من نصف هذه الزيادة في النمو بتبني أفضل الممارسات التي تتبعها بالفعل الشركات المختلفة حول العالم، فيما يمكن أن تسهم التكنولوجيا في سد جزء كبير من الفجوة الباقية.
ينبغي لقادة الشركات اليابانية أن يمزجوا التخطيط الطموح باهتمامٍ مركز على التفاصيل. وسوف يكون لزاماً عليهم أن يعملوا على ابتكار منتجات مبدعة، واختراق أسواق جديدة، وإطلاق استثمارات جريئة في المعدات والتكنولوجيا والمواهب، مع فحص كل وجه من أوجه عملياتهم في الوقت ذاته بحثاً عن مظاهر القصور والإهمال.
ربما يكون نبذ الطرق التقليدية لمباشرة الأعمال أمراً واجبا. ولكن هناك مجالاً فسيحاً لإحراز التقدم وتحفيز النمو الاقتصادي الأسرع. فهناك تغير سريع في هيئة الاقتصاد العالمي بفضل التدفقات التجارية الضخمة، وظهور مليارات العملاء الجدد في العالم الناشئ، والاختراقات التكنولوجية. وبوسع اليابان أن تحول مسارها الحالي بتحويل هذه الموجة من تعطل النماذج القائمة إلى فرصة.
 
*سيكي أوباتا أستاذ بكلية الدراسات العليا لإدارة الأعمال بجامعة كيو. جورج ديزفو الشريك المدير لمكتب شركة ماكينزي آند كومباني باليابان.
خاص بـالغد بالتعاون مع بروجيكت سنديكيت.