أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    30-Aug-2015

التشغيل الآلي والإنتاجية والنمو

 

مايكل سبنس
 
برلين ـالغد-  يبدو من الواضح أنه إذا استثمرت شركة ما في التشغيل الآلي فإن قوة العمل لديها ـ برغم احتمال تخفيضها ـ سوف تكون أكثر إنتاجية. لماذا إذن تنبئنا الإحصاءات بقصة مختلفة؟
في الاقتصادات المتقدمة، حيث تمتلك قطاعات عديدة المال والإرادة للاستثمار في التشغيل الآلي، كان نمو الإنتاجية (قياساً على القيمة المضافة عن كل موظف أو ساعة عمل) منخفضاً لمدة خمسة عشر عاماً على الأقل. وفي السنوات التي مرت منذ اندلاع الأزمة المالية العالمية في عام 2008، كان إجمالي النمو الاقتصادي في هذه البلدان هزيلاً أيضا، 4 % فقط أو أقل في المتوسط.
ولعل أحد التفسيرات هو أن الاقتصادات المتقدمة تكبدت قدراً هائلاً من الديون وكانت في احتياج إلى تقليص هذه الديون، الأمر الذي ساهم في إيجاد نمط من نقص الاستثمار في القطاع العام، فضلاً عن ركود الاستهلاك والاستثمار الخاص. ولكن تقليص الديون عملية مؤقتة، ولا تؤدي إلى تقييد النمو إلى ما لا نهاية. في الأجل البعيد، يعتمد النمو الاقتصادي الإجمالي على النمو في قوة العمل وإنتاجيتها.
ومن هنا فإن السؤال الذي يشغل أذهان الساسة وأهل الاقتصاد على حد سواء هو: هل تباطؤ الإنتاجية حالة دائمة وتشكل قيداً على النمو، أم أنها ظاهرة انتقالية؟
لا توجد إجابات سهلة، وخاصة بسبب مجموعة واسعة من العوامل التي تسهم في تعزيز هذا الاتجاه. وبعيداً عن الاستثمار في القطاع العام، هناك السياسة النقدية التي، أياً كانت فوائدها وتكاليفها، حولت استخدام الشركات للنقد تجاه الأسهم بشرط إعادة الشراء، في حين ظل الاستثمار الحقيقي ضعيفا.
ومن ناحية أخرى، عملت تكنولوجيا المعلومات والشبكات الرقمية على تحويل مجموعة من الوظائف الإدارية والعمالية إلى التشغيل الآلي. وربما كان بوسع المرء أن يتوقع أن يؤدي هذا التحول، الذي بلغ عامه المحوري في الولايات المتحدة عام 2000، إلى البطالة (على الأقل إلى أن يعدل الاقتصاد نفسه)، مصحوبة بارتفاع في الإنتاجية. ولكن في السنوات السابقة لأزمة عام 2008، تظهر البيانات في الولايات المتحدة أن الإنتاجية اتجهت نحو الهبوط؛ ولم ترتفع البطالة بشكل ملحوظ حتى اندلاع الأزمة.
وربما كان أحد التفسيرات هو أن تشغيل العمالة في السنوات السابقة للأزمة كان مدعوماً بالطلب الذي تغذى على الائتمان. وعندما انفجرت فقاعة الائتمان ــ على النحو الذي حفز تعديلاً عاجلاً بدلاً من التكيف التدريجي للمهارات ورأس المال البشري الذي كان ليحدث في أوقات أكثر طبيعية ــ وجد الملايين من العاملين أنفسهم فجأة بلا عمل. والمغزى الضمني هنا هو أن المنطق الاقتصادي لمعادلة التشغيل الآلي مع زيادة الإنتاجية لم يبطل؛ ولكن حجية هذا المنطق تأخرت لا أكثر.
ولكن معضلة الإنتاجية لا تنتهي عند أزمة 2008. ففي العقدين السابقين للأزمة، فشل القطاع الوحيد في الاقتصاد الأميركي الذي ينتج سلعاً وخدمات دولية قابلة للتداول ــ ثلث الناتج الإجمالي ــ في توليد أي زيادة في الوظائف، حتى برغم أنه كان ينمو بسرعة أكبر من القطاع غير القابل للتداول من حيث القيمة المضافة.
وكانت أغلب خسائر الوظائف في القطاع القابل للتداول في الصناعات التحويلية، وخاصة بعد عام 2000. وبرغم أن بعض الخسائر ربما كانت ناجمة عن مكاسب الإنتاجية في تكنولوجيا المعلومات والصناعة الرقمية، فإن قسماً كبيراً منها حدث عندما حولت الشركات شرائح من سلاسل التوريد الخاصة بها إلى أجزاء أخرى من الاقتصاد العالم، وخاصة الصين.
وعلى النقيض من ذلك، سجل القطاع غير القابل للتداول في الولايات المتحدة ــ الذي يشكل ثلثي الاقتصاد ــ زيادات كبيرة في العمالة في السنوات السابقة لعام 2008. بيد أن هذه الوظائف ــ في الخدمات المحلية عادة ــ كانت تولد عادة قيمة مضافة أقل من وظائف التصنيع التي اختفت. ويرجع هذا جزئياً إلى أن القطاع القابل للتداول كان في تحول نحو الموظفين من ذوي المستويات العالية من المهارة والتعليم. وبهذا المعنى فقد ارتفعت الإنتاجية في القطاع القابل للتداول، برغم أن التحولات البنيوية في الاقتصاد العالمي كانت لا تقل أهمية بكل تأكيد عن الموظفين الذين أصبحوا أكثر كفاءة في القيام بنفس الوظيفة.
من المؤسف بالنسبة للاقتصادات المتقدمة أن المكاسب في نصيب الفرد في القيمة المضافة في القطاع القابل للتداول لم تكن كافية للتغلب على التأثير الذي خلفه نقل العمل من وظائف التصنيع إلى وظائف الخدمات غير القابلة للتداول (وكثير منها لم تكن موجودة إلا بسبب الطلب المحلي القائم على الائتمان في الأيام الذهبية قبل عام 2008). وبالتالي كانت مكاسبة الإنتاجية الإجمالية الهزيلة.
من ناحية أخرى، مع زيادة الاقتصادات النامية ثراءً فسوف تستمر هي أيضاً في التكنولوجيا في محاولة للتكيف مع تكاليف العمل المرتفعة (وهو الاتجاه الذي بات واضحاً بالفعل في الصين). ونتيجة لهذا، فربما بلغنا أقصى ارتفاع للإنتاجية العالمية ونمو النتاج المحلي الإجمالي.
كان المبدأ المنظم لسلاسل التوريد العالمية في أغلب الفترة التالية للحرب هو نقل الإنتاج نحو مجمعات العمل المنخفضة التكلفة، لأن العمل كان ولا يزال العنصر الأقل قابلية للانتقال بين العوامل الاقتصادية (العمل، ورأس المال، والمعرفة). وسوف يظل هذا صحيحاً بالنسبة للخدمات ذات القيمة المضافة العالية والتي تتحدى التشغيل الآلي. ولكن المبدأ المنظم بالنسبة للتكنولوجيات الرقمية التي تعتمد على رأس المال بكثافة سوف يتغير: فسوف ينتقل الإنتاج نحو الأسواق النهائية، والتي سوف تتواجد بشكل متزايد ليس فقط في البلدان المتقدمة بل وأيضاً في الاقتصادات الناشئة مع توسع الطبقات المتوسطة هناك.
مؤخرا، أشار مارتن بايلي وجيمس مانييكا إلى أننا رأينا هذا الفيلم من قبل. ففي ثمانينيات القرن العشرين، زعم كل من روبرت سولو وستيفن روتش أن الاستثمار في تكنولوجيا المعلومات لم يكن يظهر أي تأثير على الإنتاجية. ثم أصبحت شبكة الإنترنت متاحة للعموم، وأعادت الشركات تنظيم أنفسها وسلاسل التوريد الخاصة بها، وتسارعت الإنتاجية.
كانت فقاعة الدوت كوم في نهاية تسعينيات القرن العشرين بمثابة إساءة تقدير لتوقيت، وليس حجم الثورة الرقمية. وعلى نحو مماثل، زعم مانييكا وبايلي أن "إنترنت الأشياء" التي دارت حولها مناقشات كثيرة ربما تكون على بُعد بعض سنوات من الظهور في بيانات الإنتاجية الكلية.
لقد أصبح تكيف المنظمات والشركات والأفراد مع التحولات المدفوعة بالتكنولوجيا في بنيتنا الاقتصادية ضرورة أساسية. وسوف تكون التحولات طويلة، وسوف تكافئ البعض وتفرض تعديلات صعبة على آخرين، ولن تظهر تأثيراتها المرتبطة بالإنتاجية في البيانات الكلية لبعض الوقت. ولكن أولئك الذين يتحركون أولاً من المرجح أن يكونوا الأكثر استفادة.
 
*حائز على جائزة نوبل في علوم الاقتصاد.
خاص بـ"الغد" بالتعاون مع بروجيكت سنديكيت.