أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    18-Mar-2018

الأهداف الاقتصادية المرجوّة لـ «شركة النفط الوطنية العراقية*وليد خدوري

 الحياة-وافق مجلس النواب العراقي في الخامس من الشهر الجاري، على إعادة تأسيس شركة النفط الوطنية العراقية بعدما تم حلها في أواسط الثمانينات. وشملت مهمات الشركة الجديدة تأسيس صندوق لتوزيع أسهم للمواطنين العراقيين المقيمين في البلاد وتأسيس «صندوق الأجيال»، إضافة إلى تنفيذ المشاريع في المحافظات النفطية.

 
أثار قانون تأسيس الشركة الكثير من الاهتمام المحلي، لأنه محاولة لتغيير الاقتصاد والمجتمع العراقي من نظام «الريعية» حيث تسيطر الحكومة على واردات الصادرات النفطية، ما يؤهلها على السيطرة الشاملة لمؤسسات الدولة، وتهميش دور المواطن السياسي والمدني لاعتماده مادياً على الحكومة، إلى مجتمع مفترض حيث يتاح أن يكون المواطن مستقلاً مادياً عن الحكومة، من خلال توزيع شركة النفط الوطنية أسهماً سنوية مباشرة للمواطنين. فالبند (12) رقم (ثالثا-1) يقضي بأن « تؤول نسبة لا تتجاوز 90 في المئة من أرباح الشركة إلى خزينة الدولة وتحدد نسبتها في قانون الموازنة الاتحادية». كما ينص البند (ثالثاً-2) على «توزيع بقية أرباح الشركة بعد استقطاع النسبة المخصصة لاحتياط رأس مال الشركة، «ونسبة من الأرباح لصندوق المواطن حيث توزع على أسهم متساوية القيمة لجميع المواطنين المقيمين في العراق، وبحسب الأولوية لشرائح المجتمع، ولا يجوز بيع أو توريث الأسهم وتسقط عند الوفاة». كما توزع نسبة من الأرباح لـ «صندوق الأجيال». يضاف إلى ذلك تخصيص نسبة من الأرباح لصندوق الإعمار بهدف تنفيذ مشاريع استراتيجية في المحافظات التي يمارس فيها نشاط نفطي للشركة. وبحسب القانون تحتسب الأرباح بعدما تستقطع الشركة مبلغاً يغطي كل تكاليفها الاستثمارية والتشغيلية.
 
تثير هذه التوزيعات أسئلة، أهمها كم سيتبقى من أموال لتوزيعها مباشرة على المواطنين، بعد كل المواد التي حددها القانون لتوزيع الأرباح. ويرى الخبير النفطي العراقي حمزة الجواهري، أن القانون «يمنح المواطن العراقي سهماً قيمته في أحسن الأحوال لا تصل إلى 50 دولاراً سنوياً»، فهل سيشكل هذا المبلغ السنوي دخلاً مالياً للمواطن يوفر له الاستقلالية عن الحكومة والقضاء على النظام «الريعي»؟ وهل من الممكن تنفيذ مواد القانون التي تحاول دعم الشركة بمنحها استقلالية في العمل ومواصفات عالية نسبياً للتوظيف؟ فهل يستطيع مجلس النواب والنظام السياسي الحاكم منذ احتلال 2003، أن يسمح باستقلالية أي مؤسسة حكومية، بخاصة النفطية منها، في ظل إصرار الأحزاب الدينية على إسناد مناصب مسؤولة في الدولة للحزبيين فقط، على رغم عدم توافر الشهادات الجامعية والخبرات اللازمة لهؤلاء. فهل ستستطيع الشركة تنفيذ القانون بعيداً من تدخلات الأحزاب الدينية في تعيين أتباعها غير المؤهلين للمناصب النفطية المتخصصة؟ وطبعاً، لا يمكن غض النظر عن شيوع الفساد في كل من السلطتين التنفيذية والتشريعية، بخاصة انه لم تجر حتى الآن تحقيقات وافية للمشبوهين بالفساد، كما لم تجر بعد محاولات جدية لاسترداد مئات مليارات الدولارات التي تمت سرقتها من الدولة. والواقع أن عدداً من المشبوهين يتزعمون القوائم الانتخابية النيابية.
 
المؤسف في القانون تفويت الفرصة للتعامل مع التحديات المستقبلية وقصر النظر بعدم محاولة تأسيس شركة وطنية عراقية للطاقة. فقد اكتفى القانون بالصناعة النفطية، بعيداً من قطاعات الطاقة المتعددة، وكأننا لا نزال في السبعينات والثمانينات. لكن قطاع الطاقة تطور جدياً، إذ لا يعتمد على وقود واحد. وشركات النفط أصبحت متعددة المهام، فهي ليست مسؤولة فقط عن إنتاج النفط. وتوسعت شركات لتتحمل أيضاً مسؤولية إنتاج الكهرباء، نظراً إلى أهمية الوقود الأحفوري في إنتاج الكهرباء. كما أخذت الشركات تستثمر في الطاقات المستدامة (شمس ورياح)، إضافة إلى الطاقة النووية. وتتعامل الشركات النفطية الآن بشكل واسع مع التبعات البيئية للهيدروكربونات.
 
في الوقت ذاته، لا تكمن مسؤولية شركة نفطية في تمويل صندوق الأجيال. هذه مهمة السلطات المالية (وزارة المال أو مؤسسات مصرفية متخصصة). إن من المهام الكبرى لشركة نفط وطنية في دولة كالعراق ذات احتياطات نفطية ضخمة (الثانية في «أوبك») هو زيادة الطاقة الإنتاجية مع مراعاة استقرار الأسواق والأسعار العالمية، إضافة إلى تشييد صناعات الطاقة الحديثة والمتقدمة. ونحن نتكلم هنا عن الفترة القصيرة المدى، التي لا تتعدى العقود الثلاثة المقبلة، أي منتصف هذا القرن، إذ تتزايد تشريعات القوانين وتتسارع في دول صناعية كبرى (ألمانيا، الصين، فرنسا، وبريطانيا) إضافة إلى ولاية كاليفورنيا التي تحظر استعمال السيارات ذات آلية الاحتراق الداخلي قبل منتصف القرن، من ثم تخفيض الطلب عليه وانخفاض سعره، ولتقليص انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون بقدر المستطاع. هذا يعني تقليص دور النفط في الاقتصاد العالمي، وانخفاض الطلب عليه وبالتالي تراجع أسعاره.
 
فما هو مدى الاستمرارية في تعزيز الإنتاج النفطي العراقي، من دون إيلاء الاهتمام اللازم بتوسيع قطاع الطاقة داخلياً من الطاقات المستدامة والنووية والهيدروكهربائية، وتبني سياسات فعالة لترشيد الاستهلاك. هذا يعني أن المهمات الرئيسة لشركة النفط الوطنية في القرن الحادي والعشرين ومستقبلاً، هي تعزيز أمن الطاقة من خلال تكاملها داخلياً لتأمينها للمواطن والصناعة المحلية. إن الرؤية المستقبلية لتقنين هذا التكامل توجب تعزيز الاعتبارات الطاقوية للعراق أولاً، ومن ثم التصدير، إذ لا يعقل أن يصدر العراق ملايين البراميل من النفط يومياً بينما يحرم المواطن من الكهرباء بشكل مستمر لسنوات عدة، فمن خلال تحقيق أمن إمدادات الطاقة للمواطنين، يتم البدء بالتطوير الاقتصادي المطلوب.