أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    10-Feb-2019

إيرادات، ومصاريف..!* علاء الدين أبو زينة

 الغد

هدف الاقتصاد المحلي في هذه الفترة، كما يُفهم من الخطاب الحكومي، هو الوصول إلى النقطة حيث تغطي إيراداتنا الذاتية مصاريفنا. وهو هدف جدير. وفي سبيله، لا بأس بالاقتراض، بل وحتى بإجراءات التقشف وشد الأحزمة. لكن الاعتماد على الذات في تغطية المصاريف، كهدف، يعني عمليا شيئا واحدا: الاستثمار. والاستثمار شيء كبير في الحقيقة.
يبدو أن الوسيلة الراهنة لـ”تغطية مصاريفنا”، هي أن نتكئ على شيء مرهق أصلا؛ بمعنى أن تزيد الحكومة من الأعباء المالية على المواطن لرفد خزينة الدولة. وما من عيب في دفع المواطن للدولة، إذا كان ذلك استثمارا مربحا في الأساس، حين تنفق الدولة هذه الأموال في أمور تنعكس بوضوح على معيشة المواطن، سواء في فرص العمل، أو تحسين الأجور، أو جودة وكلفة التعليم، أو الصحة والخدمات العامة. وبهذا تتحقق مسألة تغطية مصاريفنا من عوائدنا بالمعنى الإيجابي.
يشبه ذلك أبا عنده أولاد في البيت يعملون، ويطلب منهم المساهمة بحصة من دخولهم تدعم دخله، لتحسين معيشة الأسرة جميعاً: صيانة البيت وأثاثه، ونوعية الطعام، والمظهر، والرفاه العام للأسرة. والمشاركة هنا، بتخلي الأبناء عن جزء من دخولهم، واجب وفائدة عملية. أما إذا لم تنعكس المشاركة في هذه التجليات، فيغلب أن يدعو ذلك إلى التساؤل عن تعريف “المشاركة” وجدواها على الأقل.
قد يكون الذي يحدث على المستوى العام هو تسوية مرهقة وغير استراتيجية لمعادلة الإيرادات والمصاريف. فحتى تصبح “إيراداتنا=مصاريفنا” –كبلد- بطريقة “إشراك” المواطنين بهذه الكثافة، يجد معظم المواطنين أن إيراداتهم لا تغطي متطلبات المعيشة والمصاريف، مع الأسعار العالية وكلف التعليم والصحة والضرائب غير المتناسبة مع معدلات الدخل. وقد قصر اللحاف جدا على القدمين بحيث انكمش الناس كثيرا، أو بقيت أجزاء كبيرة منهم في العراء والبرد. وإذا كان مستوى الرضا الاجتماعي هو معيار النجاح الاقتصادي والأمن في البلدان، فإن العيش مع القلق لتحقيق معادلة الإيرادات والمصاريف المذكورة ليس خياراً.
سيكون هذا الوضع مقبولا فقط إذا كان مؤقتا، مثل مشروع لا يأتي بعوائد محسوسة في الفترة الأولى. لكن هذه الفترة يجب أن تكشف عن مؤشرات على الآفاق واحتمالات الربح في زمن معقول، وإلا شاع الإحباط وأحس أصحاب الأسهم بالخسارة والتعرض للخداع. وإذا كان شرط المقرضين لدعم مشروعك هو الضغط على مواطنيك وإشراكهم جبرياً في تمويله، فإن استخدام هذا وذلك في إدارة الأزمة كالعادة ليس حلا. والافتراض المنطقي هو الشروع في استثمار القروض والمشاركات في شيء استراتيجي لا يقل عن التأمين الوجودي لإنعاش الحيوية الجمعية.
لا شك في أن الاستثمار على مستوى الدول أعقد من مشروع تجاري عادي. وهو يبدأ حتما بالبديهيات، مثل توفير التمويل والبنية التحتية والقانونية المثلى لتشجيع الاستثمار وجذبه، لكنه يتعدى ذلك إلى الكثير من عناصر بناء البلدان والمجتمعات التقدمية. إنه يتعلق بنوعية الإنسان والعقل الاجتماعي والسياسي. ويتصل ذلك باعتناق المعايير الديمقراطية الحقيقية، بما تتيحه من تحرير للطاقات، وسيادة القانون، وتمكن المواطنين من محاسبة مديري مشروع حياتهم وحصصهم في أوطانهم.
وهو يتطلب التخطيط الذكي والمنفتح للتعليم لصناعة مجتمع معرفة، يتمتع أفراده بالتأهيل اللازم للمشاركة في المشاريع الفرعية والمشروع الوطني على حد سواء. وهو يحتاج إلى إشاعة عقيدة الانتماء إلى الكل ونبذ الولاءات الفئوية ومطاردة المصالح الذاتية، على أساس جاذبية المشروع الكبير ووعده بتعويض الأفراد عن الفوائد الصغيرة والوقتية التي توفرها الوحدات الصغيرة.
لا شك في أن التغييرات بهذا المستوى تتطلب جهدا جيليا وليس أشهراً أو بضع سنوات. لكن نتائج التقدم لا تظهر في شكل طفرة لحظية عند نهاية المدة، وإنما مع كل خطوة، مثلما يحدث مع بناء كل طابق من بناية عالية. وعلى سبيل المثال، يرونك في متحف دبي صورة من التسعينيات لم يكن فيها في المدينة سوى برج واحد. لكن عقدين تقريبا أنتجا مشهدا مختلفا، ومعه حياة الناس التي تغيرت يوما بيوم.
لسنا دبي بالتأكيد، لكن المسألة تتعلق بالفكرة؛ بالعمل على الإمكانات بطريقة خلاقة تتجسد براعتها على الملأ. والغاية هي تحقيق معادلة “العوائد تغطي المصاريف”، وإنما في بيوت الأسر المفردة، لأن هذا هو المعيار. وبخلاف ذلك، قد تتساوى الأرقام، لكن سوية الإنسان، أساس الأوطان، ستكون مختلة.