تحصين الجبهة الاقتصادية.. ما أدوات تجاوز العاصفة الإقليمية؟
الغد-عبد الرحمن الخوالدة
في ظل تصاعد وتيرة المواجهة العسكرية بين إيران والكيان الإسرائيلي، باتت المنطقة تعيش على وقع احتمالات مفتوحة، قد تنقل الشرق الأوسط من حالة التوتر السياسي إلى مرحلة عدم يقين اقتصادي شامل.
وفي هذا السياق، يجد الأردن – كدولة مستقرة سياسيًا في قلب منطقة ملتهبة – نفسه أمام تحدٍ محوري، فكيف يحصّن اقتصاده المرهق بالأزمات من ارتدادات المواجهة الإقليمية المحتملة؟
ويبدو أن الاقتصاد الأردني مقبل على اختبار جديد لقدرته على الصمود في وجه صدمة خارجية جديدة. ومع أن الأدوات والإمكانات متاحة إلى حد ما، إلا أن فاعلية التحرك الحكومي السريع، وتوسيع الشراكات الدولية، وتحقيق التوازن بين الأمن والسياسات الاقتصادية، تبقى مفتاح النجاح في عبور هذه المرحلة الحساسة بأقل الخسائر الممكنة، بحسب خبراء.
ويحذر الخبراء من أن تصاعد التوتر بين إيران وكيان الاحتلال الإسرائيلي ينذر بتداعيات اقتصادية عميقة قد تمتد إلى معظم دول المنطقة، وفي مقدمتها الأردن، نظرًا لموقعه الجيوسياسي الحساس واعتماده الكبير على الواردات والطاقة والمساعدات الخارجية.
وأكد الخبراء في تصريحات لـ"الغد"، أن المملكة أمام تحدٍ مضاعف يتمثل في ضرورة تحصين جبهتها الاقتصادية من تداعيات الصراع، خاصة مع احتمالات ارتفاع أسعار الطاقة، وتراجع النشاط السياحي والاستثماري، واضطراب سلاسل التوريد، ما يتطلب تفعيل أدوات الحماية المالية والنقدية، وتعزيز الأمن الغذائي والمائي، وتوسيع قاعدة الإنتاج المحلي.
وكانت دولة الاحتلال الإسرائيلي قد شنت، صباح الجمعة، سلسلة هجمات استهدفت منشآت عسكرية ونووية في إيران، وأسفرت عن اغتيال عدد من القادة العسكريين الإيرانيين، في إطار سعيها لمنع طهران من امتلاك سلاح نووي. وردّت إيران بهجوم صاروخي استهدف مواقع داخل إسرائيل، بما في ذلك العاصمة تل أبيب، مما رفع مستوى التوتر الإقليمي إلى مستويات غير مسبوقة.
مخامرة: تحصين الجبهة الاقتصادية أولوية وطنية
ويرى الخبير الاقتصادي وجدي مخامرة أن تصاعد التوترات بين إيران وإسرائيل يضع المنطقة أمام سيناريوهات غير محسوبة قد تمتد إلى الجوانب الاقتصادية والاجتماعية، مؤكدًا أن موقع الأردن يجعله عرضة مباشرة للتأثر، ما يتطلب تعزيز صموده الاقتصادي بسرعة وكفاءة.
وأوضح أن التحديات التي يواجهها الاقتصاد الأردني مركبة، إذ يعاني داخليًا من ارتفاع معدلات المديونية والبطالة، وخارجيًا من الاعتماد الكبير على الواردات والمساعدات. وأكد أن التحصين الاقتصادي بات أولوية وطنية، لا سيما في ظل الانكشاف على تقلبات الإقليم.
ودعا مخامرة إلى استثمار علاقات الأردن الدولية، خصوصًا مع الولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي، ودول الخليج، إلى جانب مؤسسات التمويل الدولية مثل صندوق النقد والبنك الدولي، للحصول على دعم فني ومالي، وتأمين بدائل للإمدادات، وفتح أسواق جديدة.
انعكاسات مباشرة متوقعة
وأشار مخامرة إلى أن استمرار التوترات من شأنه أن يؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط والغاز، مما يرفع فاتورة الطاقة الوطنية. واضطراب سلاسل التوريد، وارتفاع تكاليف الشحن، خاصة في ميناء العقبة. وتراجع السياحة، لا سيما من الأسواق الأوروبية والأميركية.
ما الأدوات المتاحة؟
ولمواجهة هذه التحديات، قال مخامرة إن الأردن يمتلك أدوات مالية ونقدية قادرة على التخفيف من الصدمة، أبرزها احتياطيات أجنبية كافية لتغطية أكثر من 8 أشهر من الواردات. وإمكانية إعادة ترتيب أولويات الإنفاق العام لحماية الإنفاق الاجتماعي والاستثماري. وتعزيز شبكة الأمان الاجتماعي عبر برامج التمكين والحماية. والتوجه نحو التمويل الميسر من مؤسسات دولية. وتقديم حوافز ضريبية مستهدفة للقطاعات الحيوية كالسياحة والطاقة المتجددة.
خطط التحصين
على المدى المتوسط
ودعا مخامرة إلى إستراتيجية متوسطة المدى، تقوم على دعم الإنتاج الغذائي والمائي المحلي، والتوسع في الزراعة الحديثة. وتسريع مشاريع إستراتيجية مثل "ناقل البحرين" وتحلية مياه البحر. وتنويع الاقتصاد عبر دعم القطاعات المرنة كالتكنولوجيا المالية، والخدمات اللوجستية، والصناعات التصديرية. وتحسين بيئة الأعمال، وتبسيط الإجراءات، ومكافحة الفساد. وفتح أسواق جديدة في أفريقيا وآسيا.
وشدد أيضًا على ضرورة تسريع التحول إلى الطاقة المتجددة لتقليل الاعتماد على النفط المستورد. وتوقيع عقود طويلة الأجل للطاقة، وتحسين كفاءة الاستخدام. وتنويع مصادر التوريد، وتطوير القدرات اللوجستية الوطنية.
ودعا الحكومة إلى اتخاذ إجراءات ذكية للحفاظ على القطاع السياحي وتحويلات المغتربين، من خلال تطوير منتجات سياحية جديدة كالسياحة العلاجية وسياحة المؤتمرات، وتحفيز الاستثمار وتسهيل التحويلات الرسمية.
عقل: حالة عدم يقين اقتصادي
من جانبه، اعتبر الخبير الاقتصادي مفلح عقل أن المنطقة دخلت فعليًا في حالة "عدم يقين اقتصادي"، مرجحًا أن تكون هذه الحالة أوسع وأعمق من الأزمات السابقة، لا سيما مع تنامي مخاطر اندلاع حرب إقليمية مفتوحة.
وأوضح أن القلق الاستهلاكي بدأ بالظهور لدى المواطنين، مما قد يحد من الإنفاق ويزيد من الميل إلى الادخار. كما أشار إلى تراجع الثقة في المناخ الاستثماري والسياحي، إلى جانب ارتفاع أسعار النفط عالميًا بنسبة 12 % منذ بداية التصعيد، ما ينذر بأعباء إضافية على الاقتصاد الأردني.
وحول حركة الصادرات والواردات، أكد عقل أنها ما تزال في وضع مستقر نسبيًا، مع توفر بدائل للوصول إلى الأسواق الإقليمية كدول الخليج وسورية ومصر.
وأشار إلى أن الأمن الغذائي في الأردن مريح حاليًا، بفضل توافر مخزونات كافية من المواد الأساسية، مستبعدًا حدوث أي شح في السوق.
كما رجّح عقل أن تكون مدة الصراع قصيرة، وأن لا تُقدِم إيران على إغلاق مضيق هرمز، ما يخفف من حدة التداعيات على الأردن ودول الجوار.
زوانة: الصراع قد يستمر لأسابيع
بدوره قال المختص في الاقتصاد السياسي زيان زوانة، إن المؤشرات الأولية تشير إلى أن الصراع الحالي سيستمر لعدة أسابيع، ما يرفع من منسوب مضاعفاتها على اقتصادات المنطقة كافة بما فيها الاقتصاد الأردني.
وأوضح زوانة أن استمرار الحرب الإيرانية الإسرائيلية، قد تمتد تأثيرتها على حركة الاستيراد من الخارج وأجور الشحن، ما يتطلب التأكد من وجود مخزونات من السلع الأساسية غذائية ومدخلات للإنتاج.
وأشار إلى أن المرحلة الحالية تتطلب من الحكومة والجهات المعنية التأكد من وجود مخزون إستراتيجي يكفي حاجة المملكة لمدة شهرين على الأقل، إضافة إلى ضمان استمرار الخدمات الأساسية من مياه ونفط وكهرباء.