أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    04-Jun-2018

الحوار والأمن الوطني!! *رجا طلب

 الراي-امتاز الأردن عن غيره من الدول العربية غير النفطية وتحديدا بعد الحقبة الديمقراطية التي أعقبت « هبة نيسان « في عام 1989 بتشكل معارضة وطنية مقطوعة الارتباط بالخارج إلى حد بعيد وكبير ، وسمحت ظروفه الداخلية والخارجية والتطورات السياسية المتلاحقة في الاقليم بتشكل نوع خاص من « الولاء السياسي « الذي سمح ببناء معارضة داخل رحم هذا الولاء على ارضية وطنية بعيدة عن المناكفة او الانتهازية ، وعمل العرش على الدوام على تأطير هذا الولاء وتأطير تلك المعارضة من خلال التواصل اليومي المباشر مع الناس عبر وسائل عدة ، بحيث ساهمت هذه الميزة في تكوين الية لتفريغ الازمات اولا باول والية لايجاد الحلول للمشكلات ومنع تراكمها لديه.

 
علينا الاعتراف بان مجلس النواب وخلال العقد الماضي عجز عن المشاركة الفعلية في عملية صنع القرار ولذلك اسباب كثيرة لا مجال للتطرق لها الان ، وفي المقابل كانت الحكومات هي الاخرى بعيدة عن نبض الشارع ، وباتت تدار بطريقة بيروقراطية ، حيث عملت تلك الطريقة على «جدولة المشكلات» ، وترحيلها وبالتالي تراكمها مما ولد ما يمكن تسميتها بحكومات «الموظفين» منزوعة «الدسم السياسي» والتى تعول في اغلب الازمات على تدخل «الملك» واتخاذه القرار في اللحظات الحرجة والحاسمة ، وهو ما جعل عددا من الحكومات في المملكة الثالثة وفي العهد الحالي تشكل عبئا ثقيلا على «القصر».
 
في تشخيص الازمة الحاصلة اليوم يمكنني القول انها ازمة مركبة بين الحكومة والشارع ، مركبة من عدة ابعاد ، البعد الاول غياب الثقة بين الطرفين ، والبعد الثاني غياب الحوار وتحديدا في القضايا والقوانين الناظمة للحياة العامة ، اما البعد الثالث وهو خطير للغاية غياب مجلس النواب عن المشهد وعجزه عن التصدى لقضايا الشارع والدفاع عنها تحت القبة ، وهو ما سمح للنقابات المهنية «لتسيد» المشهد في عودة محمودة الى دورها المهني والمجتمعي.
 
ان المخرج الدائم « لنزع فتيل الأزمات « بين الشارع والحكومات المتعاقبة هو « نهج الحوار « المبرمج ، وليس الحوار الموسمي او الحوار المتأتي فجأة ومن رحم الأزمات الطارئة ، فالحوار بين الحكومات والقوى التمثيلية في الشارع والتمثيلية للشارع قادر على تجنيب البلد المخاطرة بمس الأمن الوطني او الاقتراب من حواف الأزمات الكبرى والعميقة والتي تلامس بنية الدولة أو بنية المجتمع.
 
إن مفهوم الأمن الوطني في الدولة الاردنية لم يكن في يوم من الايام مفهوما فنيا – بوليسيا بقدر ما كان مزيجا بين الامن ببعده الفني والامن ببعده المجتمعي ، والامن المجتمعي لدينا في الاردن يتكون من معادلة صعبة متعددة العناوين يختلط فيها السلم الاهلي ، بالامان الوظيفي ، وبالظروف المعيشية وبالقدرة على الحد من الفقر والحد من البطالة وتحديدا بين فئة الشباب المتعلم ومدى شعور هذا المجتمع الشبابي بالامان وبالمستقبل وآفاقه ، حيث اثبتت الدراسات والابحاث الميدانية لطبيعة البنية الاجتماعية للارهاب في عدد من دول الجوار والمنطقة ان هذا الارهاب يصنعه بالدرجة الاولى انسداد الافق المستقبلي للشباب وهو ما يدفعهم للالتحاق بالتنظيمات الارهابية كنوع من الاستسلام « لليأس «.
 
مازال الاردن ورغم ظروفه الاقتصادية الصعبة وظروفه الجيوسياسية المعقدة والمتشابكة يتمتع « بحصانة « عالية ضد « ثقافة تدمير الذات « والسلوك غير الوطني ، وربما يكون الاعتصام الذي دعت له النقابات المهنية والذي نفذ في الاسبوع الماضي اكبر دليل على تلك الحقيقة ، الا ان ادامة هذه الظاهرة الايجابية وتعزيزها يتطلب من هذه الحكومة وغيرها من الحكومات القادمة الامساك بنهج الحوار للتصدي للمشكلات برؤية مجتمعية وتشاركية وهي مهمة ليست سهلة على الاطلاق وهي بحاجة الى عقول سياسيين وليس عقول موظفين.