أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    17-Sep-2025

شراكة أردنية - قطرية.. اقتصاد يقود إلى استقرار*د. رعد محمود التل

 الراي 

واصل الميزان التجاري بين الأردن وقطر نموه الملحوظ خلال عام 2024، حيث ارتفع بنسبة 5.6 بالمئة مقارنة بعام 2023، ليبلغ قرابة 910 ملايين ريال قطري (250 مليون دولار)، مقابل 860 مليون ريال (236.2 مليون دولار) في العام السابق، و800 مليون ريال (219.7 مليون دولار) في 2022. هذا التطور يعكس مسارًا تصاعديًا واضحًا في المبادلات التجارية بين البلدين، مدعومًا بزيادة مستوردات قطر من السلع الغذائية والاستهلاكية الأردنية، وهو ما يؤكد أن العلاقة الثنائية لم تعد مجرد تبادل تجاري تقليدي، بل تحولت إلى رافعة اقتصادية ذات بعد استراتيجي في ظل الظروف السياسية والاقتصادية الراهنة.
 
تتمثل أهمية هذه العلاقة في تكامل المزايا بين الطرفين، فالأردن يمتلك قاعدة زراعية وصناعية قادرة على تزويد السوق القطري بمنتجات غذائية متنوعة تشمل الخضار والفواكه الطازجة، اللحوم ومشتقاتها، الألبان والأجبان، التمور، الحبوب، العصائر، القهوة، والعسل. هذا التنوع يجعل الأردن شريكًا أساسيًا في تعزيز الأمن الغذائي القطري، خاصة بعد الزيادة الكبيرة في واردات قطر من المنتجات الزراعية الأردنية منذ عام 2020. في المقابل، تصدّر قطر إلى الأردن منتجات أساسية لقطاعاته الصناعية والزراعية، أبرزها المواد الكيماوية، البتروكيماويات، الألمنيوم، الحديد، الأسمدة، والمحاليل الطبية. هنا يظهر شكل من أشكال التكامل الاقتصادي، الأردن يزود قطر بالمنتجات الاستهلاكية التي تمس الحياة اليومية، بينما تزود قطر الأردن بالمدخلات الصناعية والزراعية التي تغذي عملياته الإنتاجية.
 
الأرقام التاريخية تضيف بعدًا آخر لفهم هذه العلاقة. فالميزان التجاري بين البلدين تجاوز خلال السنوات العشر الماضية 11.5 مليار ريال قطري (3.17 مليار دولار)، ما يعكس رسوخ التعاون الاقتصادي واستمراريته عبر الزمن. هذا التراكم لا يعبّر عن صفقات ظرفية أو موجات مؤقتة، بل عن مسار ثابت يتطور عامًا بعد آخر، ما يمنحه طابعًا استراتيجيًا طويل الأمد.
 
من الناحية السياسية والاقتصادية، يكتسب هذا التعاون أهمية مضاعفة. الأردن يواجه تحديات مالية وضغوطًا على عملته وعجزًا مزمنًا في ميزانه التجاري، ما يجعل تدفق الاستثمارات والمساعدات القطرية عنصرًا داعمًا لاستقراره الاقتصادي والاجتماعي. وفي المقابل، تستفيد قطر من بناء شراكة تجارية مع دولة مستقرة سياسيًا وقريبة نسبياً جغرافيًا، ما يعزز أمنها الغذائي ويمنحها منفذًا موثوقًا لتأمين احتياجاتها الاستراتيجية في وقت يتسم بعدم اليقين في الأسواق العالمية.
 
البعد الإقليمي لا يقل أهمية عن الجوانب الاقتصادية المباشرة، فالأزمات المتتالية في المنطقة، من الحرب في غزة إلى اضطرابات سلاسل التوريد العالمية، جعلت من التعاون الأردني–القطري أداة لتعزيز الاستقرار السياسي والاقتصادي على حد سواء. دعم قطر للاقتصاد الأردني من خلال الاستثمارات والمنح، وتوسيع الأردن لدوره كمزوّد غذائي موثوق، يرسّخ مناعة الطرفين في مواجهة التحديات الإقليمية.
 
مع ذلك هناك تحديات ينبغي إدارتها بعناية، فالتغيرات السياسية في المنطقة يمكن أن تؤثر على استمرارية بعض المشاريع. هذه التحديات لا تقلل من أهمية الشراكة، لكنها تبرز الحاجة إلى استراتيجية أكثر تنويعًا وتوازنًا.
 
لذلك، فإن تعميق التعاون المستقبلي يتطلب توجيه الاستثمارات القطرية نحو مشاريع إنتاجية وبنية تحتية مستدامة، مثل الطاقة المتجددة والصناعات التحويلية، إلى جانب تعزيز التعاون في قطاع النقل واللوجستيات بما يرسخ موقع الأردن كبوابة إقليمية. كما أن ربط المساعدات والبرامج التنموية ببرامج تدريب وتشغيل للشباب الأردني سيجعل العلاقة أكثر فاعلية واستدامة، ويعزز من أثرها التنموي على المدى الطويل.
 
يتضح أن التعاون الاقتصادي بين قطر والأردن تجاوز حدود التجارة التقليدية ليصبح خيارًا استراتيجيًا يخدم مصالح متبادلة ويعزز الاستقرار الإقليمي. نجاح هذه العلاقة يعتمد على قدرتها على التحول إلى شراكة متوازنة تستجيب لاحتياجات الحاضر، وتؤسس لآفاق تنموية مستدامة في المستقبل. بهذا المعنى، تمثل العلاقة بين الدوحة وعمان نموذجًا اقتصاديًا وسياسيًا يمكن البناء عليه لمواجهة تحديات المنطقة وصناعة فرص جديدة للتنمية والاستقرار.