أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    29-Mar-2015

التخفيف من حِدة سياسات السُخط في أوروبا

 

يانيس فاروفاكيس
 
أثينا ـالغد- مؤخرا، بث مذيع في التلفزيون الألماني مقطع فيديو مفبركاً لي، قبل أن أصبح وزيراً للمالية في اليونان، وأنا أعطي بلاده تحية الإصبع الوسطى. وقد أظهرت التداعيات التأثير المحتمل الذي قد يترتب على إشارة أو إيماءة مزعومة، وخاصة في الأوقات العصيبة. والواقع أن الضجة التي اندلعت بسبب هذا البث ما كانت لتحدث قبل الأزمة المالية في عام 2008، التي كشفت عيوب الاتحاد النقدي في أوروبا وألبت البلدان الفخورة ضد بعضها البعض.
عندما عجزت حكومة اليونان في أوائل عام 2010 عن سداد ديونها للبنوك الفرنسية والألمانية واليونانية، قمت بتنظيم حملة ضد سعيها إلى الحصول على قرض هائل جديد من دافعي الضرائب في أوروبا لسداد تلك الديون. وقد قدمت ثلاثة أسباب.
الأول أن القروض الجديدة لم تمثل خطة إنقاذ لليونان بقدر ما كانت تحويلاً هازئاً لخسائر القطاع الخاص من دفاتر البنوك إلى أكتاف المواطنين الأكثر ضعفاً في اليونان. فكم من دافعي الضرائب في أوروبا، الذين تحملوا فاتورة هذه القروض، يعرفون أن أكثر من 90% من المبلغ الذي اقترضته اليونان والذي بلغ 240 مليار يورو (260 مليار دولار أميركي) ذهب إلى مؤسسات مالية، وليس إلى الدولة اليونانية أو شعبها؟
ثانيا، كان من الواضح أنه ما دامت اليونان غير قادرة بالفعل على سداد قروضها القائمة، فإن شروط التقشف التي قامت عليها "خطط الإنقاذ" من شأنها أن تسحق الدخول الاسمية اليونانية، وبالتالي يصبح الدين الوطني أقل استدامة. وعندما يعجز اليونانيون عن سداد أقساط الديون الهائلة المستحقة عليهم، فسوف يضطر دافعو الضرائب الألمان وغيرهم من الأوروبيين إلى التدخل مرة أخرى. (وبالطبع، حوّل اليونانيون الأثرياء ودائعهم بالفعل إلى مراكز مالية مثل فرانكفورت ولندن).
وأخيرا، كان من المحتم أن يؤدي تضليل الشعوب والبرلمانات بتقديم خطة إنقاذ البنوك باعتبارها عملاً من أعمال "التضامن"، والفشل في الوقت نفسه في مساعدة اليونانيين العاديين ــ بل ونصب فخ لهم لكي يضعوا عبئاً أكبر على كاهل الألمان ــ إلى تقويض التماسك داخل منطقة اليورو. فقد تحول الألمان ضد اليونانيين؛ واليونانيون ضد الألمان؛ مع مواجهة المزيد من البلدان مصاعب المالية، تحولت أوروبا ضد نفسها.
والحقيقة هي أن اليونان لم يكن من حقها أن تقترض من دافعي الضرائب الألمان ــ أو أي أوروبيين آخرين ــ في وقت حيث كانت ديونها العامة غير مستدامة. وكان لزاماً على اليونان قبل أن تتقبل أي قروض أن تطلق عملية إعادة هيكلة الديون وأن تخضع لعجز جزئي عن سداد ديونها المستحقة لدائنيها من القطاع الخاص. ولكن هذه الحجة "المتطرفة" كانت موضع تجاهل إلى حد كبير في ذلك الوقت.
وعلى نحو مماثل، كان من الواجب على المواطنين الأوروبيين أن يطالبوا برفض حكوماتهم حتى مجرد التفكير في تحويل الخسائر الخاصة إليهم. ولكنهم فشلوا في القيام بذلك، ودخل التحويل حيز التنفيذ بعد فترة وجيزة.
وكانت النتيجة أكبر قرض مدعوم من دافعي الضرائب في التاريخ، والذي كان مشروطاً بتبني اليونان لتدابير تقشف صارمة إلى الحد الذي تسبب في خسارة مواطنيها لربع دخولهم، فأصبح من المستحيل أن يتمكنوا من سداد الديون الخاصة أو العامة. وكانت المأساة الإنسانية التي تلت ذلك ــ والمستمرة حتى الآن ــ مأساوية.
بعد خمس سنوات من إصدار أول خطة إنقاذ، لا تزال اليونان في أزمة. وبلغ العداء بين الأوروبيين أعلى مستوياته على الإطلاق، حيث انزلق اليونانيون والألمان بشكل خاص إلى المزايدات الأخلاقية، وتبادل الاتهامات، والعداوة المفتوحة.
ولا يستفيد من لعبة تبادل الاتهامات السامة هذه سوى أعداء أوروبا. ولابد أن تتوقف. وآنئذ فقط سوف تتمكن اليونان ــ بدعم من شركائها الأوروبيين، الذين يشتركون معها في الاهتمام بتعافيها اقتصاديا ــ من التركيز على تنفيذ الإصلاحات الفعّالة وسياسات تعزيز النمو. ويشكل هذا ضرورة أساسية لوضع اليونان، أخيرا، في وضع يسمح لها بسداد ديونها والوفاء بالتزاماتها تجاه مواطنيها.
ومن الناحية العملية، يوفر اتفاق مجموعة اليورو في العشرين من فبراير/شباط، الذي قدّم تمديداً لمدة أربعة أشهر لسداد القرض، فرصة كبيرة لإحراز التقدم. وكما أكَّد قادة اليونان في اجتماع غير رسمي جرى في بروكسيل الأسبوع الماضي، فلابد من تنفيذ هذا الاتفاق على الفور.
وفي الأمد الأبعد، يتعين على قادة أوروبا أن يعملوا معاً لإعادة تصميم الاتحاد النقدي على النحو الذي يجعله داعماً للازدهار المشترك، وليس تأجيج السُخط المتبادل. وهي مهمة شاقة. ولكن من خلال الحس القوي بالهدف المشترك، وتبني نهج موحد، وربما لفتة إيجابية أو اثنتين، يصبح تحقيق هذه المهمة في حكم الممكن.
 
*وزير مالية اليونان.
خاص بـ"الغد" بالتعاون مع بروجيكت سنديكيت.